طريق الألف ميل يبدأ بحلم في 'العثماني'

رواية الكاتب القطري خالد القحطاني يعالج فيها كل أزمات كوكب الأرض بمزيد من أحلام اليقظة.

عمان - كتاب "العثماني" للكاتب القطري خالد القحطاني رواية طويلة تبدأ في عالم الواقع وتعرِّج إلى سماوات خيالية أشبه بحلم يقظة، يعالج فيها الكاتب كل أزمات كوكب الأرض بمزيد من أحلام اليقظة، إن صحَّ التعبير، فيجعلك -عزيزي القارئ- تحلِّق معه على أجنحة الحُلم وفي سماوات التخيل.

ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن (2025) في 492 صفحة من القطع المتوسط، ويضم متتالية سردية دفعة واحدة ليس بينها لا فواصل نجمية ولا ترقيم فصول ولا حتى فواصل بيضاء، بل هي دفعة واحدة منذ السطر الأول وحتى الكلمة الأخيرة من الرواية.

ينجح الكاتب في جعلنا ننتبه إلى أن البداية هي حلم، وعلينا أن نختار الطريق الذي ننطلق فيه معه، هل نستمر في القراءة على أن ذاك حلم، أم نترك العنان لخيالنا أن يسبح في سماوات الرواية التي عرَّجت إلى المريخ وإلى الكواكب الأخرى، بتفاصيل تكاد تجعلنا نشعر وكأننا فوق تلك الكواكب بالفعل.

يبدأ خالد القحطاني روايته بمشهد واقعي حي، يقول فيه: "وقف أمام العمارة منتظرا مجيء التاكسي، مراقبا المطر الغزير بدهشة. مشهد المطر وارتطام قطراته بالأرض أسره وسلب قلبه، فبدأ يراوده شعور غريب وكأنه خُلِق للتو. بدت الأشياء من حوله في غاية الروعة والجمال، فقرَّر أن يلغي كل خططه لهذه الليلة، وينشغل بأحلامه".

ويتابع القحطاني بداية شرارة الحلم في الفقرة التالية مباشرةً فيتساءل حول مدى إمكانية تحقُّق الحلم: "طلب من التاكسي أن ينزله عند أحد المطاعم الصغيرة. دخل المطعم وجلس بجانب النافذة ثم فتحها ليرى المطر ويسمع صوته. فكّر: "ماذا لو تحقّقت كل أحلامي؟".

ويترك العنان لنفسه (لبطل الرواية على نحو أدق) ليكمل التساؤلات: "اكتشف أن تحقيق أحلامه يحتاج إلى أموال كثيرة، كيف سيجمعها؟"، مؤكدًا على المعنى نفسه الذي بدأ به بطل الرواية، فيقول القحطاني: "وراح يتخيّل أنه بدأ يوفّر المال خطوة خطوة، وشعوره بالحماس يزداد أكثر فأكثر، وبعد أن تحقّقت لديه ثروة ضخمة، يبدأ بتحقيق أحلامه، ويبدأ بتلك الأكثر صعوبة، والتي تتطلّب الكثير من الأموال. أذّن الفجر وهو غارق في أحلامه. خرج من المطعم وهو يفكر: "الأحلام متعبة؛ ماذا لو تخلَّيت عنها وعشت حياتي بيسر وسهولة؟ لكن ماذا لو استطعت حقّاً تحقيق أحلامي؟".

وكأن عبدالله العثماني هو ذلك الرجل الخارق، الذي نجح في توحيد ليس فقط أقطار العالم، وإنما جميع كواكب الكون في العصور السابقة والمقبلة، سواء في مجموعتنا الشمسية أو ما عداها، واستطاع بالعلم ومن خلال الاستعانة بعلماء ومخترعين أن يحقِّق إنجازات في جميع المجالات، ولكنه وقف عاجزًا أمام شيء واحد، وهو الموت.. نعم الموت كلمة الله في البشر، ولا يعلم سر الروح ولا سر الوقت سوى الخالق (عز وجل).

راح عبدالله العثماني (بطل الرواية) يحلم بدرجة الدكتوراة التي سيحصل عليها، ورأى نفسه بعين قلبه وهو أستاذ يحاضر في الجامعة ويأتي إليه الطلاب من كل حدبٍ وصوب، حتى إن القاعات الجامعية لم تعد تستوعب عدد الطلاب الذين يأتون لحضور محاضراته، ما جعل رئيس الجامعة يقرِّر أن محاضرات الدكتور عبدالله ستُبَثُّ عبر أثير الإذاعة الجامعية كي تصل إلى أكبر عدد من الطلاب والمريدين.

