التطهر بالشاي!

لم يعد الشاي تسلية شعرية، بل أحد مناهج معرفة الذات، مثلما يعده الشاعر الصيني وانغ وان تشي، ويطريه إلى حد يغمر روحه كفتنة مباشرة وأن مذاقه المر الرقيق يذكره بمذاق حكمة رفيعة.

تحول خبر تعليم ميغان ماركل زوجة الأمير هاري، التقاليد الملكية في احتساء الشاي إلى موضع تهكم من البعض واعتبر أنه نوع من البطر والاستعراض المبالغ فيه، لكن كان على هذه المرأة الأميركية القادمة إلى العائلة الملكية البريطانية، تعلم آداب هذا التقليد الإنكليزي قبل مقابلتها الملكة إليزابيث الثانية لاحتساء الشاي معها.

ذهبت ميغان عدة مرات إلى مقهى متخصص قرب لوس أنجلس. مزين بأوان خزفية وبمناضد صغيرة ومقاعد مصنوعة من القماش الناعم، من أجل أن تعيش أجواء الشاي، ومن أجل شيء واحد اسمه السلوك المتزن مع شرب الشاي، ربما لم يكن شائعا ذلك في حياتها الفنية قبل أن يضمها القدر إلى الأسرة الملكية، كان عليها أن تتعلم كل مرة أن قبضة الفنجان يجب أن تكون موضوعة على الساعة الثالثة والملعقة الصغيرة عند السادسة والثانية عشرة.

فلم يعد الشاي تسلية شعرية، بل أحد مناهج معرفة الذات، مثلما يعده الشاعر الصيني وانغ وان تشي، ويطريه إلى حد يغمر روحه كفتنة مباشرة وأن مذاقه المر الرقيق يذكره بمذاق حكمة رفيعة، فيما كتب شاعر صيني آخر هو سو تانغ بو عن قوة النقاء الطاهر الكامنة في الشاي التي تهزم الفساد.

أصبح الشاي عند اليابانيين مثلا، أكثر من تحويل شكل الشرب إلى مثال حسب كتاب الشاي، بل عقيدة تتعلق بفن الحياة، أصبح هذا الشراب مدخلا لعبادة النقاء والصفاء، واجبا سريا مشتركا بين الضيف والمضيف لكي ينتجا في تلك المناسبة أقصى درجات الغبطة الدنيوية.

الكاتب الإنكليزي تشارلز لامب ممن يعلن ولاءه صراحة للشاي ذلك أن الشاي هو فن إخفاء الجمال بغرض اكتشافه، فن الإيحاء بأنك لا تجرؤ على الإفشاء به، إنه السر النبيل الكامن في السخرية من الذات، بهدوء لا يخلو من عمق، وهو بالتالي يجسد الفكاهة عينها، ابتسامة الفلسفة. كل الفكاهيين الأصليين يمكن أن يسموا وفقا لهذا الاعتبار بفلاسفة الشاي، وبكل تأكيد شكسبير من بينهم!

منذ أقدم الأزمنة عرفت نبتة الشاي وموطنها الأصلي جنوب الصين، وكان ينظر إليها بعين التقدير والإجلال بوصفها تحتوي على مزايا تخفيف التعب، وإدخال المسرة إلى الروح، وشد العزيمة، وتقوية البصر، وقد ذهب أتباع المذهب التاوي إلى حد الزعم بأن عشبه الشاي هي مكوّن أساسي من مكوّنات إكسير الخلود كما ذكر الياباني أوكاكورا كاكوزو في كتاب الشاي.

في الشاي يستعاد شباب الماء! أي ضوع يفوح منه إذ ذاك! حيث تبدو وريقة الشاي الرقيقة معلقة مثل غيوم حبيسة في سماء ساكنة، أو تطفو مثل زنابق الماء في جداول من الزمرد الأخضر، وكما يبدو أن الشاعر الفرنسي سان جون بيرس استعاد هذه الصورة الشعرية من الشاي في الأقمار الوردية المعلقة مثل ثمار المانجو.

الشاعر الصيني لو تانغ من سلالة تانغ في القرن الثامن كتب: الكوب الأول يرطب شفتي وحلقي، الكوب الثاني يكسر وحدتي، والثالث يجوس داخلي المجدب فلا يجد هناك سوى نحو خمسة ألاف مجلد من النقوش الغريبة، الكوب الرابع يتسبب بعرق بسيط تخرج معه من مسامي جميع مساوئ العيش، وحين أصل إلى الكوب الخامس أكون قد تطهرت! والكوب السادس يناديني إلى جنات الخلد، أما الكوب السابع… آه، لا استطيع تناول المزيد!