إصرار أميركي على الفشل

يبدو أن الرئيس بايدن لديه قناعة كاملة بصعوبة التعامل مع التهديد الإيراني سوى من خلال الحوار. هذا يغذي المزيد من التعنت الإيراني.

من الواضح أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تمتلك استراتيجية بديلة في التعامل مع التهديد الإيراني رغم تقارير وكالة الطاقة الذرية التي تؤكد انتهاك طهران للبنود الخاصة بمستوى تخصيب اليورانيوم، ورغم السلوك الإيراني الذي تسبب في الإضرار بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط بشكل مباشر من خلال الحرب بالوكالة التي تخوضها إيران عبر ميلشيات إرهابية موالية لها في العراق واليمن. رغم كل ما سبق فإن الإدارة الأميركية لا تزال تراهن على اللقاءات السرية عبر وساطات دول اقليمية مختلفة في إجراء حوارات مع إيران، حيث كشفت تقارير أميركية مؤخراً أن حوار إيراني ـ أميركي جرى مؤخراً بوساطة عمانية وخصص حصرياً لمناقشة موضوع رفع العقوبات الغربية عن إيران، وهناك رواية أميركية معلنة تقول بأن الحوار كان مخصصاً لمسألة وقف حركة الحوثيين أنصار الله هجماتها في البحر الأحمر.

التقارير الاعلامية لا تحتاج إلى تأكيد أكثر من تمديد قرار تخفيف العقوبات على إيران، ما يسمح لها بالاستفادة من أكثر من 10 مليارات دولار من الأموال المجمدة، ما يؤكد استمرار نهج إدارة بايدن دون تغيير رغم ما طرأ من أحداث في الأشهر الأخيرة.

بغض النظر عن موضوع الحوار، فإن إدارة بايدن منذ قدومها للسلطة تحاول إجراء حوارات مع إيران على أمل أن يسهم الحوار بحد ذاته في تحقيق انفراجة في ملفات أخرى، وقد تسبب هذا النهج في كوارث دبلوماسية للولايات المتحدة. ولكن البيت الأبيض لا يزال يتمسك به، في ظل غياب أي استراتيجية بديلة في التعاطي مع إيران، رغم أن أنباء التهدئة مع إيران بل وإجراء حوار غير مباشر معها في هذا التوقيت يرسخ الفكرة السائدة عن عجز الولايات المتحدة وفشلها في الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.

مطالبة إيران، وفقاً للتأكيد الأميركي الرسمي، ان تقوم بالاسهام في لجم هجمات الحوثيين يكشف فشل تحالف "حارس الازدهار"، الذي شكلته الولايات المتحدة في عجالة، للتصدي للهجمات وحماية الممر التجاري في البحر الأحمر، ويؤكد كذلك صواب موقف الدول التي لم تشارك في هذا التحالف، ليس فقط لفشله في تحقيق الهدف المراد من ورائه، ولكن أيضاً لأن واشنطن لجأت كدأبها في السنوات الأخيرة في التخلي عن حلفائها والذهاب منفردة إلى حوار مع إيران دون أن تناقش الأمر مع هؤلاء الحلفاء أو حتى تأخذ بالاعتبار تداعيات هكذا خطوات على مصالح هؤلاء الحلفاء وأمن دولهم واستقرارها.

بلا شك أن نهج إدارة الرئيس بايدن يعظم مكاسب إيران الاستراتيجية من وراء حرب غزة، بل يرسخ دور إيران كمحرك إقليمي للأحداث، بدلاً من أن يتصدى لهذا الدور ويكبح جماح طهران ووكلائها، كما يُعد الحوار معها بشأن وقف هجمات الحوثيين اعترافاً يشرعن العلاقات التسليحية للإرهاب بين طهران والحوثي الإرهابي وتسليم أميركي بالأمر الواقع، ويحد من فاعلية قوة الردع الأميركية، ويسهم بالمقابل في تنامي احساس النظام الإيراني بالقوة والانتصار والقدرة على تحقيق أهدافه الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.

أضف إلى ذلك أن السلوك الأميركي يضر بأمن إسرائيل نفسها، ويعكس عجز الولايات المتحدة عن حمايتها إلا من خلال الحوار مع طهران!

المسألة ترتبط كذلك بمصداقية الولايات المتحدة وسمعتها، ففي الوقت الذي كان الرئيس بايدن يتحدث فيه إلى الشعب الأميركي في خطاب "حالة الاتحاد" عن ردع إيران ووقف خطرها عبر التصدي لميلشيات الحوثي الإرهابية، كان ممثليه يتحاورون مع الإيرانيين حول صفقة تحقق مطلبهم!

الحوار الإيراني ـ الأميركي لم ينقطع منذ وصول الرئيس بايدن للحكم، ولكنه في هذا التوقيت يبدو لافتاً للغاية في ظل الظروف والبيئة الاقليمية المحيطة به. ولكن يبدو أن الرئيس بايدن لديه قناعة كاملة بصعوبة التعامل مع التهديد الإيراني سوى من خلال الحوار، وهذا ما يسهم في تشجيع طهران على التمادي في سلوكها دون خوف أو قلق. ومن دون وجود استراتيجية ردع كفؤة للتعامل أميركياً مع إيران، فلن تفلح الولايات المتحدة في كبح جماح الميليشيات الإرهابية.