التراث والاستدامة في 'مراود الإماراتية'
صدر حديثا العدد رقم 59 لأكتوبر/تشرين الاول 2023، من مجلة "مراود" الشهرية التي يصدرها معهد الشارقة للتراث، وتهتم بالتراث الإماراتي والعربي والإنساني.
وتصدّر العدد ملفاً بعنوان: "التراث والاستدامة"،كما تضمن العدد مقاربات عدة، ودراسات ورؤى متنوعة، استعرض فيها نخبة من الكتاب جوانب قيّمة من عناصر التراث الثقافي بما يشمله من معارف وفنون.
وفي افتتاحية العدد، قال الدكتورعبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس التحرير، إن عالمنا اليوم شهد الكثير من التحولات والتغيرات الكبرى التي طالت المجالات كافة، بما فيها التراث، وبحسب قوله فهي تغيرات عميقة، أفرزت معطيات جديدة، ظلت في تطور مستمر، خاصة مع انتشار الأوبئة والتلوث وغيرهما، ما تسبب في خسائر بشرية ومادية فاقت كل التصورات وهي في تطور مطرد، وغدت مهددات خطرة على مستقبل البشرية.
وأضاف المسلّم، بأنه في غمرة هذا الواقع، بات موضوع الاستدامة من أكثر الموضوعات أهمية وحيوية لما قد يسهم به في التصدي لتلك المخاطر أو التقليل منها على الأقل، استشرافاً لمستقبل أكثر أماناً، مشيراً إلى أن هذا ما حدا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة. يطلق عام 2023 عام الاستدامة، لجعل اليوم للغد.
ونوّه إلى أنه من هذا المنطلق، سعت المجلة في هذا العدد إلى البحث عن جوهر الموضوع، وبحث مختلف جوانبه، والغوص فيها، تحـت عنوان: "التراث والاستدامة"، وذلك بغية التعرف إلى صلة الاستدامة بالتراث في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلاقتها به، ثم ما هو الأفق المنظور المستقبل التراث في نطاق تلك التحولات الكبرى؟
إحياء التراث
وفي كلمته على الصفحة الأخيرة من المجلة، قال الدكتور منّي بونعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة، ومدير التحرير، إن للتراث الثقافي في إمارة الشارقة مكانة سامية ومنزلة عالية، تتجلى في العناية الكبيرة والاهتمام الواسع من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، حفظه الله ورعاه، بهذا المجال المهم ويعود ذلك الاهتمام وتلك العناية إلى فترات مبكرة من حياة، كشفت عن وعي عميق وعريق بالتراث، صوناً وحفظاً وإحياء وتأهيلاً، وهي مرتكزات أساسية قام عليها المشروع التراثي الإحيائي لسموه؛ حيث تنبه سموه مبكراً، عن بصيرة ويقين، لقيمة العودة إلى الجذور التراثية التي تؤكد أصالة الإنسان وتصوغ مشاعره ووجدانه، وتكون شخصيته، وتصون وجوده. وتحمي حاضره، وتأخذ بيده إلى مستقبل آمن في روج ه الفضاء المفتوح وسيل العولمة الجارف.
ولفت بونعامة إلى أن إحياء التراث في نظر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، لم يكن مجرد صور وأشكال، ومظاهر احتفالية تقام في حبر من الزمان والمكان. ثم تمضي على عجل، بل كان في حسّه قانوناً يجب تطبيقه، ومنهجاً سامياً ينبغي اتخاذه، ومنهلاً عذباً لأسس القيادة الرشيدة يمهدها بالحكمة الصائبة.
وأشار إلى أن الشارقة تُعدّ من أولى إمارات الدولة التي عكفت على ترميم المعالم التاريخية والمباني التراثية: تنفيذاً لتوجيهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، الرامية إلى المحافظة على المباني التاريخية والمواقع التراثية. وإحيائها من خلال أعمال الحماية والترميم التي طالت معالم الإمارة وبيوتها التراثية وأسواقها الشعبية ومساجدها ومدارسها، وإعادة توظيف وإحياء مناطق الشارقة القديمة؛ لما في ذلك من حفظ لذاكرة المكان التاريخي والتراثي في الإمارة، واستدعاء للماضي الجميل واحتفاء بالدور التاريخي الذي لعبه هذا المبنى أو ذاك. في فترات تاريخية مختلفة. وأماكن متعددة. وبهدف تعزيز الارتباط بالمكان الإماراتي، بمعالمه وصروحه ورموزه الأصيلة.
