أزمة الهجرة تستعجل لقاء تونسيا فرنسيا

وزيرة الخارجية الفرنسية تزور روما لإجراء محادثات مع نظيرها الإيطالي بهدف تفعيل الانفراج في العلاقات بين البلدين بعد الخلافات حول الهجرة.
القنصل العام الفرنسي يشدد على حق بلاده في حماية حدودها

 تونس - أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية اليوم الخميس أن الوزيرة كاترين كولونا ستلتقي نظيرها التونسي نبيل عمار الثلاثاء المقبل في باريس، معتبرة المناسبة "فرصة لإظهار" دعم فرنسا لتونس، بينما يأتي هذا اللقاء الأول بين وزيري البلدين بعد أن أعربت باريس مؤخرا عن قلقها إزاء الأوضاع في تونس، فيما وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بـ"المستعرة"، لكن وزير الخارجية التونسي حذّر من أن تعطي الضغوط الأوروبية المسلطة على بلاده نتائج عكسية.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة آن-كلير ليجاندر خلال مؤتمر صحفي إن كولونا وعمار أجريا محادثات عبر الهاتف لكن "هذا سيكون أول لقاء ثنائي بينهما"، مضيفة "ستتاح لنا الفرصة لإظهار والتأكيد مجددا على دعمنا تونس والشعب التونسي"، مشيرة إلى أن الوزيرين "سيتناولان من كثب كل جوانب التعاون الفرنسي - التونسي". وتطرقت خصوصا إلى مسائل التعليم والثقافة ومسألة الهجرة الشائكة.

وكان نبيل عمار قد دعا الاتحاد الأوروبي أثناء استقباله المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون في نهاية أبريل/نيسان إلى إظهار "تضامن" مع بلده، لاسيما في مكافحة الهجرة غير القانونية.

وتسجل تونس التي تبعد بعض أجزاء ساحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية بانتظام محاولات هجرة بحرا نحو إيطاليا معظم المشاركين فيها مواطنون من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

وأعلن الحرس الوطني التونسي في وقت سابق أنه أنقذ أو اعترض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام أكثر من 14 ألف مهاجر معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء، أي ما يزيد على خمسة أضعاف العدد المسجل في الفترة نفسها من عام 2022.

 وقال القنصل العام الفرنسي في تونس دومينيك ماس إن فرنسا أصدرت في العام 2022 نحو 10 آلاف طلب لترحيل تونسيين مقيمين على أراضيها بصورة غير شرعية، مشددا على ما اعتبره "حق بلاده في فعل ما تراه مناسبا لحماية حدودها وتحديد وضع المهاجرين غير النظاميين بها"، وفق إذاعة "موزاييك" المحلية.

فرنسا أصدرت في العام 2022 نحو 10 آلاف طلب لترحيل تونسيين مقيمين على أراضيها بصورة غير شرعية

كما ستناقش كولونا وعمار "التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد وكيف يمكننا مساعدة تونس في مواجهتها على الصعيد الثنائي ومع شركائنا الأوروبيين"، كما أوضحت آن-كلير ليجاندر.

وكان سفير فرنسا لدى تونس أندريه باران قد أكد في مارس/آذار الماضي استعداد بلاده لقديم دعم مالي لتونس بشرط الشروع في تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي لصرف قرض الملياري دولار، معتبرا أن الوضع في تونس بات يحتّم على السلطات التونسية الوصول إلى اتفاق مع المؤسسة الدولية المانحة.

بدوره أكد ماكرون عقب القمة الأوروبية ببروكسل في الفترة نفسها أن التوتر السياسي في تونس والأزمة الاقتصادية والاجتماعية في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي يؤديان إلى زعزعة كبيرة للغاية لاستقرار البلاد والمنطقة وإلى زيادة ضغط الهجرة على إيطاليا والاتحاد الأوروبي، داعيا إلى العمل معا على المستوى الأوروبي لمساعدة تونس من أجل السيطرة على تدفقات الهجرة.

في سياق متصل تزور وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا اليوم الخميس روما لإجراء محادثات مع نظيرها الإيطالي انتونيو تاجاني بهدف تفعيل الانفراج في العلاقات بين البلدين بعد الخلافات حول الهجرة.

وستلتقي كولونا وزير الخارجية الإيطالي نائب رئيس الوزراء والرجل الثاني في قيادة حزب "إيطاليا إلى الأمام" (فورتسا إيطاليا) اليميني الشريك الصغير في التحالف المحافظ المتشدد الذي تقوده جورجيا ميلوني.

وقبل زيارتها، قالت كولونا التي عملت سفيرة في روما من 2014 إلى 2017 إن فرنسا لا تواجه "بالتأكيد" أزمة مع جارتها إيطاليا، لكن ردود فعل حادة صدرت في شبه الجزيرة على تصريحات أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان الذي قال في الرابع من مايو/أيار إن ميلوني "عاجزة عن حل مشاكل الهجرة التي انتُخبت على أساسها". وألغى تاجاني حينذاك لقاء كان مقررا مع كولونا في اليوم نفسه.

واعترفت كولونا في مقابلة مع شبكة "فرانس 2" خلال الأسبوع الجاري "صحيح أنه كانت هناك لحظة من التردد والاستغراب حيال التصريحات"، مضيفة "أوضحنا موقفنا منذ ذلك الحين".

بدوره قال تاجاني إنه سيبحث مع نظيرته الفرنسية "موضوع التعاون ضد الهجرة غير الشرعية وكذلك تحقيق الاستقرار في إفريقيا"، مؤكدا أن هذه التحركات يجب أن تكون "مشتركة ومتقاسَمة"، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيطالية (انسا).