ومن بين الأفكار التي قرَّر الدكتور عبدالله حث العلماء عليها هي جمع المادة من الطبيعة وتحويلها إلى أحجار طاقية يُشكَّل منها أحجار طاقية تستخدم كدروع واقية وكحماية وكعلاج، وأشياء أخرى كثيرة، يقول خالد القحطاني: "قال عبد الله: 'أريدكم أن تجعلوا الحجر الطاقي يشكِّل درعاً طاقيّاً يحيط بالشيء المُراد حمايته؛ كجسم الإنسان والمنازل والمنشآت والمدن والدول، وأريده أن يبقى سنة كاملة لهم، كما أريد أن يكون الحجر الطاقي المُعد للاستخدام الفردي بحجم فص في خاتم، وأن تجعل لهم خاتماً يحمل الحجر الطاقي كفصٍّ من أحجار كريمة'".

ونجح العلماء في ذلك حتى استطاعوا تشكيل أحجار طاقية مختلفة الكثافة وكذلك مختلفة الوظائف، حتى صنعوا بوابات طاقية نجح العثماني في استخدامها في كل دول العالم الأرضي، ثم بدأ استخدامها في أماكن كثيرة (فانتازية) بين الأرض والفضاء وفي كواكب أخرى شبيهة بكوكب الأرض.

وبعد نجاح فريق العمل الذي اختاره العثماني وبدأ يتوسَّع نجح علماؤه في التوصل إلى "عصير العلاج"، ذلك المشروب الذي يعالج جميع الأمراض، ويعيد الشباب والحيوية والطاقة إلى البشر، وظل ذلك المشروب يتطوَّر حتى استطاع إعادة الشباب للشيوخ والعجَزة وحتى من فقدوا أطرافهم، إذ ساعدهم على عودة الحياة لتلك الأطراف المفقودة وإنباتها من جديد، وكثير من القدرات الخارقة الأخرى.

وقد استطاع عبدالله العثماني التوصل إلى قدرة صناعية تُسمى "القدرة على كل شيء"، وكذلك على قدرة أخرى تُسمَّى "المنفعة الصناعية"، كان لكلٍّ منهما عظيم الأثر في تطور الأحداث حتى توسَّعت الدولة العثمانية فشملت كوكب الأرض وكواكب أخرى شبيهة، وبدأ التبادل التجاري في الفضاء بين أهل تلك الكواكب بفضل شبكة التواصل التي نجح في صناعتها العثماني بما أوتي من علم وقدرة وعلماء يعاونونه في كل شيء.

ومن دهشة الأحداث في الرواية التي تجعلك -عزيزي القارئ- تحيا في عالمها وكأنه عالمك الحالي هناك اعتماد كبير على الذكاء الاصطناعي، وتأصيل لفكرة الكائنات نصف البشرية/ نصف الآلية، إذ يقول القحطاني قرب نهاية الأحداث في الرواية: "في إحدى الليالي، وبعد أن تناول عبدالله طعام العشاء خرج ليمشي قليلاً في حديقة قصره في غرناطة، وإذ به يفاجأ برجل يرتدي ملابس من أجمل الملابس وأفخمها، ورأى أن جسد الرجل كان جسداً إلكترونيّاً أشبه برجل آلي يتصرّف بما أمر به صاحبه، وليس بجسد ماديّ، وكان يتكلم بأغرب ما يكون الكلام، كأنه يغني بصوت لم يسمع عبد الله مثله من قبل، فاندهش حتى سقط مغشيّاً عليه، فأمسكه الرجل بالتحريك الذهني وحمله ذهنيّاً إلى كرسي قريب، وبعد دقائق استيقظ عبد الله فالتفت يميناً ويساراً فلم يجد أحداً".

فكم من عجائب واجهت عبدالله العثماني! وكم من أخطار حدَّقت بها ونجا منها أولًا بفضل إيمانه بالقدرة الإلهية، ثم باجتهاده وسعيه إلى إدراك الكثير والكثير مما لم يتسنَّ لأحد سواه.

لكن ما يظهر بين سطور الرواية، لاسيما في ثلثها الأخير أن الإنسان مهما اجتهد في علمه واختراعاته، فلن يستطيع منح السعادة المطلقة لا لنفسه ولا لسواه، ولن يستطيع الخلود في الحياة الدنيا التي وصفها الله سبحانه بدار الفناء، ولذلك جاء المشهد الأخير مجسِّدًا عظمة الموت ومهابته وجلاله دون أن يملك أحد تأجيله ولو للحظة واحدة.