أردوغان يلتقي الملك سلمان وولي عهده على طريق مصالحة شاملة

الرئيس التركي يراهن على إعادة تطبيع العلاقات مع المملكة بعد سنوات من العداء والتوتر، فيما يركز على تنفيس أزمة بلاده الاقتصادية بينما يستعد لخوض انتخابات حاسمة ومصيرية في 2023.
زيارة أردوغان للسعودية تأتي فيما تواجه تركيا أزمة مالية حادة
آمال تركية على فتح صفحة جديدة مع الخليج وتدشين مرحلة جديدة من التعاون
تركيا تسعى لترميم الشروخ في علاقاتها الخارجية
محلل سعودي: زيارة أردوغان للملكة يعتبر انتصارا دبلوماسيا للرياض

الرياض - استهل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارته للسعودية اليوم الخميس بعقد لقاءين منفصلين مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد في أول زيارة له للمملكة منذ العام 2017 والتي تأتي في سياق مساع تركية لمصالحة مع الرياض بعد مصالحة سابقة مع الإمارات وإسرائيل وتواصل مع مصر وخطوات دبلوماسية باتجاه ترميم الشروخ في علاقات تركيا الخارجية بعد سنوات من العداء والتوتر.

والتقى أردوغان بالملك سلمان في جدة الخميس، فيما تأتي زيارته للمملكة بعد توتر في العلاقات تفاقم منذ قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018 والتي أحدثت شرخا في العلاقات بين القوتين الإقليميتين.

وحطت طائرة أردوغان في مطار مدينة جدة في غرب المملكة مساء وكان في استقباله أمير منطقة مكّة المكرّمة خالد الفيصل حسب ما أفادت قناة "الإخبارية" السعودية الحكومية.

وتأتي زيارة أردوغان للمملكة في وقت تواجه فيه تركيا أزمة مالية حادة دفعتها إلى طي صفحة الخلاقات مع خصومها، مثل مصر وإسرائيل وخصوصا دول الخليج الغنية بالنفط، إذ يشهد الاقتصاد التركي حالة من الركود ناجمة عن موجة انهيارات ضربت العملة الوطنية (الليرة) وارتفاع معدل التضخم الذي تجاوز 60 بالمئة خلال السنة الماضية.

وقبيل مغادرته، قال أردوغان للصحافيين "سنحاول إطلاق حقبة جديدة وتعزيز كافة الروابط السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية"، مضيفا "آمل أن توفّر هذه الزيارة فرصة لتعزيز العلاقات القائمة على الثقة والاحترام المتبادلين"، مضيفا "نعتقد أن تعزيز التعاون في مجالات تشمل الدفاع والتمويل هو في مصلحتنا المشتركة".

وبحسب مسؤول تركي تحدّث لوكالة فرانس برس مفضّلا عدم الكشف عن هويته، فإنّه من المتوقع ألا تصدر تصريحات عن أردوغان خلال هذه الزيارة.

وقُتل خاشقجي الصحافي الذي كان يكتب مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" في أكتوبر عام 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول، واتهم الرئيس التركي حينها "أعلى المستويات" في الحكومة السعودية بإعطاء الأمر لتنفيذ عملية القتل على أيدي عناصر سعوديين، لكنه استبعد العاهل السعودي من التهمة. ووجّهت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أصابع الاتهام إلى الأمير محمد، لكن الحكومة السعودية نفت بشكل قاطع أي دور له، بينما شكك محللون ودول في صحة تقرير سي اي ايه باعتباره يعتمد على استنتاجات من دون تقديم أدلة على صحتها.

وبدأت أنقرة محاكمة غيابية في يوليو 2020 بحقّ 26 سعوديا يشتبه في تورّطهم بمقتل خاشقجي، إلّا أنّها نقلت الملف في 7 أبريل إلى السعودية، ما يعني إسدال الستار على القضية في تركيا، في خطو استبقت زيارة أردوغان للمملكة وشكلت بادرة تركية ضمن جهود إعادة تطبيع العلاقات بعد سنوات من العداء والتوتر.

لقاء بين العاهل السعودي والرئيس التركي يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات التركية السعودية بعد سنوات من التوتر
لقاء بين العاهل السعودي والرئيس التركي يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات التركية السعودية بعد سنوات من التوتر

وبدت المحاكمة في تركيا الحاجز الأخير أمام زيارة أردوغان الذي كان أعلن في بداية العام نيته الذهاب للمملكة بينما كانت العلاقات التجارية تتحسّن بين القوتين الاقتصاديتين.

