كوب من الماء = كوب من البترول!

لندن - الماء جوهر نادر في الوطن العربي، فالصحارى تكوّن معظم مساحته، وحتى الدول التي وهبها الله أنهاراً جيّاشة تعاني من خطر الجفاف. فالماء عنصر أساسي للوجود، وإن فقد فقدنا أحد أهم مقوّمات وجودنا (الأرض، المياه، الأمن)، وإن اعتدى أحد على هذا المقوّم الأساسي، فإنها حرب المياه لا محالة!.
ولا يزال حرص العرب على المياه وتقديسهم لها حتى يومنا هذا.. فلقد ازدادت أهمية المياه يوماً بعد يوم نتيجة التزايد الهائل في عدد السكان، والاستهلاك العشوائي للماء.. وتسعى الحكومات اليوم في العالم لتأمين المياه لشعوبها بأيّ ثمن وإن كان على حساب شعوب أخرى هي بأمسّ الحاجة للماء..
وتأتي أهمية هذا البحث الحائز على جائزة الشيخ عبد الله مبارك الصباح الأولى للإبداع العلمي، من أن الباحث قد عمل فيه على إيجاد الحلول الممكنة لمعالجة أزمة المياه في الوطن العربي، مُستعيناً في ذلك بالعشرات من المراجع العلمية العربية والأجنبية..
وكتاب " أزمة المياه في الوطن العربي.. الحلول الممكنة " من تأليف الباحث السوري من الجولان المحتل عبد الناصر فيصل نهار، وإصدار دار سـعاد الصباح للنشـر والتوزيع في الكويت - المطابع التعاونية الصحفيـة ش م ل، بيروت.. ويقع في 289 صفحة من القطع المتوسط تتضمن أربعة أقسام و16 فصلاً.
وفي القسم الأول من الكتاب "المدخل"، يعرض الباحث لبعض الحقائق العلمية الهامة عن الماء، ويُبين أن أزمة المياه هي أزمة عالمية ولا تقتصر على الدول العربية فقط، ويعرض أخيراً لجغرافية الوطن العربي وخاصة من ناحية المناخ ومصادر المياه التقليدية.
أما القسم الثاني "الأزمة والأمن المائي العربي"، فيعرض أولاً وبالتفصيل الوافي لأسباب أزمة المياه في الوطن العربي من ناحية النمو السكاني الكبير وتلوث المياه والمشاكل السياسية مع الدول المجاورة حول مصادر المياه، ليصل إلى تحديد مفهوم الأمن المائي العربي وأهدافه وعلاقته بالأمن الغذائي العربي.
ويعتبر القسم الثالث "الإصلاح المائي" القسم الأهم في الكتاب، إذ يشرح بدايةً وبأسلوب علمي دقيق أسس تقييم موارد المياه وكيفية حصرها، وبعض طرق تكنولوجيا الدراسات المائية وخاصة الاستفادة من تقنية الاستشعار عن بُعد، ومن ثم الحلول الممكنة لمعالجة الأزمة العربية من خلال 6 فصول تتضمن 28 حلاً تتوزع ما بين الحلول العلمية والتقنية والزراعية والإعلامية والسياسية، مُستعرضاً الشبكة الإقليمية لإعداد مخطط الأمن المائي العربي، ويختتم القسم بعرض عقبات تنمية موارد المياه وسبل معالجتها.
وجاء القسم الرابع والأخير " الخاتمة " ليقدم بعض الدراسات الخاصة حول أهم مشروعات تنمية الموارد المائية العربية، ومن ثمّ مجموعة الاستنتاجات الهامة التالية التي خلص إليها الباحث:
- يجب زيادة كثافة شبكات الأرصدة الجوية والمياه السطحية والجوفية، والعمل على توحيد نظم جمع المعطيات وإنشاء بنوك خاصة بها، ومن ثم تحليل المعطيات.
- إجراء حصر مستمر وتقييم لكمية الموارد المائية المتاحة للاستثمار، ومقارنتها بالطلب على الماء (للشرب والأغراض المنزلية، للصناعة والزراعة)، وذلك لدراسة إمكانية تحقيق الموازنة المطلوبة.
- تنظيم زيادة السكان بكلّ الأساليب الممكنة : التوعية والإرشاد، تنظيم الأسرة وتحديد النسل.
- الالتزام بتأمين مياه الشرب الصحية لسكان المدن والأرياف بكاملها.
- استكمال تنمية الموارد المائية التقليدية.
- تنمية استثمار الموارد المائية غير التقليدية وتطويرها.
- تطوير التشريعات المائية القائمة وتعديلها لإحكام الرقابة على الذين يتسببون بأضرار للمياه كماً ونوعاً.
- الاهتمام بموضوع حماية البيئة المائية.
- العمل المستمر على تهيئة الكوادر الفنية والمهنية، وتأهيلها.
- لا بدّ أن يكون موضوع الاتفاقيات الدولية لتقسيم الموارد المائية المشتركة على قمة الموضوعات التي يجب حسمها قبل وضع السياسة المائية بعيدة المدى.
- لا يقل المخزون المحتمل للزراعة العربية أهمية عن المخزون النفطي، وحزام القمح العربي من العراق إلى سوريا فالجزائر والمغرب سهل التحقيق لو صحّت العزيمة والإرادة.
