الإمام الشافعي 'لا يتقن العربية وسارق للأشعار'!

القائمون على المسلسل المصري 'رسالة الإمام' يتعرضون لهجوم حاد من رواد المواقع الاجتماعية بسبب استخدامهم اللغة العامية في العمل وأيضا لاستعانتهم بأبيات شعرية يُستنكر أن تكون وردت عن عالم الفقه والتفسير.

القاهرة - أظهر جمهور الشاشة الصغيرة اهتماما متزايدا خلال الموسم الرمضاني الحالي بعثرات الأعمال الدرامية أو ما يسميه البعض أخطاء منذ عرض حلقاتها الأولى، ويبدو أن المسلسل المصري "رسالة الإمام" لم يكن بمنأى عن ذلك، حيث يصر رواد المواقع الاجتماعية على أن استخدام صُناع العمل للغة العامية يكشف استخفافهم بثقافة واطلاع المصريين، إلى جانب اتهام الإمام الشافعي بـ"سرقة" أشعار شاعر سوري!

ويركز المسلسل التاريخي الذي يتناول سيرة الإمام الشافعي أحد أشهر علماء الفقه والتفسير، على آخر سنوات حياة الإمام في ظل المتغيرات التي شهدتها مصر منذ أكثر من ألف عام، ومدى تأثيره في الحضارة المصرية، حيث أكد محمد هشام عبية، المشرف العام على كتابة العمل، أن "المسلسل يتناول آخر 6 سنوات من حياة الإمام الشافعي، والتي قضاها في مصر، وتأثره بالحضارة المصرية".

والإمام الشافعي هو أبوعبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة. تقول مصادر تاريخية إنه عاش "يتيما وفقيرا انتقلت به أمه إلى مكة وهو صغير لا يجاوز السنتين، كانت حياتهما صعبة، لكن أمه حفظت وصية أبيه وحثته على العلم، حفظ القرآن، ثم أخذ يتعلم اللغة والأدب والشعر حتى برع في ذلك كله، وانتقل بعد دراسته بمكة إلى المدينة وتتلمذ على يد الإمام مالك بن أنس الذي أعجب بفطنته فقربه إليه".

وعرف الشافعي بأنه فصيح اللسان بليغا، انتقل إلى العراق حيث اطلع على علم أبي حنيفة، ثم انتقل إلى مصر حيث أصبح إماما له مذهبه المستقل ومنهجه الخاص به، إلى حين وفاته سنة 204 هجري.

لكن تفاجئ المشاهدون الذين توقعوا أن تكون لغة العمل كلها بالعربية الفصحى باستخدام اللغة العامية في الحوار بين الأبطال، وهو ما استنكره الكثير من رواد المواقع الاجتماعية وأثار غضبهم، معتبرين قي ذلك إهانة لهم وتلميحا ضمنيا بأنهم يجهلون تاريخ أعلام بلادهم.

وكتب معلق يدعى إسلام منصور عبر صفحته على فيسبوك "منتجو مسلسل رسالة الإمام الذي يتحدثون فيه عن الإمام الشافعي وكاتب المسلسل تقريبا كانوا فاهمين أن الناس لا تقرأ ولا تعرف شيئا عن أئمة المذاهب، فَمطلّعين الإمام الشافعي يتحدث بلغة ركيكة جدا وهو الحجة في اللغة المشهود له بالفقه والفصاحة والدين والعقل الفذ.. عندما تنجزون عملا عن إمام عظيم مثل الشافعي ألقوا نظرة على كتب التراث وتبينوا حجم العملاق الذي أنتم مجرد أقزام أمامه، واعرفوا حجمكم الحقيقي".

ويجد مغرد على تويتر يدعى أحمد النجار أن الممثلين السوريين أفضل في استخدام اللغة العربية، إذ قال "في مصر وحين نتحدث عن أعمال فنية تاريخية أو دينية أجد أننا فاشلين في الأعمال التي يجب التحدث فيها باللغة العربية، الممثلين السوريين أفضل بكثير من المصريين".

وقال بيطري يدعى أحمد صبري عبر صفحته على فيسبوك "مسلسل رسالة الإمام كفكرة وكادرات لطيف.. لكن لماذا أهل مصر من 1200 سنة يتكلمون العامية الخاصة بنا اليوم".

وأوضح أن "العامية المصرية في زماننا تختلف في ألفاظ منها عن العامية من 100 سنة فاتوا... هناك ألفاظ اختفت بالأساس من قاموس الكلام... ناهيك أنه في زمن الشافعي كان معظم المصريين مسيحيين والأغلبية المسلمة لم تصبح واقعا إلا بعد عصر الفاطميين ودعوتهم وعصر صلاح الدين في القرن السادس الهجري!".

وأضاف "الناس أصلا كانوا يتكلمون العربية كلغة رسمية للمعاملات والدواوين، كما أن هناك ألفاظا لا تمت بصلة إلى تلك الفترة مما يجعلك تترحم على كتابات دكتور وليد سيف المشبعة بروح عصرها بشكل مهيب.. إجمالا الفكرة لطيفة إلى حد الآن، لكن كان يمكن أن تكون أفضل بكثير".

كما تعرض العمل لهجوم حاد من قبل خالد فهمي أستاذ اللغويات بآداب المنوفية كان له أصداء كبيرة على المواقع الاجتماعية، حيث دون على صفحته بفيسبوك "إلى كل مسؤول وطني بمعنى الكلمة ما يحصل في مسلسل الشافعي عبث يرقى إلى مستوى الجريمة.. جريمة في اللغة الشافعي قرشي ولسانه الفصحى أو العربية وليس اللهجة المصرية المعاصرة.. وجريمة في مخالفات فيما يتعلق بسيرته الذاتية وملكاته الفقهية والعلمية.. وجريمة في كثير مما يجري على لسان الممثل مما يقال إنه فقه الشافعي.. وجريمة في تصوير الواقع الاجتماعي بين عناصر الأمة المصرية في ذلك التاريخ".

ورغم هذه الانتقادات، فإن العمل حرص قبل عرضه على الاستعانة بخبرة أهل الاختصاص، إذ تعاملت شركة ميديا هب سعدي – جوهر المنتجة للمسلسل بمراجع تاريخي لازم فريق العمل طوال فترة التصوير، إضافة إلى مراجعة الحلقات بشكل مستمر من قبل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وكذلك وجود مراجع لغوي للسيناريو، لاسيما أنه يتم تقديم العمل باللغة العربية الفصحى والعامية المصرية.

وكشف حسام مصطفى إبراهيم عبر صفحته بفيسبوك أنه لعب دور "المراقب اللغوي في المونتاج"، موضحا "يعني أشاهد الحلقات وأدقق اللغة العربية التي تتضمنها، وإن كان هناك كلمة خاطئة أطلب إعادة تسجيلها، غير زيارتي إلى مكان التصوير والوقوف على رأس الممثلين عند الأداء".

وتابع "الحقيقة عمل كبير وفيه مجهود يحترم، سواء من صديقي الموهوب محمد هشام عبية الذي أشرف على ورشة الكتابة والسيناريو وأدار الموضوع باحترافية وكفاءة، وصديقي علاء عزمي الباحث التاريخي للمسلسل الذي لم يفوت أي تفصيلة دون تدقيق، وبذل جهد خرافي لكي يعيد بناء شكل الفسطاط في العصر الذي تدور فيه أحداث المسلسل، أما فريق التدقيق اللغوي الذي تشرفت بالعمل معه، فكان فيه اثنين من الأساتذة الكبار أحمد عمار وحاتم الأطير وحاولنا ثلاثتنا أن نقدم مستوى لائق من نطق العربية وكتابتها في المسلسل.. أدعوكم لمشاهدة العمل للاستمتاع بوجبة دسمة من التاريخ والفقه والشعر والدراما".

وشرح محمد هشام عبية مؤلف المسلسل في تصريحات لموقع "إي تي بالعربي" سبب استعمال اللغة العامية، قائلا إن استخدام اللغة العامية في الحوار بين الأبطال رغم أنها لم تكن موجودة بالفعل في فترة الإمام الشافعي، لكن جاء ذلك بهدف سهولة التلقي عند الجمهور.

ولفت إلى أن "اللغة المستخدمة وقت الإمام الشافعي كانت اللغة القبطية، ثم دخلت اللغة العربية الفصحى، ومن الاثنين ولدت اللغة العامية تدريجيا"، مؤكدا أن "صُناع العمل قرروا استخدام العامية بدلا من القبطية لسهولة التلقي".

ويرى عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن المسلسل سيكون علامة فارقة في مسار الأعمال الدرامية التاريخية المصرية، حيث كتب شريف شعبان "عمل أسطوري مثل رسالة الإمام مستعين بكم كبير من المراجع والمصادر سواء للإلمام بفكر الإمام الشافعي أو تفاصيل عصره لذلك سيكون هذا المسلسل علامة في مسار أعمال الدراما التاريخية المصرية".

وأضاف المغرد أحمد النجار "مثل هذه الأعمال إما تصبح علامة في تاريخك أو وصمة عار على جبينك، وأعتقد أن هناك أعمالا فنية كان يفترض أنها تاريخية أو دينية افتقرت لأشياء كثيرة جعلتني أقول وبحق أنني لم أشاهد عملا فنيا دينيا ناجحا إلا مسلسلي عمر وأحمد بن حنبل وبإذن الله رسالة الإمام.. بداية جميلة".

وقالت الإعلامية رشا نبيل عبر حسابها على تويتر "مسلسل الإمام الشافعي.. عمل درامي متميز نصا وحوارا وتصويرا يستحق المشاهدة.. يفتح الباب لنقاش جاد حول قضايا عدة".

لكن أزمة المسلسل لا تقف حد استنكار استخدام العامية المصرية في عمل تاريخي كان من المفترض أن يكون بالعربية الفصحى فحسب، فقد اتهم الشاعر السوري حذيفة العرجي صناع المسلسل بسرقة أبيات من أشعاره ونسبها للإمام الشافعي.

وشارك حذيفة العرجي متابعيه عبر حسابه على تويتر مقطع فيديو يظهر فيه الإمام الذي يجسد دوره النجم خالد النبوي وهو يلقي شعرا، معلقا عليه بالقول "يُرسل بعض الأحبة القراء رسائل بمقطع للمثل خالد النبوي... وهو يتغنى ببيتين لي من أوائل ما كتبت قبل عشر سنوات، وذلك على أنها للشافعي رحمه الله".

وتابع "البيتان شهيران، وطالما نُسبا للشافعي وطالما وضّحت هذا الخطأ، وسبق أن قلت: الإمام أحق بهما منّي، وهو أكبر من كلّ قولٍ يُنسب له.. ما حصل في المسلسل يدل على جهل فظيع لصنّاع العمل بهذا الإمام العظيم وبلغته الشعرية على وجه التحديد، ولك أن تتخيل ما سيكون من كوارث أخرى، إذا كان تفصيل بسيط كهذا لم ينتبهوا له، إن أحدهم لم يكلف نفسه تصفح ديوان الشافعي للتأكد من البيتين، وأشك أنهم قرأوا سيرته أصلا".

وعلق مغرد يدعى خلفان الرشيدي على ذلك قائلا "الأسهل من كل ذلك؛ لو كتبوا في غوغل من قائل هذه الأبيات، لوجدوا التوضيحات والحقيقة.. النتاج الفني والثقافي للأسف في انحدار".

وأعاد المغرد خالد جمال مسألة اللغة إلى دائرة النقاش للتعليق على سرقة الأبيات، حيث كتب "واضح أنها لغة ليست من لغة القرن الثاني الهجري وليست من طريقة الإمام الشافعي، وهذا لا ينقصكم قدركم العرجي".

واعتبر أن "هذا السهو نسميه في مجالنا خطأ قاتل منبئ عن كوارث قادمة ولا حول ولا قوة إلا بالله".

وتعرض المسلسل منذ الإعلان عن إنتاجه خصيصا لعرضه في رمضان الحالي للعديد من الانتقادات، حيث رأى فنانون مصريون أنه لا يوجد مبرر لتجسيد سيرة الإمام الشافعي، حيث تم تقديمها من قبل في مسلسل عرض في العام 2007، حمل اسم "الإمام الشافعي" وقام ببطولته إيمان البحر درويش.

ويشارك في المسلسل المؤلف من 15 حلقة إلى جانب خالد النبوي نخبة من الممثلين منهم أروى جودة ونضال الشافعي وحمزة العيلي وخالد أنور وأحمد الرافعي وسلمى أبوضيف وخالد القيش وفرح بسيسو ومحمد العمروسي، أما الإخراج فهو للسوري ليث حجو.

وتدور أحداث مسلسل "رسالة الإمام" في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري، حيث كانت مصر تشهد صراعا على السلطة في هذه الفترة إلى جانب محاولات انفصالية وتشتت مذهبي وضغوط اقتصادية، وفي وسط تلك الظروف يصل إلى مصر الإمام محمد بن إدريس الشافعي ليسهم بعلمه وشخصيته وحضوره في تخطي مصر لهذه الصعاب، كما يعيد استكشاف حياته ومواقفه وقناعاته.