استدراج أطفال عبر الإنترنت يحث التونسيين على التثقيف الجنسي

مختصون في علمي الاجتماع والنفس يدعون إلى ضرورة البحث في سبل التوقي من السلوكيات الإجرامية التي تستهدف الأطفال في الفضاء الافتراضي.

تونس - هزت مؤخرا حادثة استدراج كهل لقُصر عبر شبكة الإنترنت والتغرير بهم وابتزازهم جنسيا، الرأي العام في تونس وأثارت سخطا وجدلا واسعا تركّز بالخصوص حول أسباب تفشي هذه السلوكيات الإجرامية التي تستهدف الأطفال في الفضاء الافتراضي والبحث في سبل التوقي منها لحمايتهم من كل المخاطر السيبرانية.

وعزا العديد من المختصين سبب تنامي وقوع الأطفال ضحايا لعمليات التصيد الإلكتروني والاستغلال الجنسي بالخصوص، إلى تراجع الدور الإرشادي والرقابي للأسرة مقابل الاستعمال المفرط وغير الآمن للإنترنت، بالإضافة إلى انعدام التربية على الثقافة الجنسية لدى الأطفال، داعين في هذا الصدد إلى ضرورة تأمين الآليات اللازمة لتوفير إبحار آمن للطفل على الشبكة العنكبوتية، وإدراج التربية على الصحة الجنسية ضمن البرامج التربوية للناشئة.

وانتقد الأخصائي في علم الاجتماع ورئيس جمعية "أولادنا" رضوان الفارسي، تخلّي الأسرة عن دورها الرقابي والتوجيهي لأبنائها عموما، واستقالتها بالخصوص عن واجبها التأطيري لحمايتهم من مخاطر الفضاء السيبراني، قائلا إن "الأطفال الذين تربّيهم الشاشات يقعون حتما ضحاياها".

ولفت الفارسي في حديثه لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) إلى أنه "لا حدود للفضاء الإلكتروني الذي يقتحم منازلنا دون استئذان ويبث محتويات متنوعة لا تتناسب مع كل الأعمار، ومواقع تواصل اجتماعي يوفر جلّها الاتصال المباشر والتفاعلي للجميع".

وشدد على أن تأمين الأولياء للرقابة القبلية لإبحار أبنائهم على الإنترنت يجنبهم الوقوع ضحية لعديد المخاطر، ومن أبرزها الاستغلال والاستدراج والتحرش الإلكتروني.

ودعا الأخصائي الأولياء إلى توعية أبنائهم بمخاطر الفضاء السيبراني وبالتحدث إليهم والاستماع إلى مشاغلهم لنيل ثقتهم وتحصينهم ضد كل الغرباء ممن يتسلل إليهم عبر الشبكة العنكبوتية، بغرض التلاعب بأفكارهم واستغلالهم واستدراجهم.

وأوصى بطرح موضوع الصحة الجنسية مع الأطفال وعدم الإبقاء عليه كموضوع مسكوت عنه، من أجل حمايتهم من كل محاولات الاستغلال الجنسي، وحثهم على مصارحة أوليائهم بما يمكن أن يتعرضوا له من مشاكل للتوصل إلى حلها قبل تفاقمها.

واعتبر المختص أن غياب النوادي التربوية والثقافية من أبرز الأسباب التي تفسر لجوء الأطفال إلى مواقع التواصل الاجتماعي والاستعمال المفرط للإنترنت، مبينا أن الطفل الذي يقضي أغلب وقته في المدرسة في حاجة إلى مجال للتعبير سواء في المسرح أو الموسيقى أو غيرها من الأنشطة الترفيهية.

وقالت ليليا التليلي، الأخصائية في علم النفس السريري بالتطبيقة التونسية الإلكترونية "أحكيلي" في مجال المعالجة النفسية، إن التربية الجنسية ضرورية في الوسطين العائلي والتربوي على حد السواء وزادت أهمية ترسيخها مع الانتشار الواسع لاستخدام الإنترنت في صفوف الأطفال والشباب، لتحصينهم من جرائم العنف الجنسي السيبراني.