- منابع المياه وخزانات المياه العربية قد تكون عرضة لعدوان حربي في المستقبل، ولا بدّ من العمل على حمايتها.
- إن استعمال المياه في الصناعة يعود بمردود اقتصادي عظيم، ولذا يجب التوجه لزيادة استثمار المياه في المجالات الصناعية، والعمل على تقليل الفواقد من المياه في مجال الزراعة.
- ترشيد استخدام المياه الجوفية غير المتجددة.
- ترشيد استخدام المياه الجوفية المتجددة وخاصة في المجال الزراعي.
- القيام بمسح ميداني لاستكشاف أنسب الوسائل الإعلامية للتوعية والإرشاد في كل قطاع مستفيد من موارد المياه.
- التفكير في إنشاء شبكة عربية للتوعية والإرشاد في مجال استثمار المياه، تعمل على نشر المعلومات وتبادلها.
- اعتبار موضوع توعية الجماهير وإرشادها للاقتصاد في استخدام المياه قضية قومية.
- للمرأة الدور الأعظم في التقليل من استهلاك المياه، لذا يجب أن ينالها القسم الأكبر من التوعية والإرشاد.
- تطوير العمل العربي المشترك نحو تقييم موارد المياه وتحقيق الأمن المائي العربي.
- للمنظمات العربية والإقليمية والدولية دور فعّال في تنمية استخدامات موارد المياه في الوطن العربي وترشيدها. حقائق عالمية لها دلالات يعتبر شحّ المياه في يومنا الحاضر مشكلة عالمية تعني شعوب الأرض قاطبة، فحتى في الدول الغنية بمصادرها المائية تدهورت نوعية المياه التي يحصل عليها الناس وطُبق نظام التقنين أحياناً. ويعتبر الأمر أسوأ بالنسبة للبلدان التي تُعاني من الجفاف، إذ أدت ندرة المياه النظيفة والصحية فيها، إلى تدهور في القطاع الزراعي نجم عنه مجاعات وانتشار للأوبئة والأمراض. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة يموت حوالي 40000 طفل يومياً بسبب نتائج النقص في المياه.
وبيّن تقرير للبنك الدولي حول أزمة المياه العالمية أنّ 80% من أمراض مواطني العالم الثالث تُسببها المياه الملوثة، وأن 10 ملايين شخص يموتون سنوياً للسبب نفسه، وأن هناك مليار شخص في الدول النامية يُعانون من نقص مياه الشرب النقية. كما بين التقرير أنّ 80 دولة في العالم تضم 40% من سكانه، مهددة بنقص المياه، وأن القرن المقبل سوف يشهد تفاقم الأزمة وتأثيرها على الزراعة والصناعة والصحة العامة.
والنتيجة الأهم لنقص الموارد المائية أن الصراع في المستقبل سيكون حول مصادر المياه، وأن هذا الصراع سيشمل نصف سكان الأرض.
ويشير معهد الرصد العالمي إلى تقلّص المساحة الزراعية المروية في العالم بحوالي 7% خلال العقد المنصرم، وهكذا يستهلك العالم حالياً من الطعام أكثر مما يُنتج، ولولا اعتماد كثير من الدول الفقيرة على المخزون العالمي للحبوب، لعمّت فيها المجاعة، وإن استمرار الجفاف في العالم سيجعل الأمن الغذائي العالمي في خطر كبير.
ورغم هذه الصورة القاتمة للمياه في العالم فإنّ الوضع ليس ميؤوساً منه، فلقد بدأ الوعي البيئي بتشكيل نوع من الضغط المضاد على جميع الذين يحاولون الإضرار بالموارد المائية، بالإضافة إلى العمل على تحويل مياه البحار والمحيطات التي لا تنفد، إلى ماء صالح للشرب أو الزراعة أو الصناعة، لكن ذلك يحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة واعتمادات مالية كبيرة (يقول البعض: إن ثمن كوب من الماء سوف يزيد على ثمن كوب من البترول). ووفقاً لمنظور البنك الدولي فإنّه يُمكن نزع فتيل المشكلة (وليس تقديم حل جذري)، برصد اعتمادات مالية ضخمة. الأزمة العربية لا يوجد دليل على تغيّر المناخ الكبير في المناطق الجافة العربية منذ خمسة آلاف سنة حتى الآن على الأقل.. فما هي الأسباب الحقيقية للأزمة الحالية في المياه العربية؟!..
أولى هذه الأسباب التزايد السكاني الهائل في المدن العربية، حيث سيصل عدد سكان العواصم العربية عام 2025 لأكثر من 100 مليون نسمة، ويصل حينها الطلب على الماء لأغراض الشرب والصناعة في تلك العواصم حوالي 16 مليار متر مكعب (3مليار عام 2000)، وهذا يعتبر رقماً كبيراً بالنسبة للموارد المتاحة، ومجمل الطلب على الماء سيصل لأكثر من 50 مليار متر مكعب.
