الانتخابات العراقية دون منافسة حقيقة مع توالي الانسحابات السياسية

المال السياسي لدى "أحزاب السلطة" أصبح بحجم لا تستطيع معه الأحزاب الأخرى منافسته، فهو يمكنها من استمالة جمهورها المستفيد.

بغداد – عادت ظاهرة مقاطعة الانتخابات إلى المشهد السياسي في العراق، وقد تبناها عدد من القوى والأحزاب السياسية المختلفة بسبب ما يقول زعماء القوى المنسحبة "غياب المنافسة الشريفة باستخدام المال السياسي وقانون انتخابات غير عادل"، وبالتالي عدم وجود إمكانية لإجراء إصلاحات حقيقية للنظام السياسي في البلاد.

وتتزايد الانسحابات من الانتخابات التشريعية العراقية المرتقبة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وآخرها  هو ائتلاف النصر، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي أعلن الجمعة عدم المشاركة بمرشحين خاصين به، بسبب ما وصفه بهيمنة المال السياسي، وغياب الإجراءات الرادعة ضد التلاعب واستغلال موارد الدولة.

وقال تحالف العبادي في بيان، حليف عمار الحكيم زعيم "تيار الحكمة"، إنه لن يشارك في الانتخابات المقبلة لأنها "غير منضبطة" و"تقوم على المال السياسي"، وسيكتفي بدعم حليفه الحكيم.

ودعا التحالف وفق البيان، إلى وقف "التلاعب وشراء الأصوات وتوظيف المال العام والمال الأجنبي واستغلال موارد الدولة"، مشدداً على ضرورة "تصحيح العملية الانتخابية".

وعلق السياسي أمير الدعمي، في تغريدة على إكس، "إذا كانت الأحزاب المنضوية تحت سقف الحكومة وإدارة الدولة تشكك بالعملية الانتخابية وتطعن بفساد المال السياسي، مثل موقف ائتلاف النصر، والذي سبقه التيار الصدري، وتيار الخط الوطني، فهذا يعزز رؤيتنا بأن الانتخابات القادمة لن تكون أكثر من انتخابات صورية، ولن تغير من الواقع السياسي السيئ الحالي".

وبدأت سلسلة الانسحابات بالتيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، الذي أكد في أكثر من مناسبة عدم خوض الانتخابات القادمة بأي شكل، في موقف أثار تساؤلات حول مستقبل التوازن السياسي في البلاد.

كما انسحب تيار الخط الوطني، التابع لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، متهما الطبقة السياسية بإعادة إنتاج نفس المعادلات الفاشلة منذ 2003، بالإضافة إلى شخصيات مستقلة ومرشحين داخل تحالفات كبرى مثل "العزم" بزعامة مثنى السامرائي.

وأعلن تيار الخط الوطني، في مايو/أيار الماضي، عدم المشاركة في الانتخابات أيضاً، لـ"عدم وجود رؤية إصلاحية حقيقية، أو برامج انتخابية شجاعة قادرة على معالجة جذور الأزمة، أو كسر المعادلات التقليدية التي كبلت الدولة منذ العام 2003 وأعاقت تطورها".

ويأتي هذا فيما دعا أمين عام حزب "توازن"، الناشط السياسي منهل آل غرير، مطلع يونيو/حزيران الجاري، زملاءه في قيادة الحزب، إلى دراسة خيار عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى أن العملية الانتخابية في العراق، وفق المعطيات الحالية، "فقدت قدرتها الحقيقية على إحداث التغيير المطلوب".

وفي موسم الانتخابات تصرف مبالغ طائلة من المرشحين، تصل إلى مئات آلاف الدولارات لتقديم الخدمات إلى المواطنين لغرض كسبهم، حتى وصلت في بعض الأحيان إلى شراء الأصوات في مقابل مبالغ معينة توزع على أفراد العائلة الواحدة، في حين تكثر زيارات المرشحين إلى المناطق ميدانيا بذريعة الاستماع إلى آراء الناس وتقديم الخدمات.

وتُقدر بعض الأوساط السياسية والرقابية حجم الصرف في الانتخابات البرلمانية القادمة، بمبلغ يتراوح بين 2.5 إلى 3 تريليون دينار عراقي، وهو رقم صادم يعادل نحو 2 مليار دولار أميركي، ويثير عشرات الأسئلة حول العدالة الانتخابية، ومشروعية المال المستخدم، وغياب آليات المراقبة والمحاسبة.

ويرى الكثير من السياسيين، أن هذا المال السياسي لدى "أحزاب السلطة" أصبح بحجم لا يستطيع أحد من الأحزاب الأخرى منافسته، فهو يمكنها من استمالة جمهورها المستفيد والذي يكبر حجمه في كل دورة انتخابية، إلى جانب استغلال موظفي الدولة والتصويت الخاص، لذلك لن تستطيع الأحزاب الأخرى من اختراق الأحزاب الكبيرة حتى لو كان لديها مال كبير أو مدعومة من دول إقليمية.

وتتمثل تداعيات الانسحاب من الانتخابات في إمكانية تغيير خريطة القوى السياسية المشكلة للحكومة، لاسيما أن عدداً من الأحزاب المشاركة هي ذات علاقة وطيدة بإيران، وسيشكل انسحاب مرشحي التيار الصدري فرصة كبيرة لفوز مرشحيها، مثلما قد تؤدي حالة الانسحابات هذه إلى عودة التأزم في العملية السياسية، وتزايد الحراك السياسي والشعبي الذي سيعيق الأداء الحكومي في ملفات تشكل مطالب شعبية ملحة.

ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التشريعية المقبلة، يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، حسب قرار مجلس الوزراء العراقي، على أن تبدأ الدعاية الانتخابية قبلها بفترة وجيزة.

والأسبوع الماضي، أغلقت مفوضية الانتخابات باب الترشح للانتخابات التشريعية في 26 يونيو/حزيران، فيما سيبتّ في أسماء المرشحين بعد أسبوعين، لحين إرسال القوائم إلى نحو 8 جهات لغرض التدقيق.

وارجأت المفوضية موعد إغلاق تقديم المرشحين، على أمل أن يعود الصدر، لكنه لم يستجب للدعوات السياسية التي وجّهت له للتراجع عن قرار المقاطعة الذي أعلنه في مارس/آذار الماضي.