اقتحام البرلمانات العربية وظاهرة الشغب المتفشي

تعبر الظاهرة عن أزمة ثقة بين الشعب والطبقة الحاكمة وعن خيبة أمل في النواب الذين بات أغلبهم يدافع عن مصالحه لا عن مصالح ناخبيه.
تونس

بعض الشعوب العربية عندما تغضب تندفع بعنف لاقتحام مقار البرلمان، وهي ظاهرة أثارت تساؤلات الفاعلين السياسيين والدارسين الأكاديميين عن سبب التفكير في اقتحام البرلمان كتعبير عن السخط على الطبقة السياسية والحال أنه (البرلمان) يُعتبر أقرب مؤسسة سيادية تمثل سلطة الشعب وتعبر عن إرادته.
وفي ظرف شهر واحد فقط تم اقتحام برلمانيْن عربييْن إثنين وهما البرلمان الليبي والبرلمان العراقي حيث اقتحم أنصار التيار الصدري البرلمان العراقي، للمرة الثانية خلال أيام، وأعلنوا نيتهم البقاء داخله، وسط تحذيرات من مغبة السماح لعناصر تابعة لجهات خارجية من استهداف المتظاهرين لإشعال الفتنة.
واقتحم متظاهرون مطلع الشهر الجاري مقر مجلس النواب الليبي في طبرق شرق البلاد، وعبثوا بمحتوياته، وأضرموا النيران بداخله، احتجاجا على سوء الأحوال المعيشية.
ذكرت قناة فبراير الليبية أن أهالي طبرق هدموا مقر مجلس النواب باستخدام الشاحنات والمعدات الثقيلة.
ووصف المتظاهرون أعضاء مجلس النواب الليبي بأنهم سبب من أسباب الفساد في البلاد.

أمير الكويت يصف اقتحام مجلس الأمة  في 2011 باليوم الأسود في تاريخ البلاد

وقبلها في بيروت حاول محتجون في أغسطس/ آب المنقضي اقتحام مبنى مجلس النواب اللبناني بعد تسلق بوابات وأسوار المجلس النيابي وفك الأسلاك الشائكة التي تحيطه في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت.، فيما ردت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة وفتحت خراطيم المياه لتفريق المحتجين.
وقبلها في تونس، تكررت محاولات اقتحام مقر مجلس النواب زمن النهضة عندما احتج معطلون عن العمل على تهميش النخبة السياسية لمطالبهم.
وحتى بعد تجميد عمل البرلمان حاول محتجون على تدابير الرئيس التونسي قيس سعيّد الاستثنائية اقتحام البرلمان.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 إذ اقتحم المئات مجلس الأمة الكويتي ودخلوا إلى القاعة البرلمانية وقاموا بمصادرة "مطرقة" رئيس مجلس الأمة آنذاك الموالي للحكومة جاسم الخرافي. 
وأدت عملية الاقتحام إلى حالة من الصدمة في الكويت، إذ كانت هذه الطريقة الاحتجاجية جديدة على المشهد السياسي في البلاد، وأثارت وقتها مخاوف من امتداد الانتفاضات العربية إليها. 
ووصف أمير البلاد ما حدث بـ"اليوم الأسود" في تاريخ الكويت.
وفي تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" يفسر الناشط السياسي سرحان الناصري الظاهرة بانعدام الثقة بين الشعب والطبقة السياسية الحاكمة، موضحا أن "ما حصل في تونس مثلا خلق أزمة ثقة بين أفراد من الشعب وحركة النهضة التي حكمت البلاد طيلة عقد من الزمن بسبب تنكرها لوعودها الانتخابية وتكريس مبدأ تقاسم الغنيمة مع المقربين منها".
وردا على سؤال إذا كان الأمر كذلك لماذا لا يقتحم المحتجون مقر الحزب الحاكم مثلا بدل اقتحام البرلمان، قال الناصري إن النظام الذي كرسته حركة النهضة في دستور 2014 أنشأ دكتاتورية برلمانية، لذلك يرى الغاضبون أن القرارات الكبرى يتخذها البرلمان ويحمّلونه مسؤولية وضعياتهم البائسة".
وشهد البرلمان التونسي توترا سلوكيا بالغا في العلاقة بين النواب إلى درجة أن بعض المتابعين يقولون إن أخلاقيات العمل السياسي تعيش أزمة حادة في البرلمان التونسي.
ويقول الباحث في علم الاجتماع طلال الطرابلسي لـ"ميدل إيست اونلاين" إنه يمكن تفسير الظاهرة بالعودة إلى مقاربة عالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون المضمّنة في كتابه الشهير "سيكولوجية الجماهير" عندما سعى لتفكيك فوضى الجمهور في المجال العربي.

