إيران تحد من استقلالية الفصائل الموالية لها خشية التورط في الحرب
بغداد – مع تصاعد هجمات الفصائل المسلحة المدعومة لإيران على القوات الأميركية في العراق وسوريا، والتي بلغت ذروتها بمقتل ثلاث جنود أميركيين، فإن قادة إيران شعروا بالقلق من أن مستوى القرار الذاتي المعطى للميليشيات، بدأ يأتي بنتائج عكسية وقد يدفعهم الى الحرب، ما دفع طهران إلى بذل إيران جهود مكثفة من أجل "كبح جماح " هذه الفصائل، وربطها بالقرار الإيراني بصورة أكبر.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن الهدوء النسبي حاليا يشير إلى ان طهران تتمتع بدرجة معينة من السيطرة على الميليشيات". بعد أن ردت الولايات المتحدة بسلسلة من الضربات الجوية انتقاما لمقتل ثلاث من جنودها، وأضافت ان "إدارة الرئيس جو بايدن كانت قد لوحت بأن طهران ستتحمل المسؤولية عن الحسابات الخاطئة والعمليات التي تقوم بها الميليشيات الوكيلة، الا ان واشنطن تجنبت اي هجوم مباشر على إيران".
طهران تمارس النفوذ الاكبر على حزب الله بينما تقع الميليشيات السورية والعراقية في المنتصف، ويعتبر الحوثيون الأكثر استقلالية.
وتابعت الصحيفة أن الجهود الايرانية ربما تكون ساهمت في تراجع واشنطن عن استهداف قيادي كبير في الفصائل العراقية، ففي البداية كانت هناك مخاوف إقليمية من ان يؤدي العنف المتبادل الى تصاعد الصراع في الشرق الاوسط، الا أنه منذ الضربات الاميركية في الثاني فبراير/شباط الحالي، لم تقع هجمات من قبل الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على القواعد الأميركية في العراق، بينما وقع هجومان صغيران فقط في سوريا، في حين أن الجيش الاميركي كان سجل ما لا يقل عن 170 هجوما ضد القوات الاميركية خلال الشهور الأربعة الماضية، بحسب تأكيدات البنتاغون".
وصرح الرئيس المتقاعد للقيادة المركزية للبنتاغون الجنرال كينيث اف ماكنزي جونيور أن "الرد الأميركي قد يكون له بعض التأثير، وأن السؤال هو عما إذا كانت الميليشيات ستهاجم أم لا وعلى الأقل في الوقت الحالي فهي ليست كذلك".
ويعكس الهدوء تحولا كبيرا في موقف إيران، التي كانت منذ شهور قد أمرت وكلائها الإقليميين في العراق وسوريا بمهاجمة القواعد الأميركية في الشرق الاوسط في إطار معركة أوسع ضد اسرائيل، التي تحارب حماس في غزة.
وقال المحاضر في جامعة جورج واشنطن سينا ازودي، وهو أيضا خبير في الأمن القومي الايراني "إنهم خائفون من المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، ويعلمون أنه في حال قتل أميركيون مجددا فإن ذلك سيعني الحرب، ولهذا كان عليهم أن يكبحوا جماح الميليشيات وإقناعهم بان الحرب مع الولايات المتحدة يمكن أن تضر طهران أولا ثم المحور بأكمله بالتالي".
ولفت التقرير الى "محور المقاومة" الذي يضم فصائل من العراق ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن، وقال ان إيران تضع استراتيجية شاملة فيما يتعلق بالمحور، لكن مستوى السيطرة والتنسيق اليومي يتباين، مضيفا أن طهران تمارس المستوى الاكبر من النفوذ على حزب الله، بينما تقع الميليشيات السورية والعراقية في المنتصف، ويعتبر الحوثيون الأكثر استقلالية.
وبحسب محللين، فإن قائد قوة القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، كان أبقى الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا تحت قيود مشددة، وذلك لأسباب عديدة أهمها ان الحرب كانت مستعرة في كلا البلدين خلال معظم فترة قادته، حيث اعطى اوامر للميليشيات بمقاتلة الأميركيين ومن ثم إرهابيي تنظيم داعش. وبعدما خلفه في قيادة القوة اسماعيل قاآني، فإن معظم هذه الصراعات تمت تسويتها، فاعتمد قآاني ما يسمى أسلوب القيادة غير المتدخل، ولم يحدد سوى اتجاهات واسعة أمام الفصائل.
