الإسلاموية لمواجهة الإسلاموفوبيا والدائرة المفرغة

باحثون يعتقدون أن الإسلاموفوبيا المعاصرة تنامت بفضل استراتيجيات الثورة الإيرانية ثم توسعت في أوروبا عبر "المشروع الكبير" للإخوان المسلمين.
الإسلاموفوبيا في خدمة الأحزاب والجماعات الدينية المتشددة
تونس

يعتقد باحثون أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام تقابلها ظاهرة الإسلاموية القائمة بالأساس على حساسية بالغة من المسلمين إزاء كل من يتحدث عن الإسلام ورموزه بشكل يرونه معاديا لدينهم حتى لو كان الحديث علميا أو في إطار بحث أكاديمي. فمعاداة الإسلام من جهة والمبالغة في الدفاع عنه ولدت ظاهرة مركبة جعلت الطرفين في حالة مستمرة من القلق والتحفز والتخوين المتبادل.
وانطلقت ضجة كبرى في الهند وخارجها في اليومين الأخيرين بسبب تصريحات أطلقها مسؤولان هنديان اعتُبرت مسيئة للنبي محمد. وتصدر وسم "إلا رسول الله يا مودي" تويتر وتناقله رواد الموقع في مصر والسعودية ودول عربية أخرى احتجاجا على تصريحات المتحدث الرسمي باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وطالبت دول مسلمة الحكومة الهندية بالاعتذار عن "الإساءة" للنبي محمد.
ويرى علماء اجتماع ومختصون في اللسانيات أن الإسلاموفوبيا ازدهرت كمفهوم مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بعد أن روجت مرجعيات دينية شيعية محافظة لفرضِ ارتداء الحجاب. فوُصم بمعاداة الإسلام أو الإسلاموفوبيا كل من يعارض فرض الحجاب في الأماكن العامة، خاصة النساء الرافضات ارتداء الحجاب لدوافع ثقافية أو اجتماعية.
ويعتقد باحثون أن الثورة الإيرانية هي من روجت لفكرة لعن الغرب لتحيي بذلك سجال الحروب الصليبية في العصور الغابرة، ولتحفز  السنة على منافستهم بحمل نفس الشعار عبر مشروع "الصحوة". 
وتنامت الظاهرة بعد أحداث الـ11 من سبتمبر 2011 التي وقعت في الولايات المتحدة وتبناها تنظيم القاعدة. الأمر الذي زاد في توسيع الهوة بين المسلمين وغير المسلمين في الغرب، وجميعهم يتقاسم شعور الخوف من الاستهداف من الآخر.
 


الجماعات والأحزاب الدينية تتغذى هي الأخرى من الإسلاموفوبيا لغايات أيديولوجية وانتخابية
 

وانتقدت الباحثة ألفة يوسف في تدوينة على صفحتها الرسمية على فايسبوك نشرتها في شباط/ فبراير 2015 ، صمت آلاف المسلمين عمّا سمته "الدمار الذي يقوم به الإرهابيون في العراق والشام ونيجيريا، مقابل احتجاجهم على رسوم شارلي ايبدو التي رأت فيها  رسوما لا تمثل إلا خيال صاحبها".
وفي السابع من يناير 2015 قُتل 12 شخصا وجُرح 11 آخرون في هجوم مسلح نفذه ملثمون على مقر صحيفة شارلي أيبدو الساخرة في باريس ردا على نشر الصحيفة رسوما كاريكاتورية ساخرة عن النبي محمد اعتبرها شق واسع من المسلمين إساءة للإسلام ولرسوله.
وتساءل وقتها مفكرون فرنسيون لماذا المسلمون فقط هم من يردون بعنف والحال أن الصحيفة كانت قد نشرت في مناسبات عديدة مقالات ورسوما ساخرة عن اليمين المتطرف واليهودية والكاثوليكية.
والمفارقة أن الظاهرة لا نجدها في الدول الغربية أو غير المسلمة فقط بل حتى في الدول التي تدين بالإسلام. ففي تونس مثلا تُتهم الطبقة الحداثية بالإسلاموفوبيا ويمارس المحافظون والمتشددون دينيا أعمال تمييز وعنف ضدها كتلك التي حدثت إبان عرض قناة نسمة التلفزيونية في 2011 شريطا كرتونيا عن الرسول محمد بعنوان بيرسي بوليس، اعتبره السلفيون مسيئا للإسلام ورفعوا شعار "الإسلام في خطر".
وأشار بعض السياسيين والناشطين وقتها إلى أن العملية كانت ممنهجة لصالح حركة النهضة الإسلامية لغرس شعور الخوف على الإسلام من عموم التونسيين ويهبوا للتصويت للنهضة التي تقدم نفسها على أنها راعية الدين في تونس، لا سيما وأن الحادثة جدت أياما قليلة قبل الانتخابات التشريعية 2011 التي حققت فيها النهضة فوزا ساحقا.
 

