إيران تستعد لانتخابات تشريعية على وقع حرب غزة

انتخابات 2024 تكتسب أهمية وازنة، إذ أن الدورة الأخيرة في 2020 شهدت إقصاء عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين.

طهران - تستعد إيران لانتخابات تشريعية مقررة في مارس/اذار 2024 تعتبر استثنائية في ظل التوترات الخطيرة التي تشهدها المنطقة خاصة مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد هجوم نفذته حركة حماس المدعومة من طهران في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتدعم إيران بقوة حماس والفصائل الفلسطينية الإسلامية، لكنها تنأى بنفسها عن اي تدخل عسكري لمساعدتها في مواجهة أعنف عملية عسكرية تنفذها إسرائيل أدت حتى الآن إلى مقتل ما يزيد عن 11 ألف فلسطيني بينهم أكثر ن 5000 طفل.

وتشغل الحرب بين إسرائيل وحماس بالفعل مساحة كبرى من الاهتمام في السياسة ووسائل الإعلام المحلية، بينما يتوقع أن تستحوذ أزمة غزة على حيز مهم في الدعاية الانتخابية وتدخل دائرة المزايدات بين المحافظين والاصلاحيين.

لكن أيضا يمكن أن تترك المشاغل الداخلية مجالا محدودا للحملة للانتخابات النيابية المقررة في مارس 2024 التي سيسعى من خلالها المحافظون إلى تعزيز سيطرتهم على مراكز القرار.

واجتازت العملية المعقّدة لاختيار المرشحين النهائيين لانتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) مرحلة كبيرة، بحيث رفض مجلس صيانة الدستور 28 بالمئة من ترشيحات 24982 شخصا.

ولا يمكن توقّع عدد المرشحين الذي سيتنافسون في الأول من مارس 2024 لتجديد المقاعد الـ209 للبرلمان والـ88 لمجلس خبراء القيادة، قبل أن تصبح القوائم نهائية قبل شهر فقط من موعد الانتخابات.

وتكتسب انتخابات 2024 أهمية وازنة، إذ أن الدورة الأخيرة التي أجريت عام 2020 شهدت إقصاء عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين، ما أدى عمليا إلى تحويل الانتخابات إلى منافسة بين المحافظين والمحافظين المتشددين.

وكان الإقصاء الواسع والمثير للجدل لهؤلاء المرشحين من الأسباب التي عزي إليها تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات، إذ توجّه 42.57 في المئة فقط من الناخبين إلى مراكز الاقتراع، وهو أدنى معدّل يُسجّل منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

ودعا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الخميس إلى بذل كل الجهود اللازمة لضمان إجراء "انتخابات حماسية" في مارس المقبل. وأتى ذلك خلال استقباله أعضاء مجلس صيانة الدستور الذي تعود إليه صلاحية البت بأهلية المرشحين للانتخابات.

من جهته، أكّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن حكومته ليس لديها "أي مرشح" للانتخابات النيابية وأنها تحاول "فقط تشجيع زيادة المشاركة" بمشاركة "جميع المكونات السياسية".

وفي غضون ذلك، يهتمّ الإيرانيون بمواضيع أخرى تشغل بالهم أبرزها احتمال انخراط طهران في الحرب بين إسرائيل وحماس في حال اتساع نطاقها أبعد من قطاع غزة، بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية وتداعيات حركة الاحتجاجات التي هزّت البلد بعد وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022 على إثر توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

ويتوقع الخبير السياسي أحمد زيد أبادي أن يستمر الناخبون في الابتعاد عن صناديق الاقتراع "ما لم يتمكن النظام (السياسي للجمهورية الإسلامية) من أن يقدّم لهم دوافع أمل وتغيير".

واعتبر أن تطوّر الحرب بين إسرائيل وحماس قد يؤثر على نتائج الانتخابات النيابية، إذ أن أي هزيمة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) المدعومة من إيران "ستُضعف موقف الموالين للحكومة في حال حدوثها".

ويخشى الإصلاحيون بدورهم تكرار سيناريو العام 2020 حين استُبعد العديد من مرشحيهم عن خوض المعركة. وكتبت صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية أن شخصيات هذا التيار السياسي تدرك أنه "حتى لو كانت الشخصيات الإصلاحية معروفة، لن يتمّ الموافقة إلّا على ترشيحات عدد قليل منهم" من قبل مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوا.

وقررت شخصيات تعدّ قريبة من التيار الإصلاحي عدم دخول المنافسة، على غرار الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني الذي كان يرجح أن يكون المنافس الأبرز لإبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، قبل أن يتمّ إبطال ترشيحه.

في مايو، اتهم لاريجاني "تيارا" بقيادة حملة لـ"تطهير" الفضاء السياسي من خلال إقصاء كل الخصوم. ووصف النائب الإصلاحي المنتهية ولايته مسعود بزشكيان المعروف بانتقاده للسلطات، قرار إبطال ترشحه بـ"السخيف" من قبل "الذين يحاولون القضاء على الشعب من خلال إهماله".

ووصف وزير الداخلية أحمد وحيدي هذه الانتقادات بأنها "غير أخلاقية"، مؤكدا أن الحكومة "غير متورطة على الإطلاق" في إقصاء المرشحين.

وفي ظل غياب معسكر معتدل مؤثر، شابت المناقشات التشريعية حاليا "خلافات بين المحافظين، لا سيما بين البراغماتيين والراديكاليين الذين يتمتعون بنفوذ كبير داخل السلطة"، كما يؤكد أحمد زيد أبادي.

ونشبت خلافات أيضا بشأن أسس القانون الذي يشدد العقوبات على النساء اللواتي لا يلتزمن الحجاب الإلزامي واللواتي ازداد عددهن بشكل ملحوظ بعد احتجاجات العام 2022. واعتمد البرلمان هذا النص رسميا في سبتمبر لكنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد.

وفي الأول من مارس 2024، سيدلي الإيرانيون بأصواتهم أيضا لانتخاب 88 عضوا لمجلس خبراء القيادة المسؤول عن تعيين المرشد الأعلى والإشراف على عمله وإمكان إقالته.

ومن بين المرشحين لولاية جديدة في هذا المجلس، نائب رئيسه رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي وسلفه المعتدل حسن روحاني الذي أكد في تصريحات سابقة أنه يخوض "مسارا صعبا".