التغير المناخي لا الاستمطار وراء فيضانات الإمارات وعُمان

دراسة علمية صادرة عن شبكة إسناد الطقس في العالم تقول إن الاحترار المناخي هو التفسير الأكثر ترجيحا للهطول القياسي للأمطار التي ضربت صحراء الإمارات وعُمان.

دبي - أثارت الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت سلطنة عمان ودولة الإمارات أسئلة كثيرة وتأويلات استند بعضها لتفسيرات علمية وأخرى شعبوية لا تستند إلى أي منطق، بينما ذهب البعض إلى القول إن عمليات استمطار اصطناعي وراء التغيرات المناخية المفاجأة والمتطرفة في البلدين.

لكن دراسة صدرت حديثا عزت ذلك إلى التغير المناخي الناجم عن انبعاثات الوقود الأحفوري، بعيدا عن التفسيرات القائلة إن السيول الجارفة ناجمة عن استمطار اصطناعي.

وقالت شبكة إسناد الطقس في العالم الخميس إنه يبدو أن الاحترار المناخي كان "على الأرجح" وراء الهطول القياسي للأمطار التي ضربت صحراء الإمارات وسلطنة عمان الأسبوع الماضي، ما أسفر عن وفيات وفيضانات واسعة النطاق.

وأوجدت الدراسة أن هطول الأمطار الغزيرة في السنوات التي تشهد ظاهرة "إل نينيو" المناخية أصبح أكثر غزارة بنسبة 10 إلى 40 في المئة في شبه الجزيرة العربية، مضيفة أن تغير المناخ هو السبب المحتمل ولكن لا يمكن تحديده "بشكل مؤكد".

وتسببت السيول الجارفة في مقتل 21 شخصا في عُمان وأربعة في دولة الإمارات التي شهدت غزارة أمطار قياسية منذ بدء تسجيل منسوباتها قبل 75 عاما.

وقالت الشبكة في تقرير أعدّه 21 باحثا دوليا "إن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن حرق الوقود الأحفوري هو التفسير الأكثر ترجيحا لزيادة هطول الأمطار".

وأضافت الشبكة، وهي مجموعة دولية من العلماء تبحث في دور تغيّر المناخ بالظواهر الجوية المتطرفة، أنه "لا توجد تفسيرات أخرى معروفة" للارتفاع الحاد في هطول الأمطار.

وبالفعل تعاني الإمارات وسلطنة عمان المنتجتان للنفط، من الحرارة الشديدة الناجمة عن ظاهرة الاحترار المناخي، لكن فيضانات الأسبوع الماضي كشفت عن خطر إضافي لظواهر جوية متطرفة مع ارتفاع حرارة الكوكب.

وقالت سونيا سينيفيراتني العضوة في الشبكة والأستاذة في المعهد الاتحاد السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ إن "فيضانات الإمارات وعمان أظهرت أنه حتى المناطق الجافة يمكن أن تتأثر بشدة بهطول أمطار غزيرة، وهو تهديد يتزايد مع زيادة الاحترار المناخي بسبب حرق الوقود الأحفوري".

وقدّم التقرير المنشور الخميس تحليلا لبيانات الطقس التاريخية ونماذج مناخية لتحديد التغيّرات في أنماط هطول الأمطار في شبه الجزيرة العربية بما يشمل السنوات التي كانت ظاهرة إل