وقدر إجمالي الطلب على المياه في الوطن العربي في نهاية القرن الماضي قرابة 368 مليار م3 في العام الواحد، وسترتفع هذه الكمية لتصل ما يُقارب 620 مليار م3 في السنة في عام 2030.. وتدل الدراسات المتعلقة بتقييم الموارد المائية في الوطن العربي أن العجز المائي الإجمالي العربي سيصل عام 2010 إلى حوالي 160مليار م3/عام، ويتمثل هذا العجز في الفرق بين الاحتياجات الفعلية بكافة أغراضها وصافي المياه المتاحة من مياه تقليدية وغير تقليدية، ويمثل هذا العجز المتوقع حوالي 63% من صافي المياه المتاحة.. ومن الطبيعي أن يتزايد حجم العجز المائي وكذلك حجم الضائع من موارد المياه عاماً بعد عام إذا ما بقيت كميات المياه بدون تنمية وترشيد.. كما يجب الإشارة إلى أن الاستثمار الزراعي يمثل حوالي 83% من المياه المستخدمة، في حين أن استخدام المياه للأغراض المنزلية والشرب تصل إلى 5.5 % والباقي في الأغراض الصناعية. مشاكل تلوث المياه يشمل تلوث المياه تلوث البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات، كما أن المياه الجوفية ليست في مأمن من التلوث، والاكتشاف الخطير أيضاً أن أنابيب الرصاص المستعملة في التمديدات الصحية في المنازل هي مصدر تلوث لماء الشرب العذب الذي يمرّ فيها.
أما مصدر التلويث الرئيسي للماء في الوطن العربي فهو فضلات الإنسان وأقذار البواليع وكذلك المنتجات والمشتقات البترولية.. ويُضاف لذلك أخطار التسرّب النووي لمفاعل ديمونة، مما يسبب بتلوث المياه الجوفية في إسرائيل نفسها وفي الدول المجاورة، خاصة مصر القريبة من صحراء النقب.. كما أن تركيا، وبالإضافة لإقامتها العديد من السدود الكبيرة على نهري دجلة والفرات، فقد تمّ مؤخراً اكتشاف أن نسبة التلوث بمياه الفرات في سورية قد زادت عن النسبة العالية المسموح بها بمرتين ونصف، وذلك بسبب المخلفات البشرية والصناعية التي تقوم تركيا بإلقائها في مياه نهر الفرات عند الحدود السورية – التركية. المشاكل السياسية حول المياه.. المياه العربية وصراع البقاء إسرائيل وتركيا هما أول من انتبه إلى أهمية الماء في المنطقة العربية وندرته وغلاء ثمنه، وقد حاولا ولا يزالان استغلال كل قطرة مياه ممكنة واستخدامها سلاحاً ضاغطاً على العرب، ونذكر هنا اتفاقيات بيع تركيا المياه لإسرائيل.
وسبق للولايات المتحدة الأمريكية أن سرّبت عبر أجهزة مخابراتها (وعن قصد) تصوّرها لحرب المياه بين سورية وتركيا، فضخمت القوة العسكرية السورية على حساب التركية. حيث أوردت بأنه إذا ما حدث خلاف كبير حول المياه بين سورية وتركيا، فإن الطائرات السورية ستقصف السدود التركية وتدمرها كلها، ومن ثم ستدخل القوات البرية السورية الأراضي التركية وتبقى فيها لمدة عشرة أيام، إلى أن تتدخل قوات حلف الأطلسي لتحاول طرد القوات السورية..
مشاكل وادي النيل
تعاني 96% من مساحة أرض مصر من التصحر، وتعاني أقاليم في السودان وإثيوبيا من الجفاف رغم أنهما على بعد حجر من مسار هذا النهر الخالد ! فقد كان من المعتقد بأن نهر النيل بمنابعه المتعددة وامتداده التاريخي كفيل بإطعام مصر الموصوفة بأنها هبة النيل. ولكن هذا التعبير المشهور منذ القدم لا يبدو دقيقاً في ظلّ الظروف الراهنة. فحول شريط النيل الأخضر ظلّ المصريون متجمعين دائماً ومتعلقين به وكأنه حبل النجاة الذي يخشون إفلاته، أما في الصحراء الغربية فليست هناك إلا القلة الضائعة في الواحات. وإن إطعام 25 مليون إنسان إضافي سيكونون موجودون مطلع هذا القرن، يتطلب من الحكومة المصرية العمل على نشر السـكان لتعمير الصحراء، وعليها أن تستخدم مياه النيل بشكل أفضل، وأن تعمل على استخراج المياه الجوفية العميقة. فالشعب العربي في مصر يعتمد كلياً على النيل وكل بوصة على جانبيه تزرع مرتين وأحياناً ثلاث مرات في السنة على امتداد شريط ضيق طويل.
ويضم حوض النيل ثماني دول متجاورة في إفريقيا هي مصر، السودان، إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، كينيا، زائير، بورندي، ورواندا، أي أكثر من 10% من مساحة إفريقيا.
