البرلمان الليبي يحث الأطراف المحلية والدولية على حل أزمة المركزي

لجنة الاقتصاد تؤكد أن الوضع الاقتصادي الليبي على شفا الانهيار بسبب التدخلات السياسية، وتدعو سفراء ومؤسسات دولية لإعادة الصديق الكبير.

بنغازي – أطلقت لجنة الاقتصاد بمجلس النواب الليبي تحذيرات تجاه التدخلات المستمرة التي يقودها المجلس الرئاسي في إدارة مصرف ليبيا المركزي، بعد تعثر المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في كسر الجمود بشأن صراع السيطرة على المصرف.

وهذه التحذيرات لم تكن فقط موجهة إلى الداخل الليبي، بل شملت أيضا البعثة الأممية والسفراء الدوليين، إلى جانب مؤسسات دولية مؤثرة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وجاء ذلك في تقرير مكون من 26 صفحة، تضمن أوضاع الاقتصاد الليبي عقب قرار المجلس الرئاسي تسمية رئيس وأعضاء مجلس إدارة للمصرف المركزي.

والتقرير الذي وجهته لجنة الاقتصاد سلط الضوء على التبعات المحتملة لهذه التدخلات على مستقبل العلاقات بين ليبيا وهذه المؤسسات الدولية.

وطالبت اللجنة بسرعة استعادة السيطرة المالية للدولة، محذرة من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على استمرار هذا الوضع.

ورغم أن هذا التحذير يعد الأول من نوعه بهذا الحجم والجدية، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن ما إذا كانت الجهات الدولية ستتخذ إجراءات حاسمة لإعادة الأمور إلى نصابها.

واعتبر تقرير مجلس النواب أن "إقحام المصرف المركزي في المعترك السياسي بقرار المجلس الرئاسي أثَّر سلبيا على الوضع المالي العام، وأوقف مسيرة التوحيد التي نجح فيها المصرف كأول مؤسسة سيادية تتمكن من إنجاح هذا الاستحقاق الوطني".

وأشار إلى "تأثر المنظومة المصرفية والعلاقات والتبادلات المالية الدولية بسبب انتهاك حرمة المصرف المركزي، والتعدي على اختصاصه"، لافتًا إلى أن الأحداث الأخيرة أدت إلى تهاوي سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية بسبب توقف بيع النقد الأجنبي.

وقالت اللجنة النيابية إن "قرار المجلس الرئاسي تسبب في الإضرار بسمعة المصرف المركزي والقطاع المصرفي الليبي لدى المؤسسات المالية الدولة والبنوك المركزي، مما أدى إلى تجميد وتعليق علاقات المصرف المركزي مع تلك المؤسسات".

وأضافت أن القرار "تسبب في إهدار جهود سنوات نجح خلالها المصرف المركزي في بناء علاقات وشراكات ناجحة مع كبرى المؤسسات المالية الدولية في ظروف صعبة ومعقدة، مما جنب البلاد العديد من المخاطر".

وأرجعت توقف إنتاج النفط وتصديره إلى قرار المجلس الرئاسي، مما "يؤثر بشكل سلبي على تمويل الموازنة العامة واحتياطات الدولة، وقد يهدد بتطبيق مبدأ النفط مقابل الغذاء".

ولفتت إلى التهديد بتوقف إمدادات الغذاء والدواء إلى السوق، وحدوث أزمة نقص السلع وارتفاع أسعارها، نظرا لاعتماد السوق الليبية على استيراد أكثر من 70 بالمئة من استهلاكه اليومي، وفي ظل عجز المصرف المركزي والمصارف الليبية عن الولوج لمنظومة السويفت الدولية، للوصول لأرصدتها وودائعها بالخارج.

كما تحدث التقرير عن "تعطل المنظومات المصرفية، وتعرض سمعة القطاع المصرفي لخطر يسيء لسمعته لدى الخارج، والإضرار بسمعة ليبيا، وإضاعة جهودها في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعرضها لمخاطر الإدراج في القائمة الرمادية".

وأكد التقرير أن "ليبيا تعرضت لمخاطر اقتصادية عالية كانت قد هددت دولا عربية مجاورة، مثل العراق وتونس ولبنان ومصر وغيرها".

وأوصى بضرورة استقرار المصرف المركزي وصولا إلى استقرار سياسي واقتصادي، المستمد من استقرار إنتاج وصادرات النفط الخام.

