أسعار النفط تراوح مكانها رغم التطورات الإقليمية والعالمية

أزمة البحر الأحمر الذي يمر من خلاله 10 بالمئة من إمدادات النفط والمشتقات العالمية المنقولة بحرا، لم تدفع نحو زيادة الأسعار إلا ببضعة سنتات.

واشنطن - بينما كان منتجو النفط بقيادة تحالف “أوبك +” يطمحون إلى ارتفاع سعر برميل الخام لمتوسط 95 دولارا منذ نهاية 2022، لم تتجاوز الأسعار 85 دولارا في أفضل الأحوال.

وارتفعت أسعار النفط قليلا الأربعاء بعدما تغلبت المؤشرات على شح الإمدادات في ظل تخفيضات إنتاجية من جانب منتجين كبار على المخاوف المتعلقة بنمو الطلب في الصين والولايات المتحدة، أكبر مستهلكين للخام في العالم.

وصعدت العقود الآجلة لخام برنت 17 سنتا إلى 82.21 دولار للبرميل بحلول الساعة 0440 بتوقيت جرينتش بعد تراجعها في الجلسات الأربع السابقة. وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 19 سنتا إلى 78.34 دولار للبرميل بعد انخفاضها في اليومين السابقين. بينما بلغ متوسط سعر البرميل 79 دولارا في 2023، مقارنة بـ 98 دولارا متوسطا في 2022، بالتزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

توجه نحو العزوف عن المخاطرة في الأسواق على الرغم من استمرار علامات الشح في السوق الفعلية بينما تخفيضات أوبك+ تشق طريقها ببطء عبر السوق.

وضمن جهوده لتعزيز سعر برميل النفط، نفذ تحالف “أوبك +” خفضا إلزاميا لأعضائه الـ 24 بمقدار 3.6 ملايين برميل يوميا، بدأ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ويستمر حتى نهاية 2024.

وعلى الرغم من خفض الإنتاج لم تتفاعل أسعار النفط كما يأمل التحالف، ويعود ذلك إلى اجتماع عوامل محفزة للأسعار وأخرى مثبطة في الوقت نفسه.

حاليا، يبلغ متوسط الطلب العالمي على النفط الخام 103 ملايين برميل يوميا، مقارنة بـ102 مليون برميل يوميا في 2023، وسط توقعات ببلوغ الطلب مستوى 104 ملايين برميل يوميا في 2024.

ومن أبرز العوامل المحفزة هي العقوبات الغربية على النفط الروسي، إذ أنه اعتبارا من الربع الثالث 2023، نفذت غالبية دول الاتحاد الأوروبي، ودول غربية أخرى، عقوبات على روسيا قضت بالتوقف عن استيراد النفط ومشتقاته منها بسبب الحرب على أوكرانيا.

وحتى عشية الحرب الروسية الأوكرانية، بلغ متوسط الطلب العالمي على النفط الخام الروسي 5 ملايين برميل يوميا، وقرابة 4 ملايين برميل من المشتقات.

وأمام هذه العقوبات، كان المنتجون يتوقعون ارتفاع الطلب على النفط الخام من خارج روسيا، ويكون التأثير مقتصرا فقط على الخام الروسي.
لكن موسكو أعلنت في أكثر من مناسبة أن العقوبات الغربية بوقف استيراد نفطها، لم تؤثر على كميات الإنتاج أو الصادرات، بإعلانها توقيع اتفاقيات توريد مع الصين والهند، المصنفتين أكبر وثالث أكبر مستوردتين للنفط عالميا.

وفي الوضع الطبيعي، يبلغ متوسط إنتاج روسيا النفطي قرابة 10.5 ملايين برميل يوميا، لكن مع خفض الإنتاج الإلزامي والطوعي، تراجع الرقم إلى نحو 9 ملايين برميل يوميا.