وصحيح بأنه نادراً ما تمّ تحدي مصر بمياه النيل، ولكن الدول الأخرى سرعان ما ستحتاج إلى المزيد من المياه للزراعة ومشاريع توليد الكهرباء. وتهدد إثيوبيا التي تأتي نسبة 85% من مياه النيل من أراضيها الجبلية، ببناء سد خاص بها على منابع النيل في مرتفعات شمال إثيوبيا. وتنتهج الحكومة المصرية اليوم سياسة مائية رشيدة، فمع برنامج الأراضي الجديدة تعرض الحكومة على الشبان قطعان الماشية والأموال والمياه المجانية لتعمير الصحراء (بعد أن حاولت بريطانيا باحتلالها لمصر الفصل بين سكان الوادي وسكان الصحراء)، ويقبل الآلاف هذا العرض، وتمّ تحديد مواقع المياه الجوفية التي ستسمح بازدهار الزراعة. الاستغلال التركي الجائر لمياه نهري دجلة والفرات طالما استخدم الأتراك العلاقة المائية مع سوريا والعراق باعتبارها مصدراً للابتزاز، وتسعى تركيا من خلال التحكم بنسب المياه إلى فرض هيمنة مائية شرق أوسطية مريعة. فالماء الذي يخرج من الحقائب التركية هو الممر الأقوى لدخول تشابكات الشرق الأوسط، بما يمكن الأتراك من لعب دور فقدوه منذ أن تهالكت الإمبراطرية المريضة وسلمت أنفاسها إلى مصطفى كمال أتاتورك. وقد جاء في تصريحات سابقة لمسؤولين أتراك أنهم سيطالبون بتعويضات مالية من سوريا والعراق كأثمان للمياه التي يحملها نهرا دجلة والفرات.
ويضاف إلى ذلك العلاقات الاقتصادية التركية الإسرائيلية، وما تمّ طرحه من مشروع أنابيب السلام الذي يقوم على إنشاء فرعين من الأنابيب الضخمة التي تضخّ تركيا عبرها الماء إلى السعودية والإمارات، ناهيك عن الاتفاقيات السرّية بين تركيا وإسرائيل التي تمنح إسرائيل حصصاً من نهري دجلة والفرات. وقد اقترحت تركيا في مقابل احتجاز مياه الفرات ودجلة، مشروع أنابيب السلام الذي يحتوي على فرعين : الأول من نهر سيحون والثاني من نهر سيحان، وهما يجريان في جنوب تركيا ويصبّان في البحر الأبيض المتوسط، ويقوم المقترح التركي على أساس بيع ماء النهرين إلى سوريا والأردن (بالإضافة إلى السعودية ودول الخليج العربي).
وعلى الجانب الآخر، أطلق المسؤولون الإسرائيليون تصريحات مفادها بأن على سوريا تأمين ما تحتاجه من المياه من تركيا، في إشارة إلى أنه إذا ما تمّ السلام، فإن إسرائيل ستبقي على استغلالها لمياه الجولان التي تزوّدها بقسم كبير مما تحتاج إليه. ففي تصريح لبيريز طالب فيه دمشق بالتخلي تماماً عن مياه الجولان لتل أبيب، وأن تقوم بشراء ما ينقصها من تركيا. كما صرّح باراك بأنه لن يتمّ السماح لأرجل السوريين بأن تبتل بمياه بحيرة طبريا. وقد كان لبيريز دور بارز في بلورة ما أسمته تركيا بخط مياه السلام. سد أتاتورك ولد هذا المشروع لحجز كمية من مياه نهر الفرات في الجنوب الشرقي حيث ثلوج الجبال التركية، وتوليد 9 ملايين كيلو واط كهرباء سنوياً. ويخضع السد لحراسة مشددة، ويقول مسؤول تركي إن خشيته من تدمير السد غير واردة، فبالإضافة إلى أن الفيضان الناتج عن تدميره سيدمّر المدن والأراضي العراقية فإن ضربه سيكون تدميراً ذاتياً.
وإن اكتمال تنفيذ مشروع (الجاب) التركي أو مشروع جنوب شرقي الأناضول على نهر الفرات سيؤدي إلى تخفيض المياه المتدفقة إلى سوريا والعراق من 28 مليار م3 سنوياً إلى 13 ملياراً فقط ليصيب دمشق بكارثة لانخفاض حصتها بنسبة 40%، وبغداد بكارثة أشد حيث تنخفض حصتها بنسبة 80%.. وما زالت تركيا مصممة على مواصلة مشروع الجاب الذي تبلغ تكلفته 34 مليار دولار (وتشارك في التمويل دول عربية) ويشمل بناء 22 سدّاً و19 محطة لتوليد الكهرباء وخصوصاً على نهر الفرات. كما أن تركيا تخطط أيضاً لإقامة سدود عدة على نهر دجلة المشترك تؤدي إلى حجز 50% من النهر عن العراق.
واتهمت جامعة الدول العربية تركيا بالمماطلة في إجراء مفاوضات ثلاثية تطالب بها سوريا والعراق لزيادة حصصها من المياه. ورأت أيضاً بأنّ تركيا تحاول تأكيد الصفة التركية وليس الدولية للنهرين حتى نقطة عبورهما الحدود التركية. وذلك على الرغم من أن تركيا قد وقعت على اتفاقية لوزان عام 1932، واعترفت بموجبها بأن دجلة والفرات نهران دوليان تنطبق عليهما قواعد القانون الدولي ومعاهدتي هلسنكي عام 1966 والأرجنتين عام 1977.
ومن أسباب الأزمة أيضاً مطالبة تركيا لبغداد ودمشق بالتعامل مع حوضي دجلة والفرات كحوض واحد. وكذلك اكتشاف أن نسبة التلوث في المياه القادمة من أنقرة قد ارتفعت إلى 1800 ملغ/لتر في حين أن المعدّل الدولي أقل من 800 ملغ/لتر، وهو ما يهدد سكان سوريا بالتلوث.
