الإنفلونسرز مؤثرون يحاولون جني المال من القاهرة للكتاب

معرض القاهرة الدولي للكتاب يسجل حضورا جديدا ومختلفا على منصات التواصل الاجتماعي جعله الحدث الثقافي الأبرز عربيا في مطلع العام.

القاهرة - بعد انتقاله من مقره القديم في شرق القاهرة إلى مركز مصر للمعارض الدولية في القاهرة الجديدة عام 2019 يسجل معرض القاهرة الدولي للكتاب حضورا جديدا ومختلفا على منصات التواصل الاجتماعي في 2024 جعله الحدث الثقافي الأبرز عربيا في مطلع العام وساهم في جذب نحو أربعة ملايين زائر.

قالت أميرة مصطفى (41 عاما) التي اعتادت زيارة المعرض منذ طفولتها "بينما أتجول بين أجنحة دور النشر لفت انتباهي بعض الشبان الذين يمسكون في أيديهم بأغلفة الكتب ويصورون فيديوهات قصيرة لبعض الأعمال الصادرة حديثا ويحثون متابعيهم على إنستغرام وتيك توك على زيارة الجناح أو اقتناء أعمالا بعينها".

وأضافت "في السابق كنت أرى الجمهور من فئات عمرية مختلفة يحرصون على التقاط الصور مع المؤلفين والمشاهير الذين يترددون على المعرض، لكن هذه أول مرة أرى شبانا ربما لا تتجاوز أعمارهم 20 عاما يستخدمون هواتفهم المحمولة في الدعاية للكتب ودور النشر عبر صفحاتهم الخاصة على إنستغرام وتيك توك".

وأفاد شاب يعمل بائعا في دار نشر عربية خلال فترة المعرض أن فتاة عرضت على الدار تصوير ونشر مقطع مصور على حسابها على إنستغرام مدته 30 ثانية مقابل 1000 جنيه (نحو 32 دولارا) واستعرضت عدد متابعيها الذي تجاوز 20 ألفا، لكن مسؤولي دار النشر رفضوا العرض.

ويميز الناقد الفني والصحفي المتخصص في الصحافة الرقمية محمد عبدالرحمن بين نوعين ممن أصبح يطلق عليهم "انفلونسرز" أو (مؤثرون) على منصات التواصل الاجتماعي، الأول ليس له علاقة بالثقافة والكتب لكنه يتعامل مع المعرض بمنطلق تسويقي بحت اعتمادا على عدد متابعيه، والنوع الثاني هم المؤثرون المتخصصون في مجال الثقافة ويمارسون هذا النشاط طوال العام مما يعطيهم الثقة في استثمار صفحاتهم في الترويج للأفراد ودور النشر بمقابل مادي.

وأوضح أن تزايد عدد مؤلفي الكتب عاما بعد عام أدى بدوره إلى تزايد الحاجة للترويج للأعمال المنشورة حتى تبرز وسط الكم الهائل من الإصدارات خاصة من جانب الدخلاء على الحقل الثقافي الذين يسعون للفت الانتباه دون أي أثر حقيقي، وهؤلاء هم الأكثر إقبالا على خدمات منصات التواصل الاجتماعي.

لكن الناشر محمد البعلي مدير دار صفصافة للنشر يرى أن متابعي هؤلاء الشبان على المنصات ليسوا هم الجمهور المستهدف لدور النشر التي تملك بالأساس حساباتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي ولديها علاقة ممتدة مع القراء الذين يأتون للمعرض خصيصا من أجل نوعياتهم المفضلة من الكتب ومن الصعب أن يجذبهم هذا النمط السريع من الدعاية.

وقال إن الحسابات الرسمية لدار النشر التي يديرها تتلقى بالفعل مثل هذه العروض من وقت لآخر لكنه يفضل عند اللجوء لمنصات التواصل بهدف الترويج للكتب أن يكون ذلك عبر شخصيات موثوقة بالمجال الثقافي من نقاد وأدباء ممن يقرأون العمل ويتحدثون عن مضمونه دون أجر.