إلا أن قآاني، قام بتنسيق استراتيجية الميليشيات تجاه اسرائيل والولايات المتحدة خلال الحرب الحالية في غزة، حيث قاد سلسلة من الاجتماعات العاجلة في أواخر يناير/كانون الثاني في طهران وبغداد مع الاستراتيجيين وكبار قادة الحرس الثوري وكبار قادة الميليشيات، بهدف اعادة رسم الخطط وتجنب الحرب مع الولايات المتحدة، وهو ما أكده اثنان من الإيرانيين المرتبطين بالحرس الثوري.
وعقد قآاني في بغداد اجتماعا مطولا مع ممثلي جميع الفصائل الشيعية المسلحة التي تعمل تحت مظلة "المقاومة الاسلامية في العراق" التي كانت تعلن مسؤوليتها عن عشرات الهجمات على القواعد الاميركية، واتهمتها واشنطن بالمسؤولية عن الهجوم بالطائرة المسيرة الذي اودى بحياة الجنود الاميركيين.
وذكر المصدران الايرانيان إن قآاني أخبر هؤلاء القادة أن إيران والميليشيات المختلفة حققت ما يكفي من المكاسب في الضغط على الولايات المتحدة لأن الرئيس جو بايدن كان يواجه انتقادات شديدة بسبب دعمه القوي لإسرائيل وظهرت خلافات بينه وبين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفا أن قآاني قال لهم أيضا أن حربا بين طهران وواشنطن، يمكن أن تعرض للخطر أيضا الهدف طويل المدى المتمثل في اقتلاع الولايات المتحدة من المنطقة.
وقال المصدران الايرانيان، ان اثنتين من كبرى الميليشيات العراقية، كتائب حزب الله وحركة النجباء، عارضتا بقوة في البداية طلب قآاني بوقف الهجمات على الاميركيين، بحجة أن محاربة القوات الاميركية كانت جزءا لا يتجزأ من ايديولوجيتهما وهويتهما.
وبحسب مسؤولين عراقيين وايرانيين، فإن سياسيين مؤثرين، بما في ذلك كبار رجال الدين المعروفين باسم المرجعية في النجف، انضموا الى الجهود الرامية الى اقناع الميليشيات بوقف الهجمات، ومن بين هؤلاء أيضا رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، الذي قال لقادة الميليشيات العراقية والجنرال قاآني أن الهجمات المتواصلة على القوات الأميركية تسببت في تعقيد المفاوضات بين بغداد وواشنطن، فيما يتعلق بانسحاب القوات الاميركية من العراق.
واقتنع قادة الميليشيات بالفكرة، وأعلنت كتائب حزب الله وقف هجماتها على القواعد الاميركية، مشيرة الى ان قراراتها مستقلة عن ايران. نتيجة مشاورات قآاني عبارة تمثلت بظهور استراتيجية جديدة تنص على وقف الميليشيات العراقية كافة الهجمات على القواعد الأميركية في العراق، بما في ذلك اقليم كردستان وعلى السفارة الأميركية في بغداد.
وبحسب مسؤولين ايرانيين وتقديرات استخباراتية أميركية فانه فيما يتعلق بسوريا، فقد تم الطلب من مجموعات الميليشيات خفض جدة الهجمات على القواعد الأميركية لتجنب سقوط قتلى، لكن المصادر الايرانية المطلعة على الاستراتيجية، قالت إن الفصائل الناشطة ضد اسرائيل في لبنان واليمن ستواصل العمل بوتيرتها.
ونقل التقرير عن مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية، فانه بمجرد أن هدأت الهجمات على الأميركيين، امتنعت الولايات المتحدة عن استهداف واحد على الأقل من كبار قادة الميليشيات بعد 2 فبراير/شباط لتجنب عرقلة الهدنة واشعال المزيد من الأعمال العدائية. بينما قال مسؤول أميركي آخر إن البنتاغون كان على استعداد لضرب المزيد من أهداف الميليشيات في حال تطلب الأمر ذلك، إلا أنه قرر أن القيام بالمزيد من الضربات الآن سيؤدي الى نتائج عكسية.
وبحسب خبير استراتيجي عسكري في الحرس الثوري فإن إيران تعتقد أن الحرب المباشرة مع الولايات المتحدة ستخدم لصالح إسرائيل في وقت انقلب فيه الرأي العام العالمي ضدها بسبب الخسائر الفادحة من القتلى المدنيين والمعاناة في غزة.
وبعد أكثر من عقد من الزمان، تعتقد طهران أنها تتمتع بزيادة كبيرة في شعبيتها بين العرب، الذين يشعرون بالغضب لأن قادة بلادهم لا يبذلون ما يكفي لدعم الفلسطينيين.
وصرحت المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ الأسبوع الماضي أن "التقييم الخاص بنا هو أن ايران لا تسعى الى صراع اقليمي اوسع نطاقا، ولكنهم يدعمون هذه الميليشيات التي تهاجم قواتنا".