وقد استمرت اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة للمياه السورية العراقية بالانعقاد، وتمّ الاتفاق على القيام بتحرك عربي ودولي لإجبار تركيا على القبول بقسمة عادلة ومقبولة لمياه نهر الفرات بين الدول الثلاث. وبالفعل تمّ توجيه تحذير للشركات والمصارف الأجنبية التي تساهم في تنفيذ السدود التركية العملاقة بالمقاطعة فيما إذا استمرت بالتعاون مع تركيا. وقد أعلن الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل أن لتركيا الحق في بناء السدود حتى آخر نقطة من حدودها. الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية ليس من المبالغة القول بأن المطامع الإسرائيلية المائية كانت أسباباً مباشرة أدّت لقيامها بحربي عام 1967 و عام 1982.. فمصادر المياه المتاحة دلخل فلسطين تم الكشف عنها واستغلال أكثر من 95% منها، ولذلك فإن الزيادة في عدد السكان واستصلاح أراض للزراعة ونمو الصناعة تحتاج كلها إلى مصادر جديدة للمياه. وفيما عدا تحلية مياه البحر، فإن إسرائيل استنفدت كل الوسائل المتاحة لها داخلياً، ووصلت كميات المياه المنتجة والمتاحة إلى حدودوها القصوى. فكان الحل باتخاذ مجموعة من الخطوات للسيطرة على مصادر المياه القريبة من حدود الأراضي التي احتلتها سنة 1948 وأخذت تقضم غيرها بعد هذا التاريخ.
معظم مصادر المياه في إسرائيل تنبع من لبنان أو تمرّ فيه كمياه الحاصباني والدان والليطاني وجبل الشيخ الذي يشكل مع هضبة الجولان السورية المحتلة خزاناً لمياه المناطق الجنوبية لبلاد الشام، فمليارات أطنان الثلوج تتساقط على قمم جبل الشيخ كلّ عام بالإضافة إلى الأمطار الغزيرة.
وقد وضعت إسرائيل يدها على 30 كم من مجرى الليطاني باحتلالها السابق للشريط الحدودي، واعترف مدير مصلحة المياه الإسرائيلية أنّ إسرائيل تستولي على 200 مليون م3 من مياه الليطاني سنوياً عبر نفق يربط سد الخردلي بدير ميماس عبر تل النحاس. كما تستعمل إسرائيل مخازن المياه الجوفية الغنية لنهري دان والحاصباني بواسطة مضخات وأنابيب أحاطتها بأسوار على جزء من نهر الحاصباني الذي استولت إسرائيل على 80 مليون م3 من مياهه إضافة إلى نبع الوزاني والبالغ 50 مليون م3، مما جعل كمية المياه التي تستولي عليها إسرائيل من لبنان بحدود 330 مليون م3 سنوياً. ولتحقيق التفوق الاستراتيجي والاكتفاء المائي عمدت إسرائيل إلى احتلال الأراضي. والأطماع الصهيونية في مياه نهر الليطاني قديمة قدم الحلم بإقامة إسرائيل، ولن تنتهي بالانسحاب من جنوب لبنان، وقد سبق أن سمت عملية غزو لبنان عام 1978 بالليطاني. الأطماع المائية في نهر الأردن الأردن لا يسيطر على نهر كبير، ونهر الأردن الذي يكاد يتحول إلى ساقية يمثل حداً بين الأردن وفلسطين المحتلة، وتقع منابعه في جبال لبنان والمرتفعات السورية المحتلة. ولم يعد للأردن سوى الاعتماد على روافد نهر اليرموك الذي يشكل جزءاً من الحدود الشمالية مع سوريا، ولكن حتى روافد اليرموك تعتبر مهمة بالنسبة لسورية وإسرائيل معاً. ولا مجال للأردن إلا الاعتماد على نهر الزرقاء الصغير الذي يجري في أراضيه وهو ليس نهراً بالمعنى الحقيقي بقدر ما هو واد تسيل فيه مياه الأمطار.. وقد بدأت إسرائيل العمل على تحويل نهر الأردن إلى النقب في ربيع سنة 1956 باعتماد بحيرة طبريا كمركز لتخزين مياه الفيضانات، وتأمين كامل الكميات المطلوبة للمشروع من المياه بضخها مباشرة من بحيرة طبريا.. وباحتلال إسرائيل مرتفعات الجولان عام 1967، سيطرت عملياً على مياه نهر الأردن.
