احتجاجات الجنوب تزيد الضغوط على العبادي

السياسيون يكافحون لتشكيل حكومة ائتلافية وقد يكون الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي فاز تكتله السياسي بأغلبية في الانتخابات، في وضع أقوى الآن للتأثير على اختيار رئيس الوزراء.

العبادي يقف عاجزا عن احتواء أسوأ توتر في جنوب العراق
إحراق مقار أحزاب يعكس سخطا شعبيا على السياسيين
تدخل عنيف للشرطة ضد المتظاهرين ينذر بتأجيج الاحتجاجات
الحل الأمني لم ينجح في دفع المتظاهرين لإنهاء الاحتجاجات
الغليان الشعبي لم يؤثر حتى الآن على إنتاج النفط لكنه ينذر بعواقب وخيمة

البصرة (العراق) - يسلط التوتر الحالي في جنوب العراق الضوء على أداء رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يسعى لولاية جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/أيار وشابتها مزاعم بالتزوير أدت إلى إعادة فرز أصوات.

ولم تفلح حزمة إجراءات أعلنها العبادي قبل أيام في احتواء الغضب الشعبي في الجنوب بل  تصاعد التوتر ليبلغ ذروته مع إحراق مكاتب لأحزاب سياسية ومحاولات لاقتحام حقول نفطية.

وتعهد العبادي في مؤتمر صحفي أسبوعي اليوم الثلاثاء بالعمل مع المحتجين لمكافحة الفساد وقال إن الحكومة ستسعى لتحسين الخدمات.

ويكافح السياسيون لتشكيل حكومة ائتلافية وقد يكون الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي فاز تكتله السياسي بأغلبية في الانتخابات، في وضع أقوى الآن للتأثير على اختيار رئيس الوزراء.

وهزم الصدر منافسيه الذين تدعمهم إيران حيث تعهد بخلق فرص عمل ومساعدة الفقراء والقضاء على الفساد.

ويعاني جنوب العراق ذو الأغلبية الشيعية من الإهمال برغم الثروة النفطية منذ حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ثم خلال فترات الحكومات التي يقودها الشيعة بما في ذلك حكومة العبادي.

واستخدمت الشرطة العراقية الهراوات والخراطيم لتفريق نحو 250 محتجا تجمعوا عند المدخل الرئيسي لحقل الزبير النفطي الضخم الثلاثاء وسط تصاعد التوتر في مدن بجنوب العراق بسبب تدهور الخدمات العامة.

ومنذ بدء الاحتجاجات قبل تسعة أيام هاجم محتجون مباني حكومية ومكاتب لأحزاب سياسية وفصائل شيعية مسلحة واقتحموا المطار الدولي في مدينة النجف.

وقال مسؤولون ومصادر في الصناعة إن الاحتجاجات لم تؤثر على الإنتاج في حقل الزبير الذي تديره شركة إيني الإيطالية وكذلك حقل الرميلة الذي تطوره شركة بي.بي وحقل غرب القرنة 2 الذي تشغله لوك أويل.

وقال بعض المحتجين إن العمال الأجانب يسلبونهم فرص العمل في شركات النفط.

وقُتل ثلاثة محتجين في اشتباكات مع الشرطة أحدهم عند حقل غرب القرنة 2 وأصيب العشرات.

وقال أحد المحتجين ويدعى عصام جبار (24 عاما) "نحن أهل البصرة نسمع حول نفط العراق وموارده الهائلة لكننا لم نستفد أبدا من مميزاته".

وأضاف "الغرباء يحصلون على وظائف محترمة في حقولنا النفطية ونحن لا نملك دفع ثمن سيكارة (سيجارة)"، مشيرا إلى أنه عاطل عن العمل.

وقال شهود إن الشرطة استخدمت الهراوات والخراطيم لضرب المتظاهرين عند بوابة حقل الزبير.

وأصيب أحد أفراد الأمن في الوجه بعدما قام المحتجون برشقهم بالحجارة. وألقت الشرطة رمالا لإخماد إطارات أضرم فيها المحتجون النار.

والعراق ثاني أكبر منتج للنفط داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية.

وتمثل صادرات النفط الخام 95 بالمئة من إيرادات الدولة وأي تعطيل في الإنتاج قد يضر بشدة الاقتصاد المتعثر بالفعل في وقت يحتاج فيه العراق لعشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار بعد حرب استمرت ثلاثة أعوام على تنظيم الدولة الإسلامية.

وقد يؤدي استمرار التوتر في الجنوب إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية. وقال مسؤول نفط عراقي في مايو/أيار إن إنتاج حقل الزبير بلغ 475 ألف برميل يوميا.

وقال مسؤول نفط كبير إن العراق صدر 3.566 ملايين برميل يوميا في المتوسط من حقوله الجنوبية في يوليو/تموز وهي مستويات تؤكد أن الاضطرابات لم تؤثر على شحنات النفط الخام من المنطقة.

