هل تسحب خارطة طريق لجنة قرطاج برنامج الشاهد

الشاهد قربان الفشل

اتفقت لجنة خبراء وثيقة قرطاج على ضرورة وضع خارطة طريق جديدة تنموية وسياسية ذات مضمون اجتماعي ومدني لإنقاذ البلاد من الأزمة الهيكلية فيما قال خبراء إن الاتفاق يعد تمهيدا لسحب برنامج حكومة الشاهد الذي يعارضه اتحاد الشغل.

ويقر عدد من اللجنة التي انبثقت من الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج في أعقاب حالة التشنج بين الحكومة واتحاد الشغل بأن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية أملت ضرورة مراجعة شاملة لبنود الوثيقة التي تركزت بناء عليها حكومة الشاهد.

ويقول محسن حسن القيادي في نداء تونس وعضو اللجنة إن تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي دفعا الرئيس قائد السبسي إلى الاجتماع بالموقعين على وثيقة قرطاج من أجل الوصول إلى توافقات لإنقاذ الوضع الراهن أمام تراجع المؤشرات.

وهذه هي المرة الأولى التي يقر فيها قيادي في النداء الذي يقود الحكومة بتدهور الأوضاع وهو إقرار لا ينسجم مع تصريحات الشاهد الذي ما انفك يؤكد على أن حكومته تقود برنامجا طموحا لمحاربة الفساد والإرهاب وتوفير التنمية والشغل.

ويقر حسن بأن انسداد الحوار والتفاوض بين الحكومة والمنظمات الوطنية استوجب اجتماع الأحزاب للاتفاق على جملة من السياسات المتبعة في مختلف المجالات.

وخلال أشغال العمل بدت مواقف النداء وحركة النهضة متباينة إلى حد التناقض حيث تمسك ممثلا النهضة بالاكتفاء بتقييم أداء الحكومة ومعالجة بعض المسائل الفنية مشددين على أن الشاهد لم يفشل فيما أقر ممثلي النداء بفشله في تنفيذ البرنامج.

وقالت مصادر سياسية مقربة من النهضة وأخرى مقربة من النداء إن "النقاش داخل لجنة الخبراء زاد في تعميق الخلاف بين الحزبين على الرغم من الاتفاق حول الخطوط العريضة بشأن الإصلاحات التي تفرضها الأزمة الهيكلية في البلاد".

وتؤشر تصريحات محسن حسن على أن عمل لجنة الخبراء لا يختزل في مراجعة عدد من بنود وثيقة قرطاج كما كان يروج له وإنما سيشمل التوافق حول وضع سياسات تنموية وسياسية واجتماعية في إطار خارطة طريق جديدة تحظى بالإسناد السياسي.

ووفق أكثر من مصدر سياسي فإن اتحاد الشغل مارس كل الضغوط للارتقاء من طبيعة اللجنة كلجنة فنية تقيم أداء الحكومة إلى لجنة تتولى وضع السياسات العامة خاصة في مجال الإصلاحات الكبرى وفي مقدمتها عدم التفويت في المؤسسات العمومية.

وترفض المركزية النقابية ما تسميع بالسياسات الترقيعية والإجراءات العشوائية للحكومة مشددة على أن البلاد في أمس الحاجة إلى اصلاحات جوهرية تطال منظومة الحكم وأدائها ونوعية برامجها الاقتصادية والاجتماعية.

وعلى خلاف الأحزاب السياسية وفي مقدمتها النداء والنهضة يراهن اتحاد الشغل الذي ما انفك يرفع من نسق تصعيده على أن تفضي أعمال لجنة الخبراء لا إلى توافقات فقط بل إلى الخروج من الوضع الحالي من خلال برنامج عمل شامل تقوده حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات هيكلية بعيدا عن خيار الاقتصاد المتوحش.

