استنفار في دمشق مع توجه سفن حربية أميركية لسواحل سوريا

تأهب أميركي في انتظار أوامر بقصف سوريا

واشنطن/دمشق - ألغى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصورة مفاجئة الثلاثاء زيارته الأولى المقررة في وقت لاحق هذا الأسبوع إلى أميركا اللاتينية من أجل \"الاشراف على الرد الأميركي على سوريا\"، وفق ما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز، فيما أعلنت قيادة الجيش السوري حالة الاستنفار في صفوف قواتها وقواعدها تحسبا لهجوم أميركي وشيك.

وتستعد الولايات المتحدة على ما يبدو لتوجيه ضربة عسكرية لدمشق وأن المسألة مسألة وقت لا غير.

وقد ذكرت صحيفتان أميركيتان الثلاثاء أن مدمرة حربية أميركية مجهزة بصواريخ اتجهت بالفعل نحو السواحل السورية.

وقالت وول ستريت جورنال، إن هذا التحرك يأتي ضمن رد عسكري محتمل على مقتل 78 مدنيا في هجوم كيميائي شنته قوات النظام السوري السبت الماضي على مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية بمحافظة ريف دمشق.

ولم تحدد الصحيفة اسم السفينة ولا النقطة التي تحركت منها.

إلا أن صحيفة واشنطن إكزامينر نقلت عن مصدر عسكري في البحرية الأميركية (لم تسمّه) قوله إن عددا من السفن العسكرية المجهزة بصواريخ توماهوك تحركت من قبرص باتجاه شرق البحر الأبيض المتوسط، قاصدة السواحل السورية، ليلة الاثنين - الثلاثاء.

وأضافت أن من بين تلك السفن (لم تحدد عددها) السفينة الحربية \"يو إس إس دونالد كوك\" المجهزة بصواريخ موجهة.

وخلال اجتماعه، مساء الاثنين مع القادة العسكريين في البيت الأبيض، أعلن ترامب أن الهجوم الكيميائي على دوما سيقابل بالقوة\" وأنه \"سيتم اتخاذ قرار قوي خلال اليومين المقبلين\".

وتشير هذا التطورات إلى أمر طارئ يجري ترتيبه في البيت الأبيض بعد اعلان البنتاغون دعمه للخيار العسكري ضد دمشق ردا على الهجوم الكيمياوي على دوما بالغوطة الشرقية.

كما يسلط قرار الغاء سفر ترامب الضوء على جدية تهديد الرئيس الأميركي بعمل عسكري بدعم من مجلس الأمن أو بدونه، وهو ما سبق أن اكدته المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة.

وكان يفترض أن يغادر ترامب واشنطن الجمعة للقيام بأول زيارة له إلى أميركا اللاتينية منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017. وفي ختام قمة الدول الأميركية في ليما كان يفترض أن يتوقف ترامب في بوغوتا بكولومبيا.

وقالت ساندرز إنه \"نزولا عند طلب الرئيس سيسافر نائبه مايك بنس عوضا عنه إلى ليما لحضور قمة الدول الأميركية\".

وأضافت \"سيبقى الرئيس في الولايات المتحدة للإشراف على الرد الأميركي في ملف سوريا\".

ومنذ الهجوم المفترض بـ\"الغازات السامة\" الذي أوقع عشرات القتلى السبت في مدينة دوما آخر معقل للمعارضة قرب دمشق، لوح ترامب بالتدخل العسكري.

وقال الاثنين \"كان الهجوم فظيعا ومروعا وسنرد عليه بقوة\"، متوعدا بقرار وشيك.

ويأتي الاعلان عن الغاء الزيارة في اللحظة الأخيرة غداة تعبير الرئيس الأميركي عن غضبه اثر مداهمة عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) الاثنين مكتب مايكل كوهين محاميه الشخصي الذي دفع أموالا طائلة لممثلة اباحية لقاء سكوتها بشأن علاقة سابقة مع ترامب.

دمشق تستنفر قواتها

وتشهد قواعد الجيش السوري الثلاثاء حالة استنفار لدى كافة وحداتها غداة تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب برد قوي وقريب، ملوحا بالخيار العسكري بعد تقارير حول هجوم كيميائي وتوجيه أصابع الاتهام إلى دمشق.

وتتوعد دول غربية منذ يومين بـ\"رد قوي\"، وتحدث ترامب عن قرار مهم في \"وقت قصير جدا\"، فيما أكدت فرنسا أنها سترد في حال تخطت دمشق \"الخط الأحمر\"، بعد أن تحدث مسعفون عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في هجوم كيميائي مساء السبت في مدينة دوما.

وحذرت موسكو حليفة دمشق من \"خطورة\" الاتهامات، معلنة في الوقت ذاته أنها ستقدم مشروع قرار دولي للتحقيق في الأمر ردا على مشروع آخر قدمته واشنطن، فيما دعت

الحكومة السورية الثلاثاء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للدخول إلى دوما والتحقيق \"حول ادعاءات استخدام السلاح الكيميائي\".

وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان الثلاثاء بأن \"قوات النظام ومسلحين موالين لها تواصل استنفارها منذ مساء الاثنين تحسبا لضربات محتملة\" تهدد بها الدول الغربية.

وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن \"عممت قيادة أركان الجيش منذ منتصف الليل تنفيذ استنفار لمدة 72 ساعة على كافة القطاعات العسكرية، المطارات والقواعد\" في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية وبينها دمشق.

وأضاف \"هذا الشيء لا يحصل إلا ردا على التهديدات الخارجية. هناك تحصينات وتدريبات للانتشار السريع\".

ومنذ ورود أول التقارير حول الهجوم الكيميائي، اعتبرت دمشق الاتهامات \"فبركات\" ولطالما نفت استخدام الأسلحة الكيميائية طوال سنوات النزاع منذ العام 2011، كما تؤكد أنها دمرت ترسانتها في 2013 بموجب قرار أميركي روسي إثر اتهامها بهجوم أودى بحياة المئات قرب دمشق.

وخلال جلسة لمجلس الأمن الاثنين، قال ممثل سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري إن الهدف من \"الاتهام الباطل\" هو \"تهيئة الأجواء للعدوان على سوريا على غرار ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا من جريمة عدوانية موصوفة بحق العراق في العام 2003\".

وفي البيت الأبيض، قال ترامب الاثنين \"نحن بصدد اتخاذ قرار بشأن ما سنقوم به في ما يتعلق بالهجوم المروّع الذي حصل قرب دمشق والذي سيتم الرد عليه، وسيتم الرد عليه بقوة\".

وأضاف أن القرار سيتخذ \"في وقت قصير جدا\"، بينما لم يستبعد وزير دفاعه جيمس ماتيس توجيه ضربات عسكرية.

ومنذ يومين، تنسق الولايات المتحدة مع فرنسا بشكل أساسي، بعدما هددت الدولتان خلال الفترة الأخيرة بتوجيه ضربات في حال توفر \"أدلة دامغة\" على هجمات كيميائية في سوريا، خاصة أنه ظهرت منذ بداية العام حالات اختناق وأعراض ضيق تنفس في عدة مناطق أبرزها الغوطة الشرقية قرب دمشق.

وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية الثلاثاء \"إذا ثبتت المسؤوليات وإذا تم تجاوز الخط الأحمر فسيكون هناك ردّ\"، بعد مكالمة هاتفية جديدة أجراها الرئيسان الفرنسي ايمانويل ماكرون والأميركي ليلا.

وأضاف أن الرئيسين \"تبادلا معلومات تؤكد مبدئيا استخدام أسلحة كيميائية\"، مشيرا إلى أنهما اتفقا على التحدث مجددا في الساعات الـ48 المقبلة.

كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداعم للمعارضة السورية، إن منفذي \"المجزرة سيدفعون بالتأكيد ثمنا باهظا\".

وكانت موسكو قد نفت بدورها استخدام دمشق أسلحة كيمياوية، محذرة من سيناريو جاهز لفبركة هجوم كيمياوي مزيف بقصد توريط النظام السوري والتهيئة لتدخل عسكري دولي.

وتساءلت روسيا التي تنفي امتلاك النظام السوري لأسلحة كيمياوية، ما الذي يدفع القوات السورية لشن هجوم كيمياوي في هذا التوقيت فيما تفرض سيطرتها على 95 بالمئة من الغوطة الشرقية ولم يبق أمامها إلا جيب صغير هو دوما.

وأفاد المرصد السوري عن \"21 حالة وفاة السبت جراء الاختناق واصابة 70 آخرين\" في دوما، من دون أن \"يؤكد أو ينفي\" استخدام الغازات السامة. لكن منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل)، تحدثت عن أكثر من 40 قتيلا ومئات الاصابات.

اجتماع ثان لمجلس الأمن

وفي أجواء من التصعيد الكلامي بين موسكو والدول الغربية، يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا ثانيا الثلاثاء حول سوريا حيث من المفترض أن يعرض للتصويت مشروع قرار أميركي لتشكيل \"آلية تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة\" حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا.

ومن المرجح ألا توافق موسكو على القرار وهي التي استخدمت الفيتو 11 مرة لصالح دمشق.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الثلاثاء إن \"خطورة المزاعم الجديدة تستدعي تحقيقا شاملا يجريه خبراء محايدون ومستقلون ومحترفون\".

وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء أن بلاده ستقدم مشروع قرار آخر يطالب بالتحقيق في الأمر.

وقال \"نحن مهتمون بأن يشارك الخبراء المستقلون في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية\" في هذا التحقيق غداة تأكيده أن خبراء عسكريين روس توجهوا إلى دوما ولم يجدوا \"أثرا\" لمواد كيميائية.

وأضاف لافروف \"ليتمكن محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من القيام بواجباتهم\"، عليهم \"بالضرورة التوجه إلى المكان\". وأعلنت المنظمة الدولية الاثنين أنها تحقق في الأمر.

واتهم الكرملين الثلاثاء الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بأنها \"ترفض مواجهة الحقيقة\".

وقال المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف \"سلوك الطرق المختصرة واطلاق الأحكام من دون أي تحقيق هي تقاليد قديمة\".

واعتبر أن التهديد بردّ قوي \"يقلص بالتأكيد هامش المناورة بالنسبة للجهود الدبلوماسية\".

وتأتي التطورات الأخيرة بعد مرور عام على ضربة أميركية استهدفت قاعدة عسكرية في وسط سوريا ردا على هجوم كيميائي اتهمت الأمم المتحدة قوات النظام بتنفيذه وتسبب في مقتل العشرات في بلدة خان شيخون شمال غرب البلاد.

وغداة التقارير حول الهجوم الكيميائي، أعلنت دمشق عن اتفاق مع فصيل جيش الاسلام المسيطر على دوما لإجلائه منها، وبدأ تنفيذه بعد ساعات قليلة.

وخرجت مساء الاثنين 65 قافلة محملة بمئات المقاتلين والمدنيين باتجاه الشمال السوري. وتتواصل العملية حتى خروج آخر المقاتلين المعارضين من المدينة.

وعلى جبهة أخرى، وثق المرصد السوري الاثنين مقتل 22 مدنيا على الأقل، بينهم 12 طفلا في انفجار بمدينة ادلب في شمال غرب البلاد. كما قتل تسعة آخرون لم يعرف ما إذا كانوا من المقاتلين أو المدنيين.