
اخراج اسلاميين من السجن وفرار آخرين يعزز مصداقية دقلو وتحرج البرهان
الخرطوم - أشاع إخراج قيادات في الجيش للرئيس السوداني المعزول عمر البشير وعدد من رموز نظامه من السجن وهروب قيادات اسلامية أخرى يحاكمون في العديد من القضايا منها ما يتعلق بفساد مالي ومنها ما يتعلق بالإرهاب وتشكيل وإدارة شبكة واسعة من الميليشيات خلال ثلاثة عقود من حكم الإسلاميين للسودان، فوضى عارمة في البلاد ومخاوف من أن تذكي هذه التطورات النزاع المسلح الحالي.
وتعزز هذه التطورات مصداقية قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الذي حذّر مرارا من وجود مجموعة اخوانية من بقايا نظام البشير تسيطر على الجيش وتعمل على إعادة النظام السابق، بينما تضع في المقابل قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في حرج وتضعف موقفه وتنسف الذرائع التي سوقها في تبرير المواجهة متفجير الوضع مع الدعم السريع.
كما يعتقد أن خطوة نقل البشير وقيادات اخوانية لمستشفى عسكري يراد منها استقطاب أكبر قدر ممكن من الدعم الميداني للموالين للنظام السابق وحزبه المسنود من الإسلاميين.
وكان لافتا أن هذه التطورات جاءت بعد أنباء عن إطلاق الجيش سجناء بينهم محكومون بالإعدام ومتطرفون من عناصر تنظيمي القاعدة الدولة الإسلامية (داعش) ومع عودة أنصار جماعة الاخوان المسلمين والفروع التي تتقاسم معها الايديولوجية نفسها ونهج العنف سبيلا للحكم والهيمنة.
وفي أول مؤشر على ما ينتظر السودان بعد هذه التطورات، دارت اليوم الأربعاء رحى معركة بين الجيش وقوات الدعم السريع وهي أول من حذّر من عودة فلول النظام السابق وأعوانه من التيارات الإسلامية المتفرعة عن جماعة الإخوان، على أطراف العاصمة الخرطوم في تقويض لهدنة في الصراع المستمر منذ 11 يوما والذي تخشى جماعات مدنية أن يعيد نفوذ الرئيس المخلوع عمر البشير وأنصاره.
وأذكى الجيش هذه المخاوف بتأكيده نقل البشير (79 عاما) من سجن كوبر بالخرطوم إلى مستشفى عسكري مع خمسة على الأقل من مسؤولي نظامه السابق، قبل اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان.
لكن قيادة الجيش لم يسبق لها أن أعلنت عن هذا الإجراء وتكتمت على نقل البشير وعدد من معاونيه السابقين لمستشفى عسكري، وسط تساؤلات حول هذا الإجراء وأسباب إخفائه حتى على مسؤولين كبار في الدولة التي يحكمها العسكر بعد أن استبعدوا المدنيين من الحكم في انقلاب نفذه البرهان.
وفي مطلع هذا الأسبوع تم إطلاق سراح آلاف السجناء من السجن، بمن فيهم وزير سابق في حكومة البشير مطلوب مثله من المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب.

وتطالب المحكمة الجنائية الدولية أيضا بشخص آخر على الأقل من المجموعة التي نُقلت إلى المستشفى.
وتسببت الضربات الجوية والمدفعية في مقتل 512 شخصا على الأقل وإصابة نحو 4200 آخرين وتدمير مستشفيات والحد من توزيع المواد الغذائية في الدولة الشاسعة التي يعتمد ثلث سكانها البالغ عددهم 46 مليون نسمة بالفعل على المساعدات الإنسانية.
وقال البيت الأبيض إن أميركيا ثانيا لقي حتفه هناك، بينما وصف أجانب يفرون من الخرطوم الوضع هناك قائلين إن الجثث تتناثر في الشوارع والمباني تحترق وثمة مناطق سكنية تحولت إلى ساحات قتال بالإضافة إلى شبان يتجولون بأسلحة بيضاء كبيرة.
وقال ثاناسيس باجولاتوس وهو يوناني (80 عاما)، مالك فندق أكروبول في الخرطوم، بعد وصوله إلى ذويه في أثينا "كان الأمر مروعا"، مضيفا "أكثر من عشرة أيام دون كهرباء ودون ماء وخمسة أيام تقريبا دون طعام"، وقدم وصفا لإطلاق النار والقصف. وقال "حقا الشعب يعاني".
وقالت منظمة الصحة العالمية إن 16 بالمئة فقط من المرافق الصحية تعمل في الخرطوم وتوقعت سقوط "وفيات عديدة أخرى" بسبب الأمراض ونقص الغذاء والماء والخدمات الطبية ومن بينها التطعيم.