وقد بلغت اليوم نسبة الملوحة في مياه نهر الأردن الأسفل أكثر من 25% فهي مالحة جداً إلى درجة أن السمك الذي يجري معها يقذف نفسه منتحراً على جانبي النهر. إذن فهي لا تصلح للزراعة، إضافة إلى أنها منخفضة عن سطح البحر حوالي 200م، والحل هو خلطها بمياه عذبة، ولكن من أين ؟.. كما ازدادت أيضاً نسبة الملوحة في البحر الميت وانخفض منسوب المياه فيه، متأثراً بانخفاض منسوب مياه نهر الأردن. الأطماع المائية في الجولان الأطماع الصهيونية بمياه الجولان قديمة، حيث أوصى " بن غوريون " قبل الاستيطان الصهيوني في فلسطين بضرورة السيطرة على منابع المياه في مرتفعات الجولان وحوران لتأمين الشريان الحيوي لإسرائيل. ثم تركزت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين على الأبعاد الاستراتيجية للسيطرة على الجولان واستغلال المخزون المائي لنهاية سلسلة جبال الحرمون، حيث يعتبر جبل الشيخ المصدر الرئيسي لتغذية الينابيع والبحيرات. وتجدر الإشارة إلى أن الجولان المحتل يتمتع بموارد مائية ذات نوعية جيدة صالحة للشرب، كما يتمتع بهطولات مطرية تقدر بنحو 1.2 مليار م3 سنوياً وهو معروف بغزارة ثلوجه. كما ويعتبر الجولان من المناطق الغنية بالمياه الجوفية فتكثر الينابيع دائمة الجريان.. ولا شك أن واقع الجولان اليوم، الذي يعيش تحت نير الاحتلال، تُستغلّ موارده المائية كافة لصالح إسرائيل منذ ما ينيف على 30 عاماً.. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من أكثر الصعوبات في المفاوضات السورية الإسرائيلية هو منطقة مثلث الحمة التي تضم قرية كفر حارب المحتلة الغنية بمياه الأمطار والينابيع والمطلة على بحيرة طبريا. قناة البحرين.. الميت والمتوسط منذ أن حولت إسرائيل كميات كبيرة من نهر الأردن وروافده إلى بحيرة طبريا، بدأ منسوب المياه يقل في هذا البحر الداخلي. كما أخذ طول البحر يتناقص نتيجة الجفاف التدريجي لأجزائه الجنوبية واضمحلال مساحته. وإن التذبذب الذي يتعرض له منسوب سطحه في الوقت الحاضر ناجم عن عوامل بشرية، تتمثل بإقامة السدود والخزانات المائية، وتحويل مجاري الروافد وخاصة مياه نهر الأردن واستخدامها لأغراض الري والتوسّع الزراعي، ولا ننسَ أيضاً أن نسبة التبخير عالية بسبب درجات الحرارة المرتفعة في منطقة غور الأردن. وقد استمر تراجع منسوب مياهه ووصل مع مطلع التسعينات لأكثر من 410م، مما ينذر بموت البحر الميت.
وقد أخذ الإسرائيليون بتوسيع دائرة الذرائع المتعلقة بظاهرة اضمحلال البحر الميت، وراحوا يتحدثون عن ضرورة إنقاذه وحمايته من الاضمحلال، من خلال شق قناة تصله بالبحر المتوسط تعوّضه عن كميات المياه التي افتقدها، إلا أن هناك أهدافاً أخرى كامنة وراء ذلك، وقد تم اقتراح ثلاثة حلول لحفر القناة :
1- شق قناة من خليج حيفا عبر مرج ابن عامر إلى بيسان في غور الأردن، واستكمال ذلك من خليج العقبة عبر وادي عربة.
2- شق قناة تمتد من شمال أسدود على المتوسط إلى البحر الميت مباشرة جنوب تلة قمران.
3- شق قناة من شمال خان يونس على البحر المتوسط مروراً ببئر السبع جنوباً، حتى البحر الميت شمال قلعة معدة التاريخية.
وتهدف إسرائيل من وراء إنشاء قناة البحرين إلى توليد طاقة هيدروكهربائية كبيرة من خلال توربينات - إحياء مشروع الوقود الزيتي من الزيت الحجري، الموجود في الجبال المطلة على البحر الميت، الذي تقدر كميته بألفي مليون طن - إحياء المشروعات السياحية على طول القناة من خلال إنشاء بحيرات اصطناعية ونوادٍ استجمامية وفنادق - تحلية مياه البحر واستكمال مشروعات إعمار النقب - استخدام القناة كسور وخندق أمني استراتيجي لحماية إسرائيل من أيّ زحف عربي في المستقبل من الجنوب. المشروع الأمريكي الإسرائيلي الحديث فكرت إسرائيل بالتعاون مع عدد من مراكز الأبحاث الأميركية في مشروع لإنتاج ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية المستمدة عن طريق نقل 2500 مليار غالون من المياه سنوياً من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الميت، وقد بلغ هذا المشروع أوج نضوجه في عام 1992 من خلال جهود ودراسات قام بها مركز أبحاث أميركي معظم باحثيه من اليهود. وأوضحت الدراسة أنّ بإمكان إسرائيل أن تستخدم الطاقة الكهربائية المستخدمة من صبّ المياه بهذه الكمية من المتوسط إلى البحر الميت في إزالة ملوحة 400 مليار غالون من الماء سنوياً، ومن المعلوم بأن إسرائيل تستهلك سنوياً ما يُعادل هذا الرقم تماماً، أي أن المشروع يكفل لها مضاعفة مياهها.
إلا أن المشروع لا يخلو من مصاعب أهمها توسيع مساحة البحر الميت بنحو 440 ميلاً مربعاً، ويتطلب هذا بالتالي حفر 300 مليار ياردة مكعبة من التراب والصخور ستستخدم في توسيع الأرض على حساب البحر الأبيض المتوسط وبإمكان إسرائيل أن تضيف ما يُعادل 380 ميلاً مربعاً إلى مساحة شواطئها بمستوى البحر، أي أن تكسب 108 ملايين ياردة مربعة من الأرض بدون حرب، كما أن بإمكان إسرائيل أن تضيف مساحة 350 ميلاً مربعاً تحت مستوى سطح البحر، ومعنى ذلك أنه سيكون باستطاعة إسرائيل أن تضيف إلى مساحتها 725 ميلاً مربعاً من الأرض التي يُمكن معالجتها لتصبح جاهزة للزراعة، ولإقامة مطار جديد في تل أبيب بمساحة 1.3 مليون ياردة مربعة، وكذلك منطقة حرة للتجارة تروج فيها صناعاتها المحلية، وتنافس بذلك دور بيروت القديم الذي يخشون كثيراً من عودته.