ونجح الاتحاد في دفع لجنة الخبراء باتجاه فتح الملفات الحارقة بما فيها فشل أداء حكومة الشاهد التي يجاهر برحيلها ويعتبرها المسؤول الأول عن الأزمة السياسية وتركيز تركيبة حكومية أكثر انفتاحا على القوى السياسية والمدنية بما فيها الاتحاد طبعا.

وحين نعود إلى تصريحات محسن حسن وتركيزه على أن لجنة الخبراء تسعى إلى توافقات بشأن السياسات المتبعة يمكن أن نستنتج أن اللجنة ماضية في مراجعة سياسات حكومة الشاهد وبرامجها ولن تقتصر مهمتها في التقييم وهو ما يعني ضمنيا أن هناك توجه نحو صياغة برامج حكومية توافقية قد تكون على أنفاض برامج الشاهد.

ومما يعزز هذه الفرضية الممكنة جدا أن غالبية قيادات النداء ومن بينهم محسن حسن يقرون بفشل حكومة الشاهد لا فقط في تنفيذ الإصلاحات وإنما أيضا في التواصل مع القوى المدنية ومد جسور الحوار معها وفي مقدمتها اتحاد الشغل.

وترى تلك القيادات أن النداء هو الخاسر الأول من فشل الشاهد إذ بدل أن يعزز علاقاته مع القوى السياسية والمدنية في إطار سياسات حوار تعزز دور الحزب ومكانته لم يقده سوى إلى المزيد من العزلة وتدني ثقة التونسيين فيه.

ويقر محسن حسن بأن حكومة الشاهد "فشلت"، وتأتي تصريحات القيادي المقرب من الرئيس قائد السبسي في وقت تتحدث فيه أوساط سياسية على أن النداء رفع غطاءه السياسي عن الشاهد بعد أن زج به في مواجهة مباشرة مع اتحاد الشغل الذي يعد الطرف الفاعل في الاستقرار السياسي والاجتماعي.

وتظهر قراءات أن مواقف النداء هي أقرب منها للاتحاد العام التونسي للشغل من حركة النهضة مستبعدة أي شكل من أشكال الصفقات في ظل مراهنة السبسي على أن تتوصل اللجنة إلى نتائج توافقية في إطار الشفافية بما يساعد على حلحلة الأزمة الهيكلية.

ويصف عدد من أعضاء لجنة الخبراء خارطة الطريق التي يسعون إلى وضعها بـ"الثورية" وبالجذرية" مقارنة مع برنامج الحكومة ويعد هكذا توصيف رسالة موجهة إلى الشاهد مفادها أن برنامجه سيتم تقويضه من الأساس بناء على رؤية توافقية.

وتتوقع أوساط سياسية مقربة من قصر قرطاج أن يرفع قائد السبسي غطاءه السياسي عن الشاهد بمجرد التوصل لجنة الخبراء إلى رسك خارطة طريق توافقية تحظى بتأييد اتحاد الشغل الذي تحظى مطالبه ذات المضمون الاجتماعي بدعم الرئيس التونسي.

وتستدل الأوساط على ذلك بأن كل من السبسي والنداء مستعدان للتضحية بالشاهد في ظل تقييم عام يؤشر على فشله وليس مستعدان باستعداء اتحاد الشغل باعتباره القوة المدنية الأولى المتنفذة والقادرة على تهدئة الأوضاع وتنفيس الاحتقان الاجتماعي.

ويرى مراقبون أن لجنة الخبراء التي تعمل بناء على متابعة من الرئيس قائد السبسي من جهة، وضغوط اتحاد الشغل ورؤيته من جهة أخرى ما هي إلا تمهيد لرحيل الشاهد.

ويشدد المراقبون على أنه من غير الممكن أن يقبل اتحاد الشغل أن يتكفل الشاهد بتنفيذ خارطة الطريق المنتظرة وهو الذي استمات في الدفع باتجاهها لتكون بديلا لتوجهات الحكومة خاصة بشأن عدم التفويت في المؤسسات العمومية.