ولا يبدو أن هناك أي مؤشرات على عدول المحتجين الذين يتحملون وطأة الحر الشديد، عن مطالبهم.

وعبروا عن غضبهم في البصرة، أكبر مدن الجنوب والسماوة والعمارة والناصرية والنجف وكربلاء والحلة.

وقال المتحدث العسكري العميد يحيى رسول في مؤتمر صحفي، إن قوات الأمن لن تسمح لأحد بالعبث بالأمن والنظام بالاعتداء على المنشآت العامة والخاصة والحكومية وكذلك الاقتصادية.

وتنتشر أكوام النفايات في الكثير من شوارع البصرة. وتسببت المياه الراكدة ومياه الصرف الصحي في مشكلات صحية كما أن مياه الشرب تكون ملوثة أحيانا بالطمي والأتربة في حين تنقطع الكهرباء سبع ساعات يوميا.

وقال مرتضى رحمن (22 عاما) الذي كان يفر حافيا خشية أن تعتقله الشرطة أمام حقل الزبير "أعيش في مكان غني بالنفط يدر مليارات الدولارات بينما أعمل أنا في جمع النفايات من الناس لأطعم طفلاي. أريد وظيفة بسيطة هذا طلبي الوحيد"، مضيفا أنه تعرض للضرب من الشرطة.

وقال "لن أذهب حتى لو قتلتني سأبقى هنا. أريد وظيفة".

ومع استمرار الاحتجاجات في مدينة البصرة بجنوب العراق، للمطالبة بتحسين الخدمات العامة، تباينت ردود فعل سكان مدينة الصدر معقل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ببغداد بين تأييدها والإعراب عن القلق بشأنها.

ويتهم كثيرون من سكان مدينة الصدر الحكومات العراقية المتعاقبة بعدم الوفاء بالتزاماتها نحو مدن الجنوب منذ سنوات.

وهؤلاء السكان في الأصل من المدن التي تشهد احتجاجات في جنوب العراق لليوم التاسع على التوالي.

ووصف جبار وادي من سكان مدينة الصدر هذه الاحتجاجات بأنها نهضة جديدة لشعب العراق.

وقال "المظاهرات بداية نهضة جديدة لشعب العراق العظيم الذي تحمل أعباء هذه الحكومات طيلة 15 عام حيث عشنا الأماني المتتالية من حكومات متردية. وهذه الحكومات المتردية متمثلة بأحزاب لا تمثل الواقع العراقي".

وقال شاب من ذات المنطقة يدعى مصطفى جبار إنه يؤيد الاحتجاجات تماما بشرط أن تكون سلمية.

وأضاف "نحن كشعب عراقي نؤيد المظاهرات على شرط أن تكون سلمية. وألا تتجاوز على الممتلكات العامة وقطع الطرق وأذية الناس. هذا لا يقبله الشعب العراقي لأن الشعب العراقي هو شعب سلمي يؤيد المظاهرات ولكن على شرط ألا تخرج عن سلميتها".

وعانت البصرة، مركز إنتاج النفط العراقي وغيرها من مدن الجنوب الشيعي الإهمال منذ فترة طويلة. ونُظمت احتجاجات مماثلة في الماضي.

وقال رجل من مدينة الصدر يدعى علي حسين "أريد خدمات، ما تعطيني خدماتي لا والله أطلع مظاهرات. وبنطلع مظاهرات على اللي كان. أنت اعطيني خدماتي. أزيد من خدماتي. سيخرج سكان مدينة الصدر إلى الشوارع إذا لم تكن لديهم خدمات أفضل مثل البصرة والشعلة وغيرها من المدن".

وعبر رجل آخر يدعى سعد جهاد عن قلقه وفي ذات الوقت طالب الحكومة بحلول جذرية وقال "نناشد الشيوخ العراقيين ونناشد العشائر والشعب العراقي كله يطلع مظاهرات سلمية. مثل ما قلت لك اليوم سلمية، باكر مو (غير) سلمية. وقاعد يزيد المظاهرات وما قاعد يشوف شي جديد، حلول ترقيعية".

وانتشرت الاضطرابات على نطاق واسع هذه المرة وهاجم المتظاهرون للمرة الأولى مقار الحكومة الإقليمية وحتى المباني التابعة لفصائل مسلحة شيعية قوية.

وحتى يوم الاثنين، قُتل ثلاثة متظاهرين في اشتباكات مع قوات الأمن وجُرح عشرات.

وفي تحرك نادر اقتحم محتجون المطار الدولي في مدينة النجف وعطلوا حركة الملاحة الجوية مؤقتا.

ويطالب المحتجون بوظائف وإنهاء الفساد المستشري في البلاد.

وعبر المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيستاني عن تضامنه مع المحتجين قائلا إنهم يواجهون نقصا حادا في الخدمات العامة مثل الكهرباء في حرارة الصيف الخانقة.