أردوغان يسعى إلى تحجيم سلطة المحكمة الدستورية لأسباب سياسية

أردوغان وحلفاؤه يشعرون بالقلق إزاء النفوذ الذي تمارسه المحكمة الدستورية التي يمكن أن تقف أمام تطلعه إلى دستور جديد.

إسطنبول – تبحث حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن سبل للحد من نفوذ المحكمة الدستورية بعد أحكامها بالإفراج عن برلماني معارض مسجون، وفشل الحكومة في الطعن بالقرار، مع الخشية من اتخاذها قرارات مماثلة بحق المعارضين للحكومة.

ومنذ فوزه في الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار الماضي، لم يتوقف الرئيس أردوغان عن الدعوة إلى وضع دستور جديد للبلاد، كما لم يتوقف عن انتقاد المحكمة الدستورية العليا، التي هي أعلى هيئة قانونية لمراجعة الدستور، والالتزام بتطبيق دستورية القوانين والمراسيم التي لها قوة القانون، كما أنها المحكمة الوحيدة المنوط بها بحث القضايا المتعلقة بالرئيس ونائبه ووزراء الحكومة وقضاة المحاكم العليا.

وبحسب مسؤول حكومي الكبير والبرلمانييْن، فإن أردوغان وحلفاءه يشعرون بالقلق إزاء النفوذ الذي تمارسه المحكمة، خاصة من خلال استخدامها على نطاق واسع “للطلبات الفردية”.

 أردوغان يهدف إلى تجريد المعارضة من أسلحتها المتمثلة في الاحتماء بالمحكمة الدستورية كواجهة قانونية يمكن اللجوء إليها في حال أراد تغيير هوية الدولة من علمانية إلى إسلاموية

ويقول محللون أن هذه الخطوة من قبل أردوغان ستكون تهدف إلى تجريد المعارضة من أسلحتها المتمثلة في الاحتماء بالمحكمة الدستورية كواجهة قانونية يمكن اللجوء إليها في حال أراد أردوغان تغيير هوية الدولة من علمانية إلى إسلاموية، ومن جهة ثانية ستساعد في التخلص من المحكمة نفسها التي يمكن أن تقف أمام تطلعه إلى دستور جديد يحقق ما بات يعرف بالجمهورية الثانية، مطلع المئوية الثانية للجمهورية.                 

وقضت المحكمة في أكتوبر/ تشرين الأول بأن استمرار سجن جان أتالاي ينتهك حقه في شغل مقعده بالبرلمان بعد انتخابه عضوا فيه من زنزانته في السجن خلال الانتخابات العامة التي أجريت في مايو/ أيار.

وحُكم على أتالاي في عام 2022 بالسجن لمدة 18 عاما بتهمة محاولة الإطاحة بحكومة أردوغان من خلال تنظيم احتجاجات في عام 2013. هو ورجل الأعمال والناشط الخيري عثمان كافالا و6 آخرون.
ونفى جميع المتهمين التهم المتعلقة بالاحتجاجات التي قالوا إنها تطورت بشكل عفوي والتي مثلت أكبر تحد شعبي لأردوغان خلال فترة وجوده في السلطة المستمرة منذ عقدين.

واستأنف  أتالاي أمام المحكمة الدستورية باستخدام “طلب فردي” وهي آلية استحدثها التعديل الدستوري لعام 2010 وتسمح للمواطنين بتقديم التماس إلى المحكمة مباشرة بشأن القضايا الحقوقية.

وأثار حكم المحكمة الدستورية بالإفراج عنه أزمة قضائية في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني عندما قالت أعلى محكمة استئناف في تركيا وهي محكمة النقض، إنها لن تعترف بالقرار وتقدمت بشكوى جنائية ضد القضاة الذين أصدروه.

واتهمت محكمة النقض المحكمة الدستورية بتجاوز اختصاصاتها من خلال عملها “كهيئة استئناف عليا”.

ودافع محمد أوكوم، كبير مستشاري أردوغان ونائب رئيس مجلس السياسات القانونية الرئاسي، في نوفمبر/ تشرين الثاني عن قرار محكمة النقض على منصة التواصل الاجتماعي إكس وانتقد المحكمة الدستورية لاتخاذها “قرارات غير دستورية”.

وقال مسؤول تركي الكبير طلب مثل المصدرين الآخرين عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية، إن المحكمة أنشأت “مجالا فريدا للسلطة” من خلال هذه الأحكام.

وتظهر البيانات الرسمية أن المحكمة نظرت في أكثر من 500 ألف طلب فردي تزعم انتهاك السلطات للحقوق الأساسية منذ سبتمبر/ أيلول 2012، وأصدرت حكما في أكثر من 484 ألف قضية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، قال أردوغان إنه سيلعب دور “الحَكم” في الأزمة القضائية، وإنه يمكن استخدام القانون لحل المواجهة بين المحكمة الدستورية ومحكمة النقض. وأضاف “ليس من الصعب اتخاذ الترتيبات القانونية فيما يتعلق بالطلبات الفردية” دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

وقال المسؤول الكبير إن الحكومة تدرس خيارات تشمل إقامة “محكمة تركية لحقوق الإنسان” تتعامل مع الطلبات الفردية بشكل منفصل. وقال المسؤول إن المحكمة الدستورية ونظام الطلبات الفردية سيبقيان بشكل ما. وأضاف “لكن اللوائح ضرورية”. ورفضت المحكمة الدستورية ومحكمة النقض الإدلاء بتعليقات لإضافتها لهذه التغطية.

وقال محامو أتالاي لرويترز إنهم يتوقعون إطلاق سراحه بعد أن قضت المحكمة الدستورية للمرة الثانية في ديسمبر/ كانون الأول بوجوب إطلاق سراحه. لكن في 27 ديسمبر/ كانون الأول، رفضت محكمة جزائية في إسطنبول للمرة الثانية إطلاق سراحه وأحالت القضية مرة أخرى إلى محكمة النقض بدعوى أن إعادة التقييم من قبل المحكمة أمر إلزامي.

كما أظهرت وثيقة قضائية أن محكمة النقض التركية، وهي أعلى محكمة استئناف في البلاد، اتخذت خطوة غير مسبوقة بتقديم شكوى جنائية ضد أعضاء بالمحكمة الدستورية بسبب خلاف حول قضية البرلماني المسجون أتالاي.

ويقول خبراء في القانون إن قضاة المحكمة الدستورية لا يمكن محاكمتهم إلا أمام المحكمة الجنائية العليا، وهي نفسها المحكمة الدستورية، مما يزيد الوضع تعقيدا.

وعبرت كل من الحكومة وأحزاب المعارضة عن القلق بعد الشكوى. وهيمنت هاشتاغات "الأزمة الدستورية" و"المحكمة الدستورية" و"محكمة النقض" على منصة إكس للتواصل الاجتماعي.

وقال حياتي يازجي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يتزعمه أردوغان "إننا نشهد أمرا ما كان ينبغي أن يحدث أبدا. عار. هذا عار. على السلطات التي تشكل الدولة أن تحل المشاكل، لا أن تصنعها".

وفي يناير/ كانون الثاني، جرد البرلمان التركي، الذي يهيمن عليه أنصار أردوغان، أتالاي من وضعه البرلماني.

ودعا زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزجور أوزال إلى اجتماع عاجل لحزبه ردا على شكوى المحكمة، ووصفها بأنها "محاولة للإطاحة بالنظام الدستوري".

وانتقد التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية حول مسعى تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي "التراجع الخطير" لأنقرة فيما يتعلق بالمعايير الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واستقلال القضاء.