التراث وتاريخ الشعوب
وفي ملف العدد: كتب فهد علي المعمري عن "التراث والاستدامة"، حيث أشار إلى أن الحديث عن التراث والاستدامة لهو حديث ليس بالأمر السهل، وليس بالحديث الواحد بل هو حديث متفرع تتبعه أحاديث مرتبطة مع بعضها ارتباطاً وثيقاً، ونوّه إلى أن التراث هو تاريخ الأمة، وهو تاريخ الشعوب، وهو إرث الأجداد للآباء، وإرث الآباء للأبناء.
وتساءل المعمري كيف نحقق هذه الاستدامة؟ كيف نحافظ على هذا التراث؟ كيف يكون هذا التراث الشعبي جزءاً من حياتنا اليومية؟ أسئلة كثيرة تصب جميعها في قناة واحدة، وهي التراث والاستدامة، وحاول من خلال مقاله الإجابة عن تلك الأسئلة.
وفي الملف نطالع مقال "التراث الثقافي والاستدامة"، للدكتور عادل الكسادي، وفيه يتحدث عن الدور الذي يمكن أن يطلع به التراث الثقافي في الاستدامة أو في التنمية المستدامة، ويقدم شرحاً لعدد من محاور هذا الموضوع، ويبدأ بتعريف المصطلحات المرتبطة به كمصطلح التراث الثقافي، ومصطلح الاستدامة والتنمية المستدامة، ومتى ظهر ذكر التراث في أدبيات الأمم المتحدة؟ والتطور المفاهيمي والتاريخي لمصطلح التراث الثقافي وعلاقته بالتنمية المستدامة وأهداف التنمية المستدامة، وكيف يمكن الاستفادة من التراث في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
الإمارات ودورها فى استدامة التراث
ونبقى في الملف، حيث تكتب فاطمة سلطان المزروعي رئيس قسم الأرشيف الوطني عن "الإمارات ودورها فى استدامة التراث"، حيث تشير إلى أنه منذ أن أطلق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، عام 2023 عاماً للاستدامة، بدأت دولة الإمارات حالة من الاستنفار في جميع الميادين، فسعت إلى إقامة المبادرات والفعاليات والأنشطة المنوعة التي تسلط الضوء على تراثها الغني، وذلك امتداد لنهج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الحفاظ على البيئة المستدامة.
هذا وقد تضمن الملف عددا من الموضوعات الأخرى بينها: "استدامة التراث رؤية وتطلعات للمستقبل" لمريم سلطان المزروعي، و"الاستدامة والتراث"، للدكتور سالم زايد الطنيجي، و"الموروث وتحديات العصر" للدكتور فهد حسين، و"استدامة التراث والنهج الإماراتي"، لخالد صالح ملكاوي، و"علاقة التراث بالاستدامة" للدكتور مهدي شموط، و"إمارة الشارقة أنموذجاً: ترميم المباني التاريخية.. استدامة التراث".
فن النوبان
وفي موضوعات العدد: يضيئ على العبدان مدير إدارة التراث الفني معهد الشارقة للتراث، على "تحوّلات فن النوبان في الإمارات: نظرة أنثروبولوجية"، وقد خصص "العبدان" هذا المقال للنظر في تحوّلات أحد الفنون الموسيقية الشعبية في الإمارات، هو فن النوبان، كأنموذج يمكن قياس غيره من الفنون عليه، وذلك في ضوء المنهجين التطوري والانتشاري في علم الإناسة Anthropology)، وبحسب المقال فإنه يمكننا من خلال هذين المنهجين يمكننا فهم وتفسير ظاهرة التغير في الفن الشعبي، عبر استقراء ومعاينة تأثير العوامل الجغرافية والديموغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، في مختلف جوانب الفن الأدبية (النصوص)، والأدائية الرقص والإيماءات والتعبير البدني، والفنية الألحانوالأجناس الموسيقية والإيقاعية، والحرفية (صناعة الآلات وما يتعلق بها، والاجتماعية (الأداء المشترك للرجال والنساء).