وأفادت الأخصائية بأن المتهم في الحادثة الأخيرة المتعلقة باستدراج قُصر عبر شبكة الإنترنت والتغرير بهم وتهديدهم، يصُنّف، حسب الدلائل العلمية لتشخيص الأمراض النفسية والعقلية، مصابا بنوع من أنواع الاضطرابات الجنسية أو ما يعرف بالـ"بيدوفيليا"، أي انجذاب الكهل جنسيا لأطفال أو يافعين لم يصلوا بعد إلى مرحلة البلوغ.

وأوضحت أن هذا الاضطراب الجنسي ولئن يفسّر بالصبغة المرضية، إلا أنه يعد ممارسة إجرامية بما يتسبب فيه من أذى للأطفال الضحايا، مذكرة بأن القوانين الدولية والمحلية تُجرّم مثل هذه الاضطرابات التي تُشكل خطرا جسيما على نفسية الأطفال وحرمتهم الجسدية، وتخلّف أضرارا نفسية عميقة وتأثيرات عاطفية واجتماعية خطيرة.

وتختلف تأثيرات هذا الاضطراب الجنسي حسب عمر الضحية، فكلما كان الطفل صغيرا في السن، كلما زادت الانعكاسات السلبية على نفسيته، حسب ما بينته الأخصائية، مشيرة إلى أنه يمكن أن يُعيد الأطفال المتعرضون للاستغلال الجنسي إنتاج هذا السلوك المرضي على المدى الطويل.

وبينت أن التربية على الصحة الجنسية تساهم في حماية الأطفال من التعرض للتحرش والاعتداء الجنسي، حيث تتيح للطفل اكتشاف جسده وتكسبه الخبرة الكافية لمنع أي محاولة للتعدي عليه أو التغرير به، مبرزة أهمية تأطير الأطفال من قبل المربين وتقديم النصائح لهم من الأولياء.

وشددت على ضرورة ألا يتم تحسيس الأطفال بالذنب عند وقوعهم في شباك المتحرشين مع الحرص على احتوائهم نفسيا وتصديق رواياتهم حول ما تعرضوا له من اعتداء، من أجل تأمين التدخل اللازم والسريع.

وأبرز رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ رضا الزهروني لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، ضرورة إدراج مادة التربية الجنسية ضمن المناهج التربوية وتكوين الإطار التربوي في هذا المجال لحماية الأطفال من مثل هذه الظواهر وإعلاء مصلحة الطفل الفضلى.

وأوضح أن إدراج التربية الجنسية ضمن المناهج التربوية من خلال استعمال معجم اصطلاحي خاص يتلاءم مع الفئة العمرية للأطفال، يهدف إلى التوعية بقيمة الجسد والتعرف عليه وكيفية حماية الطفل من التحرش الجنسي.

ودعا إلى وضع استراتيجية وطنية تشمل كل الجوانب الوقائية والرقابية والعلاجية لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، وتنظيم حملات تحسيسية للغرض من قبل الوزارات المتدخلة على غرار وزارتي الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والتربية.

واستعرض مخاطر الفضاء الافتراضي على الأطفال خاصة مع تطور التكنولوجيا والاستعمالات السيئة للذكاء الاصطناعي، مشددا على ضرورة حرص الأولياء على مراقبة استعمال أطفالهم لشبكة الإنترنت عبر هواتفهم الذكية قصد تأمين عملية السلامة الرقمية والتدخل السريع عند وقوع الحادثة.

يشار إلى وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أعلنت مؤخرا عن إطلاق حملة اتصالية للتوقي من المخاطر السيبرانية على الأطفال، سيتم تنفيذها عن طريق المركز الوطني للإعلامية الموجّهة للطفّل، وذلك تزامنا مع القضّية المتعلّقة بشبهة إقدام كهل مشتبه به باستدراج أطفال قصّر عبر شبكة الإنترنت والتغرير بهم وإغوائهم.

وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي محادثات وتسجيلات صوتية، لكهل وهو يستدرج طفلين مجبرا إيّاهما على تصوير جسميهما في وضعيات مخلّة بالآداب ليقوم بعد ذلك بابتزازهما وتهديدهما بنشر صورهما على الصفحات الاجتماعية، ما أثار ضجة كبرى لدى الأولياء.