هل يمهد اتحاد الشغل إلى مواجهة ميدانية مع حكومة الشاهد

بداية المواجهة

يرى مراقبون أن الحرب التي أعلنها نورالدين الطبوبي الأمين العام الاتحاد العام التونسي للشغل على حكومة الشاهد ما هي إلا تمهيدا لمواجهة ميدانية فيما يرى آخرون أن تصعيد المركزية النقابية لا تهدف سوى إلى الضغط وإشراكها في الإصلاحات.

وأعادت حالة التوتر التي ما انفكت تأخذ نسقا تصاعديا إلى أذهان التونسيين مواجهة الاتحاد مع الحكومة العام 1978 بقيادة الزعيم النقابي الحبيبب عاشور.

وخلال اليومين الماضيين قال سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد إن أوضاع البلاد متشابهة مع العام 1978 في تصريح يستبطن أن الاتحاد مستعد لكل الاحتمالات.

وعلى الرغم من وجود قنوات تواصل مع السلطة وفي مقدمتها الرئيس قائد السبسي الذي استقبل الطبوبي فإن تلك القنوات لم تخفف من حدة خطاب المركزية النقابية.

وتجاهر القيادات النقابية أنه في حال عدم الاستجابة لمطالبها وعلى رأسها إقالة الشاهد فإنها ستنظم إضرابا عاما لفرض دور ومكانة الاتحاد في صناعة القرار السياسي.

ويعد ملف التفويت في عدد من المؤسسات العاملة من أبرز النقاط الخلافية بين المركزية النقابية والاتحاد إذ تشمل الإصلاحات التي أعلنها الشاهد إعادة هيكلة منظومة المنشآت باعتبارها منشآت خاسرة وتحولت إلى عبء ثقيل على موازنة الدولة.

غير أن الاتحاد يرى أن أي تفويت في أي مؤسسة هو مساس بمؤسسات الدولة وبحقوق العمال والأجراء علاوة على أنه سيمثل مدخل غير مشروع للمستثمرين الأجانب.

ويقول وحيد الطرابلسي الناشط النقابي والأستاذ بالجامعة التونسية \"لا يجب فهم التصعيد النقابي خارج سياقاته التاريخية والأوضاع العامة وأيضا خارج التحولات التي طرأت على مفهوم العمل النقابي بصفة خاصة\".

ويضيف الطرابلسي لميدي آيست أونلاين \"إن الاتحاد لم ينشأ من أجل حصر دوره في المطلبية سواء تعلق بالزيادات في الأجور أو في غيرها وإنما هو قوة مدنية من حقها اليوم بعد تجربة طويلة أن تشارك الحكومة في قراراتها\".

ويشدد الطرابلسي على أن هناك \"حالة التململ في الأوساط النقابية، وهو ما يعكسه خطاب الطبوبي، تدفع باتجاه مزيد الضغط وإقرار إضراب عام إن لزم الأمر\".

ومما يعزز هذه الفرضية هو أنه لأول مرة يتجاوز اتحاد الشغل دوره النقابي إلى الشأن العام ويزج بنفسه في كطرف من الإطراق المعنية لا فقط بالإصلاحات وإنما أيضا بتركيبة الحكومة حيث كثيرا ما لمحت القيادات النقابية إلى عدم رضاها عنها.

ومنذ العام 2014 تاريخ رعايته للحوار الوطني وتنحيته لحركة النهضة من الحكم بدا اتحاد الشغل ينزلق شيئا فشيئا في المشهد السياسي ليرسم لنفسه صورة القوة القادرة على استثمار ثقلها المدني ووزنه في أوساط الأجراء باتجاه نوع من القوة السياسية.

ويواجه الاتحاد اليوم انتقادات لاذعة لا فقط من قبل الشاهد وإنما أيضا من قبل عديد المراقبين والخبراء إن يرون أن حاد عن دوره المدني وكاد يتحول إلى حزب سياسي.

ويقول وليد بلخوجة أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسي \"إن الاتحاد سقط في خطاب مزدوج فهو من من احية يطالب الإصلاحات لدعم الاقتصاد والرفع من أداء مؤسسات الدولة ومن ناحية أخرى يعلن الحب على الشاهد قبل البدء في تلك الإصلاحات\".

ويضيف بلخوجة لميدل ايست أونلاين \"من حق الاتحاد أن يدافع عن أي تداعيات اجتماعية للإصلاحات خاصة إذا ما انتهجت الحكومة سياسات اقتصادية متوحشة لكنه ليس من حقه أن يتحول إلى حزب سياسي معارض\".

غير أن فرضية المواجهة الميدانية تبدو بالنسبة لمراقبين آخرين مستبعدة مشددين على أن المواجهة بين الطبوبي والشاهد على مستوى الخطاب ليست سوى مواجهة استعراضية تستبطن نوعا من المشاكسة السياسية التي لا تستهدف السلم الأهلي.

ويستدل المراقبون هنا بأحد ثوابت السياسة التونسية وهو ثابت الحوار بين الحكومة والاتحاد في مختلف الملفات سواء منها الخلافية أو ذات المضمون الاجتماعي.

وإضافة إلى ذلك إقرار الحكومة بحق المركزية النقابية لا فقط بمشروعية مطالبها الاجتماعية وإنما بحقها في المشاركة الجديدة في صناعة القرار السياسي والإداري.

وكان الرئيس قائد السبسي شدد في 20 مارس الماضي على أنه لا يمكن الحديث عن مفهوم الوحدة الوطنية دون مشاركة اتحاد الشغل ودون مضمون اجتماعي.

ويرى نور الدين خليف أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية \"من الصعب الحديث عن مواجهة ميدانية بين الاتحاد والحكومة مهما كانت حدة الخطاب النقابي\".

ويضيف خليف \"الاتحاد طرف من أطراف وثيقة قطاج وهو ما يمكنه من تقديم مقترحاته بشأن الحكومة وحتى بشأن تركيبتها والاعتراض على البعض منها\".

وظل تمسك الشاهد ببرنامجه الإصلاحي الذي يتضمن نقطتين حساسيتين أولهما التفويت في عدد من المؤسسات العمومية وثانيهما المزيد من فرض الضرائب تبقى علاقة الاتحاد مرشحة إلى أكثر من احتمالقد يقود إلى المساس بالسلم الأهلي.