وقال إن نجاح سياسة سعر الصرف والمحافظة على الاستدامة المالية والوضع الاقتصادي العام للدولة تتطلب، أولا عودة الإدارة السابقة للمصرف، المتمثلة في المحافظ الشرعي الصديق الكبير، رفقة نائبه مرعي مفتاح البرعصي، إلى حين أن يستكمل مجلس النواب باقي أعضاء مجلس الإدارة بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة، حسب ما اقترح المحافظ الصديق الكبير في مراسلته بتاريخ 29 أغسطس 2024.

ومن بين المقترحات التي قدمتها اللجنة أيضا "سرعة إعادة استئناف إنتاج وتصدير النفط الخام، وإبعاد هذا المورد عن المعترك السياسي. كما يجب إبعاد المؤسسات السياسية السيادية عن الخلاف السياسي".

هذا إلى جانب العمل على ضمان استمرار إنتاج النفط الخام وفق الخطط الاستراتيجية المعلن عنها من قِبل المؤسسة الوطنية للنفط، بما يضمن ويكفل استمرار تدفق إيرادات النقد الأجنبي.

كما اقترحت اللجنة تشكيل حكومة موحدة، لتعكس الاستقرار السياسي في البلاد، ومن ثم العمل على جذب رؤوس الأموال المحلية والدولية.

إضافة إلى تقنين الإنفاق العام، ورفع إسهام الإنفاق الاستثماري في هيكله الوارد بالموازنة الموحدة، لتعكس تناغم السياسات الاقتصادية، وإجراء تقييم اقتصادي شامل تمهيدا لوضع خارطة طريق وخطة استراتيجية للتنويه الاقتصادي، وتعدد مصادر الدخل بعيدا عن قطاع النفط.

وبخصوص ملف مكافحة الهجرة غير النظامية، أكدت اللجنة أن التقديرات الأولية تشير إلى تجاوزها ثلاثة ملايين مهاجر، مما ينعكس على زيادة الضغط على سعر الصرف، ولا سيما في ظل عدم وجود قوانين ولوائح مالية تنظم العمالة الوافدة.

ويأتي تقرير لجنة الاقتصاد النيابية، في وقت تسود حالة من خيبة الأمل في الأوساط الليبية، إثر فشل ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في التوصل إلى حل نهائي لأزمة المصرف المركزي الليبي في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن أزمة المصرف قد تكون أفضل طريق باتجاه إعادة إطلاق حوار يقطع الطريق أمام المزيد من الفوضى.

وكان من المقرر، بحسب إعلان للبعثة الأممية الأربعاء الماضي، أن يعلن ممثلو مجلسي النواب والأعلى للدولة "صيغة اتفاق نهائية" بشأن المحافظ ومجلس إدارة المصرف، الخميس الماضي، بعد تأجيل ذلك لثلاث مرات متوالية منذ بدء المفاوضات بينهما الأسبوع قبل الماضي برعاية البعثة الأممية.

وتعرّض مسار المفاوضات منذ الاثنين الماضي لتدخلات خارجية تسببت في تعثرها. ودفع سفراء دول أجنبية لدى ليبيا بمقترح يقضي بتشكيل مجلس إدارة ثلاثي دائم للمصرف برئاسة المحافظ المعزول من المجلس الرئاسي الصدّيق الكبير، خلافاً لما اتفق عليه ممثلو المجلسين بتكليف محافظ مؤقت بمساعدة عدد من المصرفيين بصفة أعضاء مؤقتين لمجلس الإدارة، فيما يذهب مجلسا النواب والدولة بالتوازي إلى مشاورات أوسع لتعيين محافظ ومجلس إدارة دائمين في غضون ثلاثين يوماً.

وتبدو أزمة المصرف تسير في اتجاه المزيد من التصعيد، حيث فشلت البعثة الأممية في تيسير المفاوضات بين جميع الأطراف، إذ تعلن في كل مرة أنها تنظم مفاوضات منفصلة، دون أن تتمكن من جمع الأطراف على طاولة واحدة.

وينذر عدم قدرة البعثة على إقناع أطراف الصراع على الجلوس مباشرةً لوضع حل للأزمة بتفجرها مجددا، ولا سيما أن طريقة عجزها هذه تعكس خلافا واضحاً بين الأطراف الخارجية، التي توجد على هامش المفاوضات وتحاول تسييرها لصالحها غير عابئة بالتداعيات الخطرة، التي ستترتب عن استمرار الأزمة في أكبر مؤسسة مالية في البلاد.