التاريخ لم يقل كلمته الأخيرة بعد بشأن الحركيين في الجزائر

فيلم "الحركيون" ينبش في الذاكرة الأليمة للعلاقة بين الجزائر وفرنسا.
الحركيون مهمشون في فرنسا كما في الجزائر
الجزائر

يقول مختصون في التاريخ إن أحد فصول النضال الجزائري ضد المستعمر الفرنسي لا يزال يلفه الغموض خاصة في علاقته بملف الحركيين الذين لم يقل التاريخ كلمته الفصل فيهم لأسباب تتعلق بالسياسة الفرنسية من جهة وبطبيعة المجتمع الجزائري من جهة أخرى.

وفي الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي عاد الجدل من جديد خاصة في أوساط المهاجرين في فرنسا بمناسبة عرض فيلم "الحركيون" للمخرج الفرنسي فيليب فوكون ضمن "أسبوع المخرجين"، وهي مسابقة موازية للمسابقة الرسمية. 

ويتناول فيلم "الحركيون" الذي اعتبره نقاد نبشا في الذاكرة الأليمة للعلاقة بين الجزائر وفرنسا، قصة الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب القوات الفرنسية ضد جبهة التحرير الوطني الجزائرية إبان الثورة الجزائرية (1954-1962)، لكن تم التخلي عنهم عندما انسحبت فرنسا من الجزائر وواجهوا انتقام الجزائريين المنتصرين.

وفي أواخر العام الماضي طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصفح منهم في حفل أقيم لتكريمهم. كما وافق مجلس الشيوخ الفرنسي مطلع هذا العام على قانون لطلب الاعتذار من الحركيين وأحفادهم، وتقديم التعويضات لهم معترفا بالضرر الذي تسببت فيه فرنسا لهم ولعائلاتهم والذين قدرت أعدادهم بتسعين ألف شخص.

تخلت عنهم فرنسا ووصفهم بوتفليقة بالعملاء ورفض عودتهم للجزائر

ومع نهاية الحرب تعرض عدد منهم لأعمال انتقامية في الجزائر بعدما تخلت عنهم باريس. ونقل عشرات الآلاف منهم رفقة زوجاتهم وأطفالهم إلى فرنسا، حيث وضعوا في "مخيمات مؤقتة" لا تتوفر فيها ظروف العيش الكريم.

ويتهم المؤرخ الجزائري عامر رخيلة الرئيس الفرنسي ماكرون باستقطاب حوالي 1.2 مليون صوت للحركيين وأبنائهم وأحفادهم في الانتخابات الرئاسية، بينما وصفهم الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة بـ"العملاء". ورغم انتقاده ظروف إيوائهم إلا أنه أعلن سنة 2000 رفضه عودتهم إلى الجزائر.

ويذكر أستاذ التاريخ المعاصر عبد الجليل بوقرة في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" أن أصل التسمية يعود إلى حركة انتصار الحريات التي أسسها مصالي الحاج بعد الحرب العالمية الثانية عام 1954. ويضيف بوقرة أن مصالي كان يؤمن بالنضال السلمي على عكس عدد من شباب الحركة الذين كانوا يدعون إلى الكفاح المسلح ضد الاستعمار. فحصل شقاق بين الطرفين وانبثقت جبهة التحرير الوطني. لذلك كانوا يطلقون كلمة "حركي" على من بقي في الحركة ولم يحمل السلاح ضد الفرنسيين.

ويقول بوقرة إن مفهوم الكلمة توسع ليصبح وصمة عار تطلق على كل من يتعامل مع الفرنسيين، مشيرا إلى أنه "وجب ذكر أن هناك من تعامل مع المستعمر الفرنسي إما عنوة أو عن جهل خاصة كبار السن، لكن هناك من الجزائريين من اختار مساعدة الجيش الفرنسي ضد بلاده".

الحركيون يعانون صعوبات الاندماج مع الفرنسيين كما مع المهاجرين العرب الآخرين

ويقول الرافضون لاتهام الحركيين بالخيانة، إن انضمامهم للجيش الفرنسي لم يكن خيانة، وإنما رد فعل ناجم عن خلافات مع جبهة التحرير حول سبل المقاومة.

وبرر المسؤول عن الحركيين عبدالحميد بلعروسي، في تصريحات صحفية عام 2016، انضمامهم إلى الجيش الفرنسي، رغم أنهم جزائريون، بأن "الجزائر كانت آنذاك فرنسية"، قائلا "بالنسبة إلينا كنا نقاتل من أجل بلدنا، أي فرنسا".

وأكد بوقرة أن "التاريخ لم يُكتب بعد بشكل كاف وواضح في علاقته بقضية الحركيين في الجزائر نظرا إلى أن فرنسا تخلت عنهم منذ عهد ديغول وتجنبت الحديث بشأنهم، وحتى من استقبلتهم على أراضيها كلاجئين لم يتلقوا من الفرنسيين معاملة لائقة. كما نبذهم الجزائريون المقاومون وبات الحديث في شأنهم من المحرمات داخل المجتمع الجزائري.

وشدد بوقرة على أنه ليس هناك قانون في الجزائر ينص على ضرورة معاقبة الحركيين لكن تم سن قانون عام 1999 ينص على "تجريد كل من خان الجزائر من حقوقه السياسية". وفُهم القانون آنذاك على أنه يستهدف الحركيين تحديدا.

وأشار بوقرة إلى أن الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة، الذي كان ينشط في جبهة التحرير الوطني كان قد صرح عام 1963 أن عدد الحركيين في تلك الفترة يبلغ 130 ألفا بينما قدّر الفرنسيون عددهم بـ160 ألفا جُندوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير الجزائرية.

ومع نهاية حرب التحرير الجزائرية تعرض عدد من الحركيين لأعمال انتقامية في الجزائر بعدما تخلت عنهم السلطات الفرنسية التي استقبلت نحو 60 ألفا منهم وهم في ظروف سيئة جداً. ووُضعوا في معسكرات في جنوبي البلاد، وعانوا من صعوبات في الاندماج مع المجتمع الفرنسي من جهة، ومع المهاجرين العرب الآخرين من جهة أخرى.