بعض السياسيين يحثون الأفراد على ممارسة الشغب والتطاول على المؤسسات السيادية خاصة البرلمان واصفين التحرك بالعمل البطولي في محاولة لدغدغة مشاعر المحتجين

ويوضح الطرابلسي مقاربة لوبون بالقول إن "الجمهور يتدرج على إيقاع التوهيم الإيديولوجي والديني والسياسي نحو نمط من العبودية المختارة، والهدامة. وهو ما يؤكد توافر خصائص محرّكة للجماهير، من بينها سرعة الانفعال والتأثر والتعصب واللاوعي في التحرك".
وغالبا ما تتم عمليات الاقتحام عن طريق مجموعة متجانسة تتحرك بشكل شبه آلي. وهو ما يحيلنا على نظرية "الحشد" التي وضع أصولها عالم النفس الاجتماعي، الفرنسي غابرييل تارد الذي قال إن الوعي الفردي يضمحل أمام نشوء وعي جمعي يسيطر على المجموعة المتشاركة في إتيان فعل ما، فتتصرف تلك المجموعة ككتلة واحدة. 
ويرى بعض الباحثين أن هذه المقاربة يمكن إسقاطها على فترة الانتفاضات العربية التي وقعت تحت تأثير عوامل وجهات معينة لإتيان تصرف محدد.
وهو ما يشير إليه لوبون عندما قال إن "الجمهور" لا يمكنه التحرك دون قيادة أو "سيد" كما يسميه. إضافة إلى أن الجمهور "لا يمكن إقناعه بالوسائل العقلية إذ تغلب الانطباعية والحماسة على تصرفاته مع وجود عامل تبادل الوهم السياسي والديني بين القاعدة ورأسها". 
ويقول الطرابلسي لئن شكلت مسألة اقتحام مراكز سيادية على غرار البرلمان عبثا في السلوك الاجتماعي للأفراد، فإنها تعكس تعبيرا عن خيبة أمل في المؤسسة في حد ذاتها.
وأضاف أن "البرلمان هو بالأساس فضاء ديمقراطي لإدارة النقاش العمومي بين جميع الشركاء في الوطن الواحد، ويدير هذا النقاش نواب اختارهم الأفراد لتمثيلهم والتعبير عن آرائهم. وفجأة تحصل عملية خيانة مؤتمن إذ يتحول بعض النواب إلى مدافعين عن مصالحهم الشخصية لا عن مصالح الناخبين. ومن هنا تنشأ أزمة الثقة التي تتحول بعد التراكم إلى سخط يعبر عنه الأفراد بالاقتحام لإيقاف عملية التلاعب به ومغالطته ولنسف المؤسسة برمتها إذا لزم الأمر"
ويستشهد الطرابلسي بفكرة لوبون التي يقول فيها إن المتخيّل الجمهور تحكمه ثنائية متناقضة وهي الهدم والبناء.
ويقول إن الغريب أحيانا أن بعض السياسيين يحثون الأفراد على ممارسة الشغب والتطاول على المؤسسات السيادية خاصة البرلمان واصفين التحرك بـ"العمل البطولي" في محاولة لدغدغة مشاعر المحتجين.
ويتساءل الطرابلسي إذا كانت تلك الظاهرة المرتكزة على الضمير الجمعي الغائب تقريبا عن الفضاء الغربي على اعتبار أن الأفراد هناك مدركون لحقوقهم وواجباتهم تحت راية العقد الاجتماعي، وتجاوزوا حقبة الجماهير ليدخلوا حقبة الفاعل الرقمي حيث تعززت الفردانية بشكل كبير، فلماذا اقتحمت جماهير غفيرة في كانون الثاني/ يناير 2021 مقر الكونغرس الأميركي؟
واقتحم الآلاف من أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته آنذاك دونالد ترامب مقر الكرنغرس أثناء جلسة التصديق على فوز المرشح الرئاسي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة.
وتمثل حادثة اقتحام الكابيتول منطلقا لعديد المعلقين ليؤكدوا أن ظاهرة اقتحام البرلمانات يمكن أن تحدث في الغرب الديمقراطي أيضا ولا تقتصر على المنطقة العربية.