التخرج بالابتكار وليس بالاختبار

التحدي الأكبر هو استثمار الاختراعات، فالعالم العربي لا تنقصه العقول.
نحن الذين نطرد العقول الى الخارج فيستفيد منها الآخرون
لا بد من استثمار الابتكارات تجاريا، فالإنسان لا يبحث عن الأفكار دون أن يكون لها فائدة تطبيقية

"التخرج بالابتكار وليس بالاختبار" هو شعار ترفعه كلية طلال ابو غزالة الجامعية الرقمية للابتكار في الأردن وتشترط ابتكار شيء جديد للتخرج وهذا قائم على واقع الاقتصاد المعولم الزاخر بالاختراعات والذي يستشرف المستقبل بهدف الاستعداد له، ويقول ابو غزالة في لقاء أجراه معه موقع "مجلتي" الالكتروني، "نحن لا نواكب العصر بل نسبقه لأن الحاضر عبارة عن هنيهة لا تلبث أن تصبح زمنا ماضيا، فكيف نواكب العصر وهو في حالة سير دائم؟ لا بد أن نستعد للقادم." وما يميز الكلية هو أنها تغطي رسوم المخترع أو المبتكر بالكامل بحسب الموقع الالكتروني للكلية الجامعية.

لا شك أن هذا يعتبر انقلابا في مفهوم التعليم والمعرفة، في عصر أصبحت المعلومات فيه في جيب الانسان وعلى هاتفه الصغير، ويستطيع الإلمام بالعلوم التي يرغب في الاختصاص فيها من هذا الجهاز الصغير. والتحدي يكمن في التطوير المستمر، فالعالم يشهد تغييرات هائلة في نمط الحياة والإنتاج والحروب وباتت الآلة تسيطر على كل شيء حتى على الإنسان نفسه، فهناك "انترنت الأشياء" الذي بات يتحكم بالأعمال جميعها وقد يأتي يوم يسيطر فيها على الإنسان فلا يستطيع الانسان ايقافه، والدليل على ذلك هو قدرة الفيروسات المستحدثة على التحور، بحيث تتطور وتصبح قادرة على مقاومة المضادات الحيوية وتهديد حياة الانسان بسبب برمجتها على هذا النحو. وقد يأتي يوم يقوم الإنسان فيه بتصنيع كائنات تقضي على البشر جميعا.

في هذا العالم الذي أصبح مخيفا، برزت هذه الكلية الجامعية لتخريج أجيال قادرة على لعب دور هام في عالم الالكترونيات، وتستطيع المشاركة والتصدي والدفاع بل والهجوم أيضا. وهذا ما يحتاجه انسان العصر الحديث، لكي لا يُصدم بتغيرات دون أن يعرف عنها شيئا ويستعد لها، ولكي يستخدمها في الخير وليس في الشر، فبدلا من تهريب المخدرات بالطائرات المسيرة من بلد لآخر، يحمِّل طائراته بأشياء تخدم الانسان وتساعده في الظروف القاسية، أو يطور برمجيات ترصد الأجسام القادمة وتعرف هل هي محملة بالخير أم بالشر.

يبقى التحدي الأكبر هو استثمار الاختراعات، فالعالم العربي لا تنقصه العقول، بل نحن الذين نطردها الى الخارج، فيستفيد الآخرون منها من خلال استثمار الاختراعات وتصنيعها على مستوى تجاري يدر ربحا على المجتمع، وهنا مربط الفرس، فما هي فائدة اختراع تم تسجيل براءة وشهادة له ليستقر على أحد الرفوف ويجمع الغبار؟

إن الأفكار كثيرة، فهناك حاجة لبيوت صغيرة غير مكلفة كما تفعل الصين، حيث تأتي شاحنة تحمل صفائح وألواح وتركبها على 50 مترا، فتغدو هذه الصفائح والألواح بيتا من طابقين قويا وزهيد الثمن ويستمتع مالكه بمساحة واسعة وزجاج تدخل منه الشمس والهواء، بل ويمكن عمل حديقة صغيرة فيه لتزينه، والأثاث جزء من تركيبة البيت يمكن فتحه للاستخدام ومن ثم إغلاقه. ولو لم يجد صاحب هذا الابتكار وغيره من الابتكارات من يتبناها ويقوم بتصنيعها على مستوى تجاري لما خرجت الصين من حالة الفقر السابقة.

لا شك أن فكرة الجامعة رائدة وتستحق الدعم والترويج، وفي موازاة ذلك، لا بد من استثمار الابتكارات على مستوى تجاري، فالإنسان لا يبحث عن الأفكار دون أن يكون لها فائدة تطبيقية، والفرق بيننا وبين الدول الغنية هو الاستفادة من الاختراعات والابتكارات وبناء مصانع بجانب المختبرات مما ساعدها على زيادة الدخل القومي ورفع مستوى معيشة الناس والإشفاق على الهاربين من أوطانهم وقبولهم للعيش في كنفها.