وفي العدد أيضا، يكتب لنا علي العشر خبير التراث الفني بمعهد الشارقة للتراث، عن "فن الفجري"، حيث يشير إلى أن إيقاعات الفجري دائمة التغيير والتلون، وذلك بسبب أنواع التشكيلات الإيقاعية التي ترافق الوزن الإيقاعي الأساسي الطول.
وبحسب العشر، فإن الفجري نوع من الغناء الشعبي، يختص به الرجال فقط، حيث إنه يؤدى جماعياً. وللفجري طابع خاص هو أنه وجداني فريد، كما أن أداءه الغنائي يتميز بالطابع الكورالي الجماعي من النوع الاستجابي المعروف منذ القدم، وفيه إيقاعات مميزة وصعبة، إلى أبعد ما يمكن أن يتصور الخيال، إذ أن فن الفجري هو فن ترفيهي غير عملي، بمعنى أنه لا يؤدى في أثناء رحلات الغوص، ولكن يؤدى من بعد رجوع البحارة من الغوص، حيث يؤدى غالباً في الشتاء.
النسجيات المرسمة في التراث العربي
وضمن موضوعات العدد أيضا، نقرأ لمحمد صابر الكردي موضوع "النسجيات المرسمة في التراث العربي"، حيث يُبيّن الكردي في مقاله أن النسيج هو تقاطع خيوط طولية متجاورة، تسمى خيوط السداء مع خيوط اللحمة الأفقية وهو غالباً منتظم، ويحدث نتيجة تكرار التقاطع المذكور في عدد من خيوط السداة واللحمة. للحصول على منسوج ذي متانة ومرونة تقل أو تزيد تبعاً لطبيعته والمنسوجات، هي مواد أولية أجري عليها عملية النسج لإحداث سلع أو منتجات تستخدم في أغراض الحياة المختلفة مثل أقمشة الملابس والستور والأبسطة والحصر والسجاجيد وبعض أنواع نسيج السلك ونسيج الغرابيل وغير ذلك.
كما نقرأ بالعدد عدد من الموضوعات المتنوعة منها: "النبات في الصورة الشعرية"، لمحمد عبدالله نور الدين، و"الشيخ أحمد الخميس.. قاضي الكويت ومعلمها، و"الملكان العقلان" لسعيد يقطين، و"النبات والشجر: كتاب للأصمعي عمره 12 قرن"، لخالد عمر بن قفه، و"متاحف الشارقة: نموذج حي لجهود الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في الحفاظ على التراث للدكتور خالد بن محمد مبارك القاسمي، و"معبد الشمس"، للولوة المنصوري، و"فلكلور الجسم الإنساني" للدكتور مصطفى جاد، و"مغرب حكايات" لإسراء الملا مدير المدرسة الدولية للحكاية، و"تحت أشجار قصص ملتقى الراوي" للدكتورة أماني محمد ناصر، و"العالم الأخضر بين العالم والخيال" للدكتورة حنان الشرنوبي، ومجموعة أخرى من الموضوعات المتنوعة التي تدور في فلك التراث الإماراتي والعربي والإنساني.
يُذكر أن مراود هي مجلة معنية بالتراث الإماراتي والعربي والعالمي، ويرأس تحريرها الدكتور عبد العزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ومستشار التحرير ماجد بوشليبي، الخبير الثقافي بمعهد الشارقة للتراث، ومدير التحرير الدكتور منَي بونعامة، مدير إدارة المحتوي والنشر بمعهد الشارقة للتراث، ويتكون مجلس التحرير من: على العبدان، وعتيج القبيسي، وعائشة الشامسي، وسارة إبراهيم، وسكرتير التحرير أحمد الشناوي، كما تضم هيئة التحرير منير حمود وبسام الفحل للإخراج الفني والمراجعة اللغوية، وتصدر المجلة شهريا عن معهد الشارقة للتراث.