وتأخذ إيطاليا على شركائها الأوروبيين عدم مشاركتهم في استقبال المهاجرين الذين يصلون أراضيها بعد عبور البحر الأبيض المتوسط.

وتفيد أرقام نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية بأن نحو نصف المهاجرين البالغ عددهم 46 ألفا الذين وصلوا إلى شواطئ البلاد منذ بداية العام جاؤوا من دول ناطقة بالفرنسية (ساحل العاج وغينيا وتونس وبوركينا فاسو).

الفيضانات التي اجتاحت إيطاليا أتاحت لفرنسا الفرصة للتعبير عن حسن نيتها لجارتها

وخلال قمة مجلس أوروبا في ريكيافيك منتصف مايو/أيار، اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يقوم بالمزيد لمساعدة إيطاليا في إدارة هذه الموجات من تدفق المهاجرين.

وقال إن "الشعب الإيطالي كبلد يحط فيه المهاجرون يتعرض لضغوط هجرة كبيرة جدا ولا يمكن ترك إيطاليا وحيدة".

وعلى الرغم من الخلافات السياسية بين رئيس الدولة الفرنسي الذي يؤكد أنه سد منيع في أوروبا في وجه النزعة القومية، ورئيسة الحكومة الإيطالية التي تدافع عن أوروبا مسيحية مهددة بـ"مد الهجرة"، قال أستاذ العلوم السياسية فرانكو بافونسيلو رئيس جامعة جون كابوت في روما إن الفرنسيين توصلوا إلى "نتيجة مفادها أن الحكومة الإيطالية موجودة وستبقى لفترة وعليهم التحدث مع بعضهم البعض".

وأضاف أن "العلاقات بين باريس وروما أهم من أن يتم تجميدها، ونظرا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولوزن ألمانيا، تصبح هذه العلاقات أكثر أهمية".

وسواء اعتبرت نقمة أو نعمة دبلوماسية مفاجئة، أتاحت الفيضانات التي اجتاحت وأسفرت عن قتلى الأسبوع الماضي في منطقة إيميليا رومانيا (شمال شرق إيطاليا) الغنية، لفرنسا التعبير عن حسن نيتها لجارتها.

فبعد أن طلبت روما مساعدة من شركائها الأوروبيين، أعلنت باريس عن إرسال وسائل ضخ وأفراد من تشكيلات الأمن المدني العسكري، بينما كتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة على تويتر الثلاثاء "التضامن في العمل".

وردا على سؤال حول زيارة محتملة لجورجيا ميلوني إلى باريس في يونيو/حزيران، قالت كولونا "أعتقد أننا نبحث عن مواعيد لكن هذا لم يتضح بعد".

وقال فرانكو بافونتشيلو إن إيمانويل ماكرون وجورجيا ميلوني الحريصين على العلاقات عبر الأطلسي، متفقان تماما بشأن الملف الدبلوماسي والعسكري الأكثر حساسية وهو ملف أوكرانيا، مضيفا أنهما "يريدان كسر الجليد والبدء بالتحدث إلى بعضهما ويدركان أن لديهما مصالح مشتركة في السراء والضراء".

وكان وزير الخارجية التونسي نبيل عمار قال في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء في 2 مايو/أيار الشهر الجاري إن "إيطاليا والاتحاد الأوروبي وشركاؤنا عامة يُدركون جيدًا أن الهجرة غير النظامية تفوق قدرة دولة واحدة وخاصة تونس، باعتبار أن هذه الظاهرة عالمية ومن وجهة نظر جغرافية، فإن تونس معنية بهذه المسألة، لأنها تقع في الطريق التي يسلكها المهاجرون غير النظاميين للعبور إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، لكنها مع ذلك ليست في قلب هذه الديناميكية"، مضيفا "أكدنا لشركائنا على أن حل هذه المشكلة يجب أن يشمل جميع البلدان المتضررة من هذه الظاهرة وهم مطالبون بالتنسيق لمكافحة الاتجار بالبشر ومن ثمة مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية".

وتابع "عبر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه إزاء مواجهة هذه الظاهرة وهي مخاوف تتقاسمها تونس مع دول التكتل باعتبارها أصبحت بدورها مقصدا للذين يعتزمون الهجرة بشكل غير نظامي. وعلى الرغم من أن البعض يتهمنا بأننا شرطي أوروبا ويتهمنا بالعنصرية، فإن تونس تبقى شريكًا موثوقًا به".

وأكد"لطالما أوضحت، حتى عندما كنت سفيرا لتونس ببروكسيل، ولدى الاتحاد الاوروبي، إننا وصلنا إلى نقطة أصبحت فيها الضغوط المفروضة على تونس تؤتي نتائج عكسية وبسببها يمكن أن نصل إلى نقطة اللاعودة ونحن نتطلع إلى أن يكون لدى شركاء تونس ما يكفي من الوعى بهذا الخطر، لأننا نعتقد أنهم ذهبوا بعيدا في هذا المجال. نحن فسرنا لشركائنا أنه يوجد خط أحمر لا يمكن أبدا تخطيه، ألا وهو استقرار البلاد والسلم الاجتماعية". 

 وقال إن "التطوّر الاقتصادي لتونس وازدهارها يصبان في مصلحة مختلف الأطراف ومصلحتنا تلتقى مع مصلحة كل شركائنا. الرسائل السلبية تجاه تونس، لها انعكاسات مباشرة ووخيمة على المستوى الاقتصادي وتساهم في عزوف المستثمرين والسيّاح .. حين يتحدّث شركاؤنا عن دعمنا ثم يبثون في الوقت ذاته رسائل مشككة، فهنا وبكل بساطة لا يمكننا إلا الحديث عن عدم انسجام بين القول والفعل".