وانتهى عهد البشير الذي دام ثلاثة عقود بانتفاضة شعبية قبل أربعة أعوام. وأودع الرئيس المعزول السجن باتهامات تتعلق بانقلاب 1989 الذي صعد به إلى السلطة وتخلل وجوده في السجن فترات قضاها في المستشفى.
وقالت قوى الحرية والتغيير وهي جماعة سياسية تقود خطة مدعومة دوليا لانتقال السودان إلى الحكم المدني "هذه الحرب التي أشعلها ويتكسب منها النظام البائد ستقود البلاد إلى الانهيار".
وخرجت الخطة عن مسارها بسبب اندلاع القتال بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وفوتت قيادة الجيش السوداني وقوى الحرية والتغيير الموعد النهائي الذي كان محددا في أبريل/نيسان لبدء الانتقال إلى الديمقراطية بسبب الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
ووجهت جماعات مدنية الاتهام لجماعات موالية للبشير بأنها تستغل الصراع لتشق طريقا للعودة إلى السلطة، في الوقت الذي كان قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو يقود جهودا على أكثر من جبهة لتعزيز الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة مضطربة أو تعاني من مشاكل صراعات قبلية أو من غياب إدارة حكومية.

وتعارض قوات الدعم بشدة الإسلاميين الذين دعموا الرئيس السلطوي السابق في الجيش.
وقالت قوى الحرية والتغيير في بيانها إن القتال "لن يحل القضايا الرئيسية التي كانت الأطراف المدنية والعسكرية تحاول حلها من خلال العملية السياسية وبخاصة الإصلاحات الأمنية والعسكرية التي تقود إلى جيش موحد محترف".
وفي الخرطوم التي تمثل مع مدينتي أم درمان وبحري المجاورتين واحدة من أكبر المناطق الحضرية في أفريقيا، أدى إطلاق سراح السجناء إلى زيادة الشعور بانعدام القانون. وتحدث السكان عن تفاقم انعدام الأمن مع انتشار أعمال السلب والنهب والعصابات.
وأجلت بعض الدول آلاف الدبلوماسيين والمواطنين في الأيام القليلة الماضية. كما غادر سودانيون مع مواطني الدول المجاورة بأعداد كبيرة. وقالت السلطات المصرية إن أكثر من عشرة آلاف شخص عبروا حدود البلاد من السودان في الأيام الخمسة الماضية، كما دخل تشاد ما يقدر بنحو 20 ألف شخص. وفر آخرون إلى جنوب السودان وإثيوبيا على الرغم من الظروف الصعبة هناك.
وقال مراسل لرويترز إن تجدد المعارك اليوم الأربعاء حدث معظمه في أم درمان، إحدى المدينتين التوأم للخرطوم حيث تصدى الجيش لتعزيزات قوات الدعم السريع التي جاءت من مناطق أخرى في السودان
واتفق الجيش وقوات الدعم السريع على هدنة لمدة ثلاثة أيام، تنتهي في وقت متأخر غدا الخميس بعد ضغوط دبلوماسية من الولايات المتحدة والسعودية.
وقال الاتحاد الأفريقي إنه وأطراف خارجية أخرى يضغطون على الجانبين في السودان من أجل وقف دائم لإطلاق النار. وقال مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي بانكول أديوي للصحفيين "هناك بالطبع خطر حقيقي من اشتعال المنطقة بهذه الأزمة وتدويل الصراع بشكل من الأشكال".
وأضاف "نحن الاتحاد الأفريقي لن نتسامح مع حرب بالوكالة في المنطقة الشرقية من قارتنا الأفريقية"، بينما تسلم البرهان اليوم الأربعاء مبادرة المنظمة الحكومية للتنمية (إيغاد) التي تمخض عنها اجتماع عقد في وقت سابق بين رؤساء دول المنظمة، وتقرر فيه تكليف رؤساء كل من جنوب السودان وكينيا وجيبوتي بالعمل على مقترحات حلول للأزمة الحالية في السودان.
وتولى الجيش بقيادة البرهان زمام الأمور في انقلاب بعد عامين من الإطاحة بالبشير عام 2019، انتقده قائد قوات الدعم السريع واعتبره خطأ.
واتهمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي البشير بارتكاب إبادة جماعية، كما اتهمت هارون بتنظيم ميليشيات لمهاجمة المدنيين في دارفور في عامي 2003 و2004. ورفضت المحكمة الجنائية الدولية التعليق على نقل البشير وهارون وحسين من السجن.