أجوبة علمية عن أسئلة يطرحها أعنف زلزال في التاريخ الحديث للمغرب

خبراء يفسرون عنف زلزال المغرب بكون بؤرته كانت على مسافة قريبة نسبيا من السطح تقدر بنحو 18 كيلومترا، ما تسبب في دفع قدر أكبر من القوة إلى المنطقة المحيطة.

الرباط -  هز زلزال المغرب الذي يعد الأعنف منذ قرن المنطقة بأسرها مثيرا أسئلة كثيرة عن اسباب وقوعه في منطقة بعيدة عن أحزمة الزلازل العنيفة المعروفة.

وفيما تسابق فرق الانقاذ الزمن لليوم الرابع على التوالي لفرملة حصيلة بشرية ثقيلة بلغت وفق اخر بلاغات الداخيلة المغربية نحو 2200 وقتيلا وعددا مقاربا من الجرحى، تبقى اسئلة كثيرة عالقة عن اسباب هذه الكارثة الطبيعية الغير مسبوقة في حجم حصيلتها.

وقبل الكارثة التي ضربت البلاد، لم يشهد المغرب زلازل مدمرة كثيرة خلال العقود الماضية، رغم وقوع جزء منه على خط زلزالي في منطقة البحر المتوسط.

ومقارنة ببلدان البحر المتوسط الأخرى، يتأثر المغرب بنشاط زلزالي "معتدل"، يرتبط إلى حد كبير بالتقارب بين الصفائح التكتونية في أفريقيا وأوراسيا.

وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن منطقة البحر المتوسط تنشط زلزاليا بسبب التقارب الشمالي بين الصفيحة الأفريقية مع الأوراسية، الذي بدأ منذ حوالي 50 مليون سنة، وارتبط بإغلاق بحر " تيثس" الموجود في حقب الحياة القديمة.

ويعتبر البحر المتوسط الحالي هو ما تبقى من بحر "تيثس" الذي كان محيطا في عصور ما قبل التاريخ خلال معظم عصر الدهر الوسيط وعصر حقب الحياة الحديثة المبكر.

ويقع المغرب على مقربة من حدّ الصفيحة التكتونية التي تمثّل الرابط بين الصفيحة الأوراسية إلى الشمال والصفيحة الأفريقية إلى الجنوب. وقد بدأت هاتان الصفيحتان في الارتطام قبل ملايين السنين، وهو ما تمخّض عن تكوّن سلاسل جبلية كجبال الألب وجبال الأطلس في المغرب.

وتتحرك الصفيحة الأفريقية باتجاه الشمال بمقدار نحو 2.5 سنتيمتر في السنة، مما يولّد ضغطا على الصدوع الموجودة في المنطقة، ومع تراكم الضغوط يأتي وقوع الزلازل من حين لآخر.

منذ عام 1900 لم يقع أي زلزال بقوة 6 أو أقوى ضمن مسافة 500 كم من هذا الزلزال، ولم تقع سوى 9 هزات بقوة 5 فأكبر على المقياس، ولم تتجاوز قوة أيٍّ منها 6 درجات على المقياس، وهذا هو في الحقيقة أول وأهم أسباب قوة هذا الزلزال، فرغم أن هناك فرقا بدرجة واحدة على المقياس بينه وبين زلزال يقع أسفل 6 درجات، فإن هذه الدرجة لها تأثير هائل.

ويشير مقياس الزلازل الذي بات يُستخدم حاليا بدلا من مقياس ريختر إلى قدر الطاقة التي تُطلق في أثناء حدوث الزلزال، لكن هناك ملحوظة مهمة، وهي أن تصاعُد مقاييس الزلازل يكون عادةً لوغارتميًّا، أي إن صعود مقياس زلزالٍ ما من 5 إلى 6 إلى 7 لا يعني انتقالا مثل درجات السلم، بل قفزات تتسع كلما صعدنا إلى الأعلى، فالزلزال بمقياس 6 درجات أكبر بعشرة أضعاف من زلزال بمقياس 5 درجات، وأكبر بمئة ضعف من زلزال بمقياس 4 درجات! يوضح ذلك أن كل كسر عشري بسيط في مقياس الزلزال يعني قفزة هائلة في حجم الكارثة.

وتعد الزلازل فوق 7 درجات شديدة إلى كارثية، يمكنها أن تدمر البنايات، أما الزلازل من 6 درجات إلى 7 فتُعد قوية ويمكنها إحداث الأضرار لكن ليس بمستوى جذري شديد، ولكن الزلازل تحت 6 درجات عادة لا تؤثر بشكل كبير في البنية التحتية، لكن يظل من الممكن للناس أن يستشعروا أثرها.

ولذا يمكن أن نلاحظ فارقا بين هذا الزلزال وآخر ضرب منطقة ميدليت المغربية قبل عدة أعوام وكان بقوة 5 درجات فقط، وبالطبع فوجه المقارنة مفتوح ليشمل حالة أشد وطئا وهي زلزال تركيا وسوريا في فبراير/شباط 2023، وهو أقوى بعشرة أضعاف من زلزال المغرب الذي حصل بالأمس، وكان ذلك ظاهرا في حجم الضرر وعدد القتلى الذي وصل إلى 50 ألف شخص.