كما أن أزمة البحر الأحمر الذي يمر من خلاله 10 بالمئة من إمدادات النفط والمشتقات العالمية المنقولة بحرا، لم تدفع نحو زيادة الأسعار إلا ببضعة سنتات، بحسب البيانات التاريخية لأسعار النفط، واعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تعرضت سلاسل إمدادات السلع العابرة للبحر الأحمر لضربة حادة بإعلان جماعة الحوثي استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، كأحد أشكال دعم الفلسطينيين.

و”تضامنا مع قطاع” غزة الذي يواجه منذ نحو خمسة أشهر حربا إسرائيلية مدمرة، استهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر، قبل أن تمتد إلى السفن الأمريكية والبريطانية.

ومطلع فبراير/ شباط الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يستمر التباطؤ الاقتصادي الصيني في السنوات المقبلة، فيما تعاني الدولة الآسيوية العملاقة تلاشي الإنتاجية وتقدم السكان بالسن.

وسجل الاقتصاد الصيني نموا بلغ 5.2 بالمئة العام الماضي وفق الأرقام الرسمية، وهي إحدى أقل نسب النمو منذ قرابة 25 عاما.

ويأتي تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني مع استمرار أزمة ديون قطاع العقارات إضافة إلى التوترات الجيوسياسية وضعف الطلب العالمي، فيما تعتبر بكين ثاني أكبر مستهلك للخام بعد الولايات المتحدة بمتوسط يومي 14 مليون برميل.

ويفتقر معدل النمو الاقتصادي المستهدف في الصين لعام 2024 بنحو خمسة بالمئة إلى خطط تحفيز كبيرة لدعم اقتصاد البلاد المتعثر مما زاد المخاوف من أن نمو الطلب في الصين قد يتأخر هذا العام. وأعلنت بكين هذا الهدف الثلاثاء.

وقال توني سيكامور، محلل السوق لدى آي.جي في سيدني “أرادت السوق مزيدا من التفاصيل حول الكيفية التي تعتزم بها الصين تحقيق هدف النمو البالغ خمسة بالمئة لعام 2024، وكانت تأمل على وجه التحديد في رؤية المزيد من التوسع المالي للمساعدة في تحقيق هدف النمو”.

وارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة خلال العام الماضي إلى مستوى تاريخي جديد، ما ساهم في تصاعد الضغوط الهبوطية على أسعار الخام.

وفي فبراير الماضي، قالت إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، إن إنتاج النفط الخام الأميركي سجل مستوى قياسيا جديدا عند 13.3 مليون برميل يومياً في ديسمبر الماضي.

ويزيد الإنتاج بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا مقارنة بأرقام 2022، ما يعني أنه عوض جزئيا خفض الإنتاج الذي ينفذه تحالف “أوبك +”.

وأشار دانييل هاينز خبير استراتيجيات السلع الكبير في بنك إيه.إن.زد في مذكرة الأربعاء إلى “توجه العزوف عن المخاطرة” في الأسواق “على الرغم من استمرار علامات الشح في السوق الفعلية”. وأضاف أن تخفيضات أوبك+ “تشق طريقها ببطء عبر السوق”.

واتضحت علامات شح المعروض عندما أعلنت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، الأربعاء عن ارتفاع طفيف في أسعار مبيعات النفط الخام لشهر أبريل/ نيسان إلى آسيا، أكبر سوق لها.

وقالت مصادر في السوق إن التقرير الأول من تقريري المخزونات الأميركية هذا الأسبوع، الصادر عن معهد البترول الأميركي، أظهر ارتفاع مخزونات الخام الأميركية بمقدار 423 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في الأول من مارس/ آذار، وهو أقل بكثير من الزيادة التي توقعها محللون في استطلاع أجرته رويترز والبالغة 2.1 مليون برميل.

وأظهرت بيانات معهد البترول أن مخزونات البنزين انخفضت بمقدار 2.8 مليون برميل وانخفضت مخزونات نواتج التقطير بمقدار 1.8 مليون برميل.