وحكم بالإعدام على خمسة أشخاص في السعودية على خلفية مقتل خاشقجي، لكن في سبتمبر 2020، أصدرت محكمة في الرياض أحكاما نهائية في القضية قضت بسجن ثمانية مدانين لفترات تتراوح بين 20 وسبع سنوات.

وطبع التوتر علاقات تركيا التي تحتضن قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، مع السعودية والإمارات اللتين تصنّفان الجماعة على أنّها تنظيم إرهابي في السنوات الأخيرة.

ويرى المحلل السعودي علي الشهابي أن زيارة أردوغان للملكة هو بمثابة انتصار للمسؤولين السعوديين الحريصين على فتح صفحة جديدة.

وقال إنّ "أردوغان كان معزولا ودفع ثمنا اقتصاديا باهظا عبر خسائر اقتصادية فادحة نجمت عن المقاطعة الاقتصادية ومقاطعة السفر ولهذا يزور للسعودية".

وأضاف أن البلدين سيستفيدان من ذلك لأن أردوغان "بحاجة لتدفق التجارة والسياحة من السعودية، والمملكة تفضّل أن يكون بجانبها في ما يتعلق بمجموعة متنوعة من القضايا الإقليمية وقد تكون منفتحة على شراء الأسلحة من تركيا أيضا".

وتعود آخر زيارة لأردوغان إلى المملكة إلى عام 2017 عندما حاول التوسط في الصراع الدبلوماسي بين عدة دول خليجية وقطر، حليفة أنقرة. وتصالحت دول الخليج العام الماضي، بينما شهدت المنطقة تقاربا دبلوماسيا في الأشهر الأخيرة مع ضعف الاقتصادات في فترة ما بعد تفشي وباء كوفيد-19 بشكل خاص.

وفي فبراير/شباط الماضي، قام الرئيس التركي بأول زيارة رسمية له إلى الإمارات منذ نحو عقد، بعد أشهر قليلة من زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة، حيث أظهر البلدان رغبتهما في تعزيز العلاقات الاقتصادية.

وتأمل تركيا في جذب استثمارات خليجية جديدة وإبرام اتفاقات مالية لدعم عملتها. وقد تمّ خلال زيارة الشيخ محمد تأسيس صندوق استثماري بقيمة عشرة مليارات دولار.

ويقود أردوغان تركيا منذ تسعة عشر عاما كرئيس للوزراء ثم كرئيس للبلاد ويأمل في إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في يونيو 2023.

وتمثل زيارة أردوغان للمملكة، الذي يقول مكتبه إنها جاءت استجابة لدعوة من الملك سلمان، تتويجا لجهود مستمرة منذ شهور لإصلاح العلاقات شملت إغلاق تركيا لقضية قتل خاشقجي في إسطنبول عام 2018.

ويعقد أردوغان آمالا كبيرة على مصالحة مع السعودية التي لها ثقل اقتصادي وسياسي إقليمي وتلعب دورا وازنا في دعم الاستقرار في المنطقة.

وتأتي جهوده لترميم الشروخ في علاقات بلاده الخارجية بينما تئن تركيا تحت وطأة أزمة طاحنة أثرت على شعبيته بينما يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران 2023 برصيد من النكسات المالية والسياسية وفي الوقت الذي تتعاظم فيه شعبية المعارضة التي استفادت إلى حدّ كبير من تلك النكسات وتعتمد عليها في إستراتيجية التأثير على الناخب التركي الذي تأثرت قدراته الشرائية في ظل انهيار الليرة التركية وارتفاع قياسي في معدل التضخم.

ويخوض أردوغان الانتخابات القادمة وسط مخاوف من أن تؤثر الأزمة الاقتصادية على حظوظه وحظوظ حزبه العدالة والتنمية الإسلامي وقد تشكل عودة تدفق الاستثمارات الخليجية وأساسا السعودية والإماراتية على تركيا نصرا سياسيا واقتصاديا للرئيس التركي. والنجاح في معالجة انهيار العملة ومعدل التضخم قد يكون مفتاح الانتخابات القادمة بينما تواصل تركيا على جبهة أخرى تهدئة التوترات مع الشركاء الأوروبيين ومع الولايات المتحدة.

كما يراهن أردوغان على وساطة وازنة في الأزمة المتفجرة بين روسيا وأوكرانيا بما ينهي الحرب القائمة، لتعزيز رصيد شعبيته وتقديم تركيا كقوة وازنة في حل الأزمات الإقليمية والدولية.

وقد اثنت الأمم المتحدة والدول الغربية على الدور الذي تلعبه تركيا في الأزمة بين أوكرانيا وروسيا وهو أمر من المتوقع أن يعزز رصيد الرئيس التركي بعد ان فقد الكثير من شعبيته في السنوات الأخيرة.