ونستطيع أن ندرك مدى أهمية هذا المشروع لإسرائيل بمعرفة أن نحو 80% من سكان إسرائيل يعيشون على مساحة ألف ميل مربع من السهل الموازي للبحر المتوسط، الأمر الذي يُساعد على استيعاب سكان جُدد.. والأرض الجديدة لن تكلف إسرائيل لإيجادها سوى جزء من القيمة الحقيقية لها عندما تصبح عقارات شديدة الإغراء للمشترين، وتُقدّر قيمـة الأكـر الواحـد من هذه الأرض (4480ياردة مربعة) بـ 100ألف دولار، وهذا يعني أن القيمة الإجمالية لمساحة الأرض الجديدة لن تقل عن 46 مليار دولار، ويكفي نصف هذا المبلغ لتغطية نفقات خلق هذه الأرض، ونفقات محطات إزالة ملوحة المياه، ونفقات إقامة محطة للطاقة الكهربائية بالقرب من البحر الميت، ونفقات إقامة قناة لنقل مياه المتوسط إلى الميت، وكذلك نفقات الحفر وإزالة التراب والصخور. ويوصي مركز الأبحاث الأمريكي بأن يتم المشروع عبر دفعات لاستخدام عوائد بعض الأجزاء لإنجاز الأجزاء الأخرى، إذاً تسعى إسرائيل لحرث البحر بعد الانسحاب من الأرض.
تنويه
هناك مشروع مماثل عرض على الأردن لدعمه، يتمثل بوصل البحر الميت بالبحر الأحمر، وبحيث تعود عوائده على الأردن. الأطماع المائية بمياه النيل إن مشروع نقل مياه النيل إلى النقب ليس جديداً على إسرائيل، ففي مطلع العام 1974 وبعد حرب أكتوبر نشر المهندس اليشع كالي مقالاً في معاريف بتاريخ 17/9/1978 ضمّنه مشروعه بنقل مياه النيل إلى النقب الذي يقضي باستثمار 1%فقط من مياه النيل أي ما يُعادل 800مليون م3 من المياه، ويتم النقل بواسطة أنابيب وأقنية بمحطات ضخ. ولقد سمى الإسرائيليون هذا المشروع بـ (يبئور). وهناك عقبتان في وجه هذا التنفيذ : الأولى أن نهر النيل هو نهر دولي ليس من حق أي دولة أن تتصرف بمياهه تجاه الغير منفردة بدون موافقة الشركاء في الحوض. والثانية أن الشعب العربي المصري الذي يقدس نهر النيل، ويعتبر أن مصر هي هبة النيل.. وقال كالي بأن إسرائيل سوف تشتري مياه النيل بنفس ثمن القطن الذي تنتجه مصر، وذلك لأن المزارع الإسرائيلي يستطيع أن ينتج بوساطة الكمية من الماء نفسها ستة أضعاف ما ينتجه الفلاح المصري. السلام ومصير المياه العربية مهما كانت المواقف العلنية المتناقضة لإسرائيل فإنّ السلام المستحيل سيأتي حاملاً معه حتمية الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وبالتالي التخلي عن العديد من المصادر المائية، إلا أنّ إسرائيل تسعى اليوم إلى امتلاك زمام الأمور للسيطرة على كلّ قطرة ماء عربية لتمنحنا ما تريد وتقطع عنا متى تشاء، وهذا ما عكسته الاتفاقيات المنفردة التي وقّعت مع إسرائيل حيث يبرز الاهتمام الإسرائيلي بشكل كبير للسيطرة على ينابيع المياه وكل روافد الأنهار.
ونظراً لاستنزاف جزء كبير من المياه الجوفية في إسرائيل مما أدى سابقاً إلى جفاف عدد من الينابيع والآبار، بدأ الإسرائيليون يبحثون عن بدائل، إذ يفكر بعضهم اليوم بجدوى مشروعات مشتركة بين دول المنطقة لتنقية مياه البحر، ويُقدّر تكلفة مشروع من هذا النوع يلبي احتياجات إسرائيل والأردن والضفة الغربية بأقل من عشرة بلايين دولار. وقد وقع المفاوضون الإسرائيليون والأردنيون والفلسطينيون اتفاقاً بالأحرف الأولى لاقتسام الموارد المائية، ويهدف هذا الاتفاق إلى تحديد المبادئ الأساسية للتعاون في ما يخص الموارد الجديدة المتاحة كإنشاء معمل لتحلية مياه البحر، وكذلك إلى وضع خرائط للموارد المائية في المنطقة بمساعدة جامعة أوسلو. ومن المعلوم بأن الإسرائيليين هم الذين يعدّون بنود الاتفاق بما يضمن لهم السيطرة على مياه الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما يسعون إلى تشريع احتكار شركة " ميكوروت " الإسرائيلية لشؤون المياه، وحفر الآبار وبأسعار خيالية.