القرضاوي غذى الإسلاموفوبيا عبر الترويج لفكرة الغيتو الإسلامي في الغرب

لذلك تقول الباحثة في العلوم الاجتماعية رجاء بن سلامة في حديث خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" إنه "فضلا عن عامل الضمير الجمعي الذي يحول الحشود إلى كتلة واحدة تتصرف بنفس الطريقة بناء على موروثات وميكاميزمات اجتماعية ونفسية متداولة من جيل إلى آخر، فإن الأمر لا يخلو من توظيف سياسي. سواء أتعلق الأمر بالإسلاموفوبيا في حد ذاتها أم برد فعل المسلمين الذي غالبا ما يكون عنيفا".
وهو رأي يتفق معه الباحث وليد الزيدي مضيفا أن "أكبر استثمار للإسلاموفوبيا مارسه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين انطلاقا من مفهوم "العزلة" الذي أسسه الداعية المصري يوسف القرضاوي"، في إشارة إلى العرب والمسلمين الذين يعيشون على الهامش في الدول الغربية. 
ويشير الزيدي إلى حديث القرضاوي عن فكرة الغيتو الإسلامي على غرار الغيتو اليهودي حتى "يتمكن المسلمون من الحفاظ على خصوصياتهم الدينية والثقافية"، وبالتالي انتهاج سلوك عنيف إزاء كل من يحاول اختراق تلك الخصوصيات. وهذا في رأيه "أكبر تنظير للإسلاموفوبيا".
ويتماهى هذا الطرح مع ما أثبته الباحثان الفرنسيان ألكسندر فال وإيمانويل رازفي في كتابهما "المشروع: استراتيجية الفتح والتسلل للإخوان المسلمين في فرنسا وحول العالم" الصادر سنة 2019. وتعرض الباحثان إلى فكرة أن سياسة الانطواء الإسلامي تأتي في سياق نظرية المشروع الكبير الذي نظّر له تنظيم الإخوان المسلمين، ويعمل على تطبيقه في أوروبا وأميركا منذ عقود.
ورغم نفي التنظيم علاقته بالمشروع المذكور، فإن الوثيقة السرية التي حصلت عليها الشرطة السويسرية لدى اقتحامها منزل الزعيم الإخواني يوسف ندا بعد 11 سبتمبر، ترجح أن التنظيم يعمل فعلا وفق تلك الاستراتيجية.
وأثبتت الدراسات والإحصائيات أن الإسلاموفوبيا هي ظاهرة موجودة بالفعل في عدد من المجتمعات الغربية والتي نشأت في مقابلها ظاهرة الإسلاموية. فالإسلاموية التي ترفع شعار حماية المقدسات والرموز الإسلامية تتغذي على ما يبدو من الإسلاموفوبيا التي ترفع شعار معاداة الإسلام والمسلمين. 
ولئن نجح اليهود نسبيا في ابتزاز العالم بفكرة معاداة السامية، فإن المسلمين لم يتمكنوا من بلورة استراتيحية تمنع غير المسلمين من معاداتهم بل أججوا العنف وزادوا في تعميق الصورة الراسخة في مخيال الغرب عن ارتباط الإسلام بالإرهاب.