'غلطة وورطة' .. تحاول رأب الصدع بين الغرب والشرق

مستوى جديد من الوعي

قدمت فرقة مسرح أجيال على قاعة "السفك سنتر" في ديربورن عملها الجديد، من تأليف الكاتب والممثل اللبناني المعروف بين أوساط الجالية العربية "ناجي مندلق"، ومن اخراج الفنان اللبناني "عزيز شراباتي"، وتمثيل نخبة من أبناء الجالية الإغترابية، ومنهم الفنان "أيمن صفوي" والفنان "حسن الحاج" والفنان "رابح جابر" والفنان "نادر عويد" والفنانة "كارولين" والفنانة "ريما أمين" وهؤلاء جميعهم يحاولون ومن خلال مشاركتهم في هذه الأعمال إعطاء دروس تسهم في الإشتغال على مكنونات الواقع الداخلي الذي يعيشه الإنسان العربي في الداخل والخارج.

والذي يعرف ماهية المسرح الكوميدي يجد أنه يهدف إلى تحقيق المعادلة الصعبة في النجاح الفني والمادي والذي يعتمد على الكثير من المعايير التجريبية التي تتساوق مع مواصفات العرض وطبيعته التي تعتمد على إيقاع معين ونسق معين من الأداء يخلتف عن سواه من الألوان المسرحية الأخرى لأنه يحاول تحفيز ذهنية المتلقي من خلال كوميا الموقف.

وكذلك الذي يعرف الفنان "مندلق" فهو له دراية كبيرة في فنون الكوميديا والإضحاك، فهو يقدم لنا شرائح ونماذج من مجتمعاتنا العربية بوصفها مادة الجدل التي يقوم عليها العرض المسرحي، وهي المشكلة في واقعنا الحالي، ومن أمة يضرب فيها المثل، فليس من المعقول أن هذه الأمة التي تقول "لا إله إلا الله" تتحكم فيها الطائفية والتجزئة، والعشائرية، ويقتل بعضها بعضاً لأتفه الأسباب.

تلك إحدى الرسائل التي بثها العرض، وليس هذا فقط، فقد تضمن العرض الكثير من الرسائل الأخرى التي مُررت عبر أنساقه المختلفة التي تلامس الواقع الإغترابي والتي حاول توظيفها لأغراض الإرشاد والنصح، كما حاول الاستفادة من الأمثال وباللهجة اللبنانية الدارجة التي قُدم َ بها العرض، والمنولوجات الغنائية التي إستخدمها المؤلف "مندلق" بصيغة إستفهامات وبحث عن الإجابات من خلال المتفرجين وجدوا في طرحه ما يعبر عن حاجاتهم المعاصرة، وما يمرون به من أزمات مختلفة وهروب من الأوطان، ومن أنظمة تتحكم برقاب الناس وتسرق ثرواتهم وتصادر حرياتهم.

وهو في معظم نصوصه التي قدمها يؤكد على عنصر التناقض أو التباين في القيم السائدة هنا أو هناك في أوطاننا أو في مغترباتنا، ولو تمعنت كثيراً في هذه المشاهد المطروحة لوجدت إرتجالا ًفي بعض المواضع، ومشهدية تغلب عليها الواقعية التي تجلت في عناصر الديكور الذي عبر عن البيئة المكانية الواقعية للحدث، كما تم إستخدام أسلوب التلميح عبر الحوار لتحفيز مخيلة المتفرج وتأويل الجملة الى سياق آخر عبر أسلوب كوميدي ضاحك.

والمندلق يريد توطين المعرفة عبر تثقيف المغترب العربي بما يتوجب عليه فعله في موضوعة التعامل مع مجمل ما يواجهه في محطات الاغتراب على الصعيد الرسمي وغير الرسمي لتجنب الوقوع في الخطأ، ولرأب الصدع بين الغرب والشرق وتصحيح صورة العربي المشوهة عبر تنقية العلاقات التواصلية بيننا كعرب وأميركيين، وقبل الخوض في تفاصيل هذا العرض الذي قدمته الفرقة التي تأسست في عام 1988 نجد أنها تبحث عن كل ما هو جديد في مجتمعاتنا سواء في الداخل الأميركي أو في أوطاننا، ولهذا حرص المؤلف وكذلك المخرج على أن تصل المسرحية بأسلوبه الخاص الذي حاول تكريسه عبر سلسلة عروض سابقة والذي يعتمد على سرعة الأداء وتنويعه والارتجال وتوظيف النكتة لأغراض موضوعية واقعية إلى جمهوره الذي يعرفه من خلال إعمال سابقة.

ويحاول أعضاء الفرقة المذكورة المحافظة على العلاقة الإيجابية بينهم وبين جمهورهم، فجاء العرض الجديد مُرضيا ًبالنسبة للجمهور الذي استمتع بالضحك المتواصل الذي استمر أكثر من ساعتين ونصف والمعنون بمسرحية "غلطة وورطة" والذي تمظهر على شكل رسائل مهمة وخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تشهد فيها أجزاءً من عالمنا العربي أحداثا ًعاتية ومنها العراق وسوريا واليمن.

وفي هذا الجزئية أراد ان يلتحم التحاما حميميا في أسلوبه الواضح والصريح بالداخل بعد معالجته لموضوعة الخارج ومشكلاته قاصدا ًمخاطبة حواس وغرائز الجمهور. والمسرح الكوميدي هو أسلوب تقديم الأفكار والاستغناء عن الجانب الجاد والطبيعي لتناول قضايانا الحياتية، وكذلك يسعى إلى إظهار عيوب المجتمع من خلال الضحك، وإنه أيضاً وسيلة تظهر للمشاهدين بانهم غير معفيين مما يضحكهم وهم جزء من المشكلة.

ويؤكد مخرج العمل من خلال كلمته في "البروشور" أن الكوميديا تنتهج وبوسائل مختلفة الأهداف نفسها التي تنتهجها التراجيديا، ومما لا شك فيه أن المسرح هو أكثر الأنواع الأدبية الملموسة حيث يرى المشاهد عيوب الطبيعة البشرية بكافة أشكالها على المسرح.

يقول الكاتب "بيار بومارشيه" إنه لا يمكن للمرء أن يحقق تفاعلاً عظيماً ولا أخلاقية عميقة ولا كوميديا جيدة وصادقة في المسرح دون المواقف القوية التي تنشأ دائما من التناقض الاجتماعي في الموضوع الاجتماعي في الموضوع الذي يرغب المرء في معالجته، والكوميديا نجد لها أصولاً في الظواهر الشعبية وكذلك الأدب العربي فإنها ترتبط بالسياسة، وهناك لون مسرحي يدعى "مسرحاً سياسيا" حيث إستطاع ومن خلال نصه أن يبرز إحدى الخصائص الأساسية للمسرح، ألا وهي قدرته على تحدي المجتمعات وإزعاجها وإقلاقها وذلك لأجل تطورها.

وهذه الأفكار التي أنتجتها عقلية المؤلف كلها قدمت في أطر فنية مسلية، لا يترتب على نقدها أي رد عند المشاهد المستغرق في الضحك، حتى ان مخرج هذا العمل المسرحي "غلطة وورطة" لا يرتجي ردا ً سريعا من المتلقي بل أن هدفه من إثارة هذه الاشكاليات هو محاولة إنشاء مستوى جديد من الوعي لدى هذا المتلقي وفق معيار موضوعي حيال ما يحدث من قضايا ومشكلات ليسهم هذا المتلقي في اجتراح أشكال الحلول للمشكلات التي تعصف بوطنه الأم.