وتلعب مسألة المياه دوراً في الصراع الدائر حول قيام دولة فلسطينية، إذ تخشى إسرائيل أن تتبع مثل هذه الدولة سياسة استخراج المياه الجوفية العميقة ليس للاستخدام فقط بل ولحرمان إسرائيل منه.. ويخشى من تكرار ما حصل في المفاوضات الخاصة بغزة عندما حصل أربعة آلاف مستوطن إسرائيلي على القسم الأكبر من المياه النظيفة، أي ما مقداره 80% من مجموع مياه قطاع غزة، وأما النسبة القليلة الباقية من المياه فهي لمجموع سكان غزة الذين يزبدون عن 800 ألف فلسطيني، وقد نقصت كمية المياه المتوافرة سنوياً للقطاع من 30 مليون م3 قبل تطبيق الحكم الذاتي إلى عشرة ملايين م3. وبالتالي فإن المستوطن الإسرائيلي يحصل من المياه بمقدار خمسة أضعاف ما يحصل عليه الفلسطيني وبأسعار مخفّضة. أما ما يسمّى بمياه الضفة الغربية المتجددة فإن معدل ما تحصل عليه إسرائيل من الحوض الغربي من الضفة الغربية يبلغ 94% أي 350 مليون م3، كما تقوم إسرائيل بمصادرة كميات هائلة من مخزون المياه الجوفية في المناطق الشمالية من الضفة، وتمنع الفلسطينيين من الاستفادة من مياه الفيضانات الشتوية القادمة من السفوح الغربية.. وذكرنا من جهة أخرى أن من أهم الصعوبات التي تواجه المفاوضات السورية الإسرائيلية هو مطامع إسرائيل بمياه الجولان. قناة المتوسط والفرات : ردّاً على قناة البحرين الميت والمتوسط التي تقوم بها إسرائيل بمساعدة أمريكية، بغية تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية.. يقترح الباحث مشروعاً جديداً يهدف لوصل نهر الفرات بالبحر المتوسط، عن طريق وادي العاصي الأدنى. ورغم التكاليف، يرى الباحث أنه بالإمكان التنفيذ على مراحل، لتحقيق عدد من الأهداف أهمها :
- تحقيق مشروع الطريق المائي بين الخليج العربي والبحر المتوسط.
- التعاون مع تركيا (باعتبار أنطاكية تقع اليوم تحت الاحتلال التركي) لإتمام القناة التي ستعود عليها بالفائدة جغرافياً واقتصادياً وسياحياً، وبالتالي ضرب التنسيق بينها وبين إسرائيل ضدّ العرب.
- إقامة منشآت تحلية للمياه البحرية المالحة في عدد من المناطق البعيدة عن البحر، مما يخفّض من تكاليف النقل، فيما لو أقيمت تلك المنشآت قرب البحر.
- اضافة الأهمية الاستراتيجية على موقعي سورية والعراق.
- الإفادة من كميات الحجارة والتراب الهائلة الناتجة عن عمليات الحفر، في التوسّع في البحر المتوسط، أي زيادة مساحة سورية بشكل مقبول نظراً للتزايد السكاني الهائل فيها، مع العلم بأنّ البادية السورية تشكل 55% من مساحة سورية.
- إقامة مشاريع اقتصادية وسياحية ضمن الأراضي المضافة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية العربية.
- وستكون هذه القناة أكثر أهمية من قناة البحرين المتوسط والميت، وذلك من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والسياحية، ومن ناحية تطوير مصادر المياه.
وإن إقامة سد الفرات العظيم منذ سنوات عديدة، يُساعد على إقامة تلك القناة، إلا أن هناك مشكلتين أساسيتين : المشكلة الأولى هي التمويل، ولكن يكفي توافر رأس المال المناسب لإتمام المرحلة الأولى، ومن ثم استخدام عوائدها لإتمام المرحلة الثانية وهكذا. أما المشكلة الثانية فهي أن مياه الفرات عذبة، ومياه المتوسط مالحة، ولذا ينبغي إجراء الدراسات اللازمة لمنع خلط كميات كبيرة من مياه الفرات بمياه المتوسط، والاقتصار على جزء بسيط من النهر، وبحيث تصبح نسبة الملوحة بعد الخلط، في هذا الجزء، كافية لريّ بعض أنواع من المحاصيل الزراعية.
ويؤكد الباحث أن مسؤولية إنشاء مشروعات تنمية المياه تقع على عاتق الحكومات، أما المحافظة عليها وحُسن استثمارها فهي مسؤولية كلّ فرد في العالم عن طريق تقديره لأهمية المياه، وإدراكه الفرق بين المنفعة الخاصة والمنفعة العامة.
ويُشير إلى الصعوبة التي وجدها في إعداد هذا البحث، فالحقائق الرقمية الموجودة في عدد كبير من المراجع المستخدمة (العربية خاصة) متناقضة إلى حدّ ما، وأحياناً متناقضة بشكل مدهش، ولكنه استطاع استخلاص مدلولية هذه الأرقام نسبياً، للوصول إلى مجموعة من الاستنتاجات التي يأمل أن تُساهم في معالجة أزمة المياه العربية.