نظرية الصفائح التكتونية

ولفهم ابسط لطرق حصول الزلازل، يمكننا تخيل ان كوكبنا هو ثمرة تفاح، وإن الغلاف الصخري للأرض هو ببساطة قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هذه القشرة الأرضية تبلغ سماكتها من 30 إلى 70 كيلومترا في القارات، ومن 6 إلى 12 كيلومترا في المحيطات، وهي تختلف في شيء آخر عن قشرة التفاحة وهو أنها ليست قطعة واحدة تغطي الأرض، بل تتكون من عدد من القطع التي تسمى بالصفائح التكتونية، التي تتداخل مع بعضها بعضا بشكل يشبه الأحجيات الورقية، تلك الصفائح تتحرك ببطء، أو قل إنها تسبح لمسافة سنتيمترات كل عام على طبقة أخرى للأرض تقع أسفلها وتسمى الوشاح، ولذلك لا نلحظ أثرها.

تبتعد تلك الصفائح التكتونية عن بعضها بعضا في أماكن وتقترب في أخرى، وحينما تقترب تلك الصفائح فإنها تنزلق ببطء وسلاسة في الحالات العادية، لكن في بعض الأحيان لا يكون الأمر هكذا.

ولفهم الظاهرة، لنا ان نتخيل قطعتي رخام كبيرتين بمساحة عدة أمتار مربعة، كلٌّ منهما لها وجه غير ناعم، قمنا بربط العلوية منهما بحبل قوي وبدأنا في سحبها، في البداية لا تتحرك القطعة فنزيد من قوة الشد، ومع الشد تنزلق قطعة الرخام فجأة فتتحرك لعدة سنتيمترات، وفي أثناء حركتها تلاحظ أنها تهتز بشدة.

هذا بالضبط ما يحدث في حالة الزلزال، لكن بدلا من الوضع الرأسي تلتقي صخور أطراف الصفيحتين أفقيا، في بعض الأحيان تحتكان بشدة فتقفان لوهلة من الزمن، في أثناء ذلك تختزن كلٌّ منهما الطاقة في هذا الاحتكاك (هذه هي الحالة التي تحاول فيها الشد لكن قطعة الرخام لا تتحرك بعد)، وفي لحظة ما تنفلت تلك الطاقة فتتزحزح تلك الصخور لمسافة كبيرة غير معتادة، ومع زحزحتها تنطلق الطاقة لتسري في كل مكان بالكوكب، لكنها تضرب أقرب النقاط لها بأكبر قوة.

والطاقة الخارجة من زلزال مراكش آسفي تُقدَّر بنحو 240 كيلوطن من مادة "تي إن تي"، وهذا رقم هائل يعادل مثلا أكثر من 10 أضعاف قنبلة الرجل السمين النووية التي ضربت مدينة ناغازاكي اليابانية، ما يعني أن الطاقة الخارجة من الزلزال، تحديدا في بؤرتهداخل باطن الأرض، تساوي هذا القدر من الطاقة، لكن هذه الطاقة تسافر في صورة موجات لتتوزع في كل مكان بالكوكب.

واعنف وقع للضربة يتلقاه المكان الذي يقع فوق البؤرة بالضبط، ويسمى "المركز السطحي"، وهذا المكان في حالة زلزال المغرب كان جنوبي مراكش على مسافة نحو 75 كيلومترا.

ويفسر الخبراء عنف زلال المغرب بكون بؤرته كانت على مسافة قريبة نسبيا من السطح تقدر بنحو 18 كيلومترا، ما تسبب في دفع قدر أكبر من القوة إلى المنطقة المحيطة، وهو ما أضاف إلى قوة الهزة في المنطقة وأسقط عددا من المنازل على الأرض.

 وعلى الجانب الاخر، فان قوة الزلزال أيضا تتأثر بطبيعة الأرض نفسها وطبيعة المباني، فالمباني القديمة أو غير المجهزة هيكليا للتعامل مع الزلازل ستكون أول المتساقطين، حتى مع زلازل أضعف من هذا.

ويقول لبيل ماكغواير أستاذ الجيوفيزياء والمخاطر المناخية بجامعة كوليدج لندن، ان زلزالا بحجم هذا الذي ضرب المغرب ما كان ليوقِع هذا الحجم من الضرر لو أنه وقع في ولاية كاليفورنيا الأميركية على سبيل المثال، كجزء من العالم جرى إعداده بشكل أفضل.

وشدّد ماكغواير على مقولة أن "الزلازل لا تقتل الناس، إنما طُرق البناء هي التي تفعل"؛ فلو اتُّبعت الطرق المناسبة في الإنشاءات لبقيت المباني قائمة رغم الهزات الأرضية، لكن من الطبيعي في نفس الوقت ان تكون النبية التحتية في منطقة غير متعودة على الزلال المدمرة مستعدة لحدث كهذا.

ومما زاد الأمر سوءا، أن الزلزال وقع في وقت متأخر من الليل، حيث كان الكثير من الناس في مساكنهم، لكن لحُسن الحظ مع ذلك أن الهزة الأرضية لم تستمر لأكثر من 20 ثانية فقط.