التوجه الجديد نحو الترويج للكتب والأعمال الأدبية عبر منصات التواصل الاجتماعي لم يكن ملفتا لزائري المعرض فحسب، بل استرعى انتباه المؤسسات والمراكز الثقافية العربية المشاركة ومنها مركز أبوظبي للغة العربية الذي يتخذ من الإمارات مقرا، إذ نظم على هامش المعرض ورشة عمل بعنوان "استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للكتب" قدمها اثنان من المتخصصين بمجال الدعاية والإعلان.

وأشار شريف الشافعي الشريك المؤسس لشركة انفلونسرز للتسويق الرقمي في هذه الجلسة إلى أن دور النشر العربية قبل سنوات قليلة لم تكن تخصص سوى نسبة بسيطة جدا من ميزانيتها للدعاية الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أما الآن فقد أصبحت هذه النسبة تصل أحيانا إلى 30 في المئة نظرا لتعدد المنصات وتزايد أعداد متابعيها.

وأضاف أن اختيار الشخصيات المؤثرة التي تشارك في الترويج والدعاية للكتب أمر يعتمد على عدة عوامل منها اختيار دار النشر ذاتها لهذه الشخصيات، وترشيحات وكالة الدعاية المسؤولة عن الحملات الترويجية، وطبيعة الكتاب نفسه ومضمونه، لكن في النهاية هذه الحملات تحتاج دون شك إلى شخصيات ذات شهرة واسعة وانتشار كبير وصاحبة محتوى جيد وهو ما لا ينطبق على محاولات بعض الهواة الذين يحاولون جني بعض المال من خلال حسابات على المنصات يتابعها بضع مئات أو آلاف فحسب.

ويشارك 1200 ناشر من 70 دولة في الدورة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انطلق في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني ويستمر حتى منتصف الأسبوع الجاري.

واختارت اللجنة العليا للمعرض عالم المصريات الرحل سليم حسن شخصية المعرض لهذه الدورة، فيما اختير الكاتب الراحل يعقوب الشاروني شخصية جناح الطفل المصاحب للمعرض.

ويشمل برنامج المعرض الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت شعار "نصنع المعرفة.. نصون الكلمة"، أكثر من 500 فعالية ثقافية وفنية موزعة على سبع قاعات للندوات والشعر وساحات مفتوحة للعروض والأنشطة وصالة كبيرة للأطفال.

ويحل عدد من الكتاب والشعراء والنقاد العرب ضيوفا على المعرض من بينهم الكاتب العماني زهران القاسمي الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2023 والروائي الكويتي سعود السنعوسي والشاعر العراقي علي جعفر العلاق الحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب والكاتب اللبناني حسن داود.

كما يخصص المعرض جزءا من فعالياته لتسليط الضوء على الأوضاع في قطاع غزة الفلسطيني من بينها ندوة بعنوان "مستقبل دور مصر في القضية الفلسطينية" بالتعاون مع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ولقاء فكري بعنوان "فلسطين الشاعرة" يتحدث فيه الشاعر الفلسطيني المتوكل طه.

ويشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب إقبالا كبيرا، حيث أكدت وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني أن "الإقبال الجماهيري غير المسبوق، والذي شهدته ساحات المعرض، يُمثل مشهدًا حضاريًا متميزًا يؤكد حالة الشغف الرائعة لدى المصريين، ورغبتهم الكبيرة في تلقي المعارف والفنون المتعددة، وهو ما يحقق الكثير من طموحات ومستهدفات وزارة الثقافة إزاء تنظيمها للمعرض، ليصبح المعرض نافذة المصريين المُضيئة لعالم الفكر والثقافة والإبداع، وطريقهم نحو الجمهورية الجديدة التي تضع الثقافة في مقدمة أولوياتها"، مشيرة إلى أن المعرض كان خير مُعبرٍ عن الهوية والثقافة المصرية".