استنفار كروي أوروبي أمام غول مالي سعودي يخطف الأخضر واليابس
باريس - بين إشادة البعض بالقيم، والتردّد في اتخاذ قرار استناداً إلى مستوى المنافسة أو اختيار أندية محبّبة، شهدت القوة المالية لكرة القدم السعودية تحفّظات كثيرة قبيل إغلاق فترة الانتقالات في البلاد الخميس بذريعة ان دوري المملكة يستقوي على الساحة الرياضية بالمال.
واصبحت بطولة المملكة الخليجية الغنية بالنفط مقصداً للاعبين من البطولات الأوروبية الكبرى، لم يتوقعوا أنهاء مسيراتهم الزاخرة في الدولة المصنفة 54 عالمياً بحسب الاتحاد الدولي (فيفا).
ولا تخفي اوساط كرة القدم الاوروبية مخاوفها من قوة مالية جديدة على الساحة تهدد في نظر البعض كرة القدم المحلية.
قال لاعب وسط منتخب إسبانيا رودري إن كرة القدم الاوروبية "تخسر" جراء رحيل العديد من النجوم إلى الدوري السعودي بصفقات مغرية الصيف الحالي.
قال لاعب نادي مانشستر سيتي الإنكليزي بطل أوروبا، الخميس في مؤتمر صحافي عشية مواجهة إسبانيا مع مضيفتها جورجيا في تصفيات كأس أوروبا 2024 "من المعقّد اجراء تحليل. من الواضح ان كرة القدم الأوروبية تخسر في هذه الحالة".
أقرّ اللاعب الذي تألق الموسم الماضي في مشوار سيتي نحو ثلاثية نادرة، ان صفقات الاندية السعودية "مفهومة تماماً بسبب المبالغ المنفقة".
أردف لاعب الوسط الدفاعي "علينا بطريقة أو بأخرى السيطرة على استنزاف المواهب، لانه في بداية الأمر ظهر وكأن اللاعبين المتقدمين في السن هم الذين يغادرون، لكن الآن هناك أيضاً الشبان".
شرح "يجب اتخاذ جميع التدابير الممكنة للسيطرة على هذا الوضع".
وخسر سيتي الجزائري رياض محرز المنتقل إلى الأهلي والمدافع الإسباني أيمريك لابورت إلى النصر. وضمّت الأندية الأربعة الكبرى أسماء رنانة، على غرار البرازيلي نيمار (الهلال)، الفرنسي كريم بنزيمة (الاتحاد)، السنغالي ساديو مانيه (النصر) وذلك بعد قدوم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى النصر في كانون الثاني/يناير.
مساعي الرياض لصناعة بطولة نجوم تثير ايضا مخاوف كبار المدربين في أوروبا، اذ يقول الإسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي الانكليزي بطل أوروبا إن الدوري السعودي "غيّر السوق تماما"، متوقعا انتقال "المزيد والمزيد" من اللاعبين.
وبداية الاسبوع ضجّت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بـ"قصة جميلة": عودة المدافع الإسباني المخضرم سيرخيو راموس إلى نادي إشبيلية بعد 18 عاماً من رحيله عنه.
وبحسب صحيفة "موندو ديبورتيفو"، فإن راموس رفض عروضاً ضخمة مقدمة من غلطة سراي التركي، ونادي الاتحاد السعودي حيث يلعب المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة، وقبل بتخفيض راتبه بنسبة 90 في المئة.
أوضح المدافع الذي بات حراً من باريس سان جرمان الفرنسي مع بداية الصيف، أنه كان لديه "دَين" عليه سداده لـ"جدّه" و"عائلته" و"أنصار إشبيلية"، ما يشير إلى أن راموس فضّل خيار القلب على المال.
يجب اتخاذ جميع التدابير الممكنة للسيطرة على هذا الوضع
سواء من باب التقدير أو من دون التطرق للمستقبل، لم يتجرأ سوى عدد قليل من اللاعبين على انتقاد السعوديين، على غرار الألماني توني كروس.
فاعترض لاعب خط الوسط ريال مدريد الإسباني في حديث لمجلة "سبورتس إيلاسترايتد"، على قرار أولئك الذين يغادرون إلى السعودية "في منتصف مسيرتهم، من الذين لديهم الجودة للعب لأندية رفيعة المستوى في أوروبا".
وبالنسبة لبطل العالم 2014، فإن مستوى البطولة السعودية غير متجانس إلى حد كبير، بحيث لا يمكن استخدام الحجة الرياضية: "يقولون إنهم يلعبون كرة قدم طموحة فيما يكون المال فقط هو المهم. في النهاية، هو قرار من أجل المال وضد كرة القدم".
وتعرّض جوردان هندرسون القائد السابق لليفربول الإنكليزي الذي انتقل أخيراً إلى الاتفاق السعودي، إلى انتقادات من ناشطين من مجتمع الميم.
فوفقاً لهؤلاء، خان هندرسون التقدّمية التي أظهرها دائماً، من خلال انتقاله إلى بلد يجرم المثلية الجنسية.
واضطر الإنكليزي للتوضيح قائلاً في حديث مع "ذي أتلتيك" إنه "لم تكن نيتي أبداً إيذاء أي شخص".
عاصفة في إيطاليا
ومثله، انضم البرازيليان فابينيو وروبرتو فيرمينو إلى ناديين سعوديين، لكن ليس هداف الـ"ريدز" المصري محمد صلاح.
وذكرت الصحافة الإنكليزية أن ليفربول رفضاً عرضاً من نادي الاتحاد بقيمة تصل إلى 175 مليون يورو، مقابل انتقال صلاح.
لكن وكيل أعمال المهاجم المصري أصرّ أيضاً على أن ذلك كان اختياره، وأنه لم يمدّد عقده الصيف الماضي مع النادي الإنكليزي (حتى عام 2025) كي يغادر بعد عام.
وأضاف زميله المجري دومينيك سوبوسلاي بعد الفوز بثلاثية نظيفة على أستون فيلا الأحد في مباراة سجّل فيها صلاح هدفاً "إنه يريد البقاء، يريد أن يكون هنا معنا".
وأبدى المدرب الألماني لليفربول يورغن كلوب أخيرًا قلقه حيال قوة الجذب في المملكة الخليجية، قائلاً "ماذا يمكننا أن نفعل؟ أن نقول لا؟ يمكننا أن نقول ذلك، ولكن هناك فرق بين العقود هنا والعقود هناك. إنها كبيرة جداً، وتطرح مشاكل بالتأكيد".
ويتطرّق المدربون أحياناً بشكل مباشر للمعضلة. ذلك أن الإيطالي كلاوديو رانييري مدرب كالياري، لم ينتق كلماته للتنديد برحيل روبرتو مانشيني عن منتخب الـ"أتزوري" لتدريب "الأخضر السعودي"، فقال "المملكة العربية السعودية؟ لم أكن لأذهب إلى هناك، لا يمكننا نجعل المال حافزاً وحيداً".
وبعد استقالته المفاجئة في 13 آب/أغسطس الماضي، جراء مشاكل في علاقته مع رئيس الاتحاد، وقع مانشيني عقداً مذهلاً مع الاتحاد السعودي لكرة القدم، يضمن له راتباً سنوياً قدره 20 مليون يورو حتى العام 2027.
وأثارت قضية مانشيني، بطل أوروبا 2021، عاصفة في إيطاليا. واحتج أحد المحررين في صحيفة "لا غازيتا ديلو سبورت" قائلا: "يحدث (أن ترفض) عندما تضع قميص المنتخب فوق كل شيء، عندما تختار تمثيل بلدك، عندما يصطف الأطفال لشراء قمصان باسمك... ويحدث ذلك أيضاً لأن مبلغاً من المال لا تساوي قيمته ثقة ملايين الإيطاليين".
واستحوذ صندوق الاستثمارات العامة، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم بأصول تتجاوز 620 مليار دولار، على أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي بنسبة 75 %، فيما أشارت تقارير إلى ان الانفاق الرياضي بلغ 6 مليار دولار منذ 2021 أي أكثر من أربعة اضعاف الفترة بين 2014 و2021.
والاستثمار الذي يواكب خطة انفتاح اجتماعي واقتصادي طموحة انطلقت مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017، لا يأتي من فراغ اذ يستند على ما يعتبره متابعون اقوى دوري في الشرق الاوسط من حيث الجودة الفنية والتعاقدات والتحكيم والمتابعة والنقل التلفزيوني والرعاية.
وأكد مدير تحرير صحيفة "الرياضية" مقبل الزبني أن السعودية ترغب في "تغيير بوصلة كرة القدم التنافسية العالمية إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية".
وأشار إلى أن الهدف هو أن تكون "الكرة السعودية موجودة ومنافسة في المحافل الدولية" ككأس العالم حيث تأهلت السعودية مرّة وحيدة للدور الثاني من ست مشاركات.