مجاهدون ومقاومون على طاولة واحدة

لحساب مَن يقاتل المجاهدون؟

من أجل أي هدف يقاتل المقاومون؟

هناك حرب طاحنة بين المجاهدين والمقاومين. تلك الحرب لا تقع في الفضاء الخارجي بل في مدن يقيم فيها بشر لا ذنب لهم إلا أنهم بسبب حظ عاثر وجدوا أنفسهم بين سندان الجهاد ومطرقة المقاومة.

المقاومون والمجاهدون على حد سواء يقاتلون ليصل كل طرف منهما إلى هدفه وهو إبادة الآخر ولكن ذلك الهدف لن يتحقق إلا من خلال حرق وتدمير كل ما يقف في الطريق إليه من بشر وحجر وشجر.

يجد الطرفان أن هدفيهما اللذين قُدا من طينة واحدة يستحقان أن تفنى البشرية وتختفي كل علامات الحياة من أجلهما. فهما بالنسبة لهما محور الوجود الذي لا يمكن أن يكتمل إلا من خلال التخلص من الفائض البشري وتحطيم كل شيء يشير إلى غرور الحياة الزائلة.

إذا ما أكتفى المرء بنظرة سطحية فإن ما يجري هو نوع من الحرب الدينية، حيث تحتل الخلافات العقائدية جزءا كبيرا من المعلن والمستور من خطابات الحرب وببياناتها. ناهيك عن لغة واملاءات الطرفين وسواهما من عناصر الظهور تشير بطريقة لا تقبل اللبس إلى الأبعاد الدينية لفكرتي الجهاد والمقاومة المتصارعتين.

ولكن ذلك الحكم لا بد أن يتلاشى ما أن ينظر المرء الى ارتباطات كلا الطرفين والجهات التي تمولهما وحقيقة دوافعها للمضي في صراعهما الوحشي والهمجي حتى الموت.

ستكون حينها العقيدة هي آخر ما يمكن التفكير فيه. سيكتشف المرء أن الطرفين استغفلا الضحايا بالعقائد (السامية) من أجل تحقيق غايات دنيوية، هي تجسيد لصراع سياسي ــ اقتصادي على مناطق نفوذ، صارت متاحة بسبب الفراغ الذي حدث في الألم العربي بعد أن فشلت الأنظمة السياسية في احتواء تداعيات أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي".

وهكذا صار واضحا أن الجهاد والمقاومة هما واجهتان زائفتان لمشروعين ينطويان على الكثير من النصب والخداع والاحتيال والكذب وتدنيس ما هو مقدس من خلال استعماله ذريعة لفرض أقسى العقوبات على مجتمعات قُدر لها أن تكون من غير حماية.

غير أن الأسوأ في مسألة الصراع البشع بين قوتي الجهاد والمقاومة أن كلا الطرفين يعملان باعتبارهما شركتين أمنيتين لحساب دول وأجهزة مخابرات دولية قامت باستئجارهما من أجل انجاز ما يُطلب منهما من عمليات قذرة. وهو ما لا يمكن اخفاؤه في ظل التمويل المالي الهائل التي يتلقاه المقاومون والجهاديون على حد سواء.

القتل والتهجير والترويع والقهر والعزل والتجهيل والقمع وانتهاك الكرامة الإنسانية والتضليل باسم الدين وسواه من الممارسات التي تتسم بطابع عنفي كلها خدمات مدفوعة الثمن.

غير أن الأسوأ في تلك المسألة يكمن في التحول الذي طرأ على المفاهيم التي انقلبت معانيها إلى ضدها بسبب سلوك المتاجرين بها.

فالجهاد الذي هو قيمة دينية سامية لم يعد مقنعا لأحد.

كذلك المقاومة التي حق إنساني رفيع صارت نوعا رخيصا من الاتجار بالبشر.

لقد انتشرت جماعات الجهاد والمقاومة في العالم العربي ولم يكن ذلك الانتشار إلا انعكاسا لعمليات التمويل والاستئجار من قبل القوى التي لا ترغب في التورط مباشرة بالعمليات القذرة فكانت هناك مكاتب يديرها متعهدون متخصصون، لم يكن مفاجئا أنهم ارتدوا أزياء دينية ليمارسوا مهنتهم من خلالها.

على سبيل المثال فإن الكثير من حملة ودعاة الإسلام السياسي المقاومين والجهاديين في العراق هم مجرد ممثلين. لو عادت بهم آلة الزمن إلى ما كانوا عليه قبل سنة الاحتلال الأميركي (2003) لرأيناهم في صورهم الحقيقية سماسرة فاشلين وباعة بضائع مسروقة ومهربين ومنتحلي شخصيات ومزورين وأفاقين ولصوصا وزبائن أماكن مشبوهة.

لقد حطم مروجو الإسلام السياسي عن قصد قيمتين رفيعتي المستوى هما الجهاد والمقاومة. فعن طريقهما صار القتل حلالا وخيانة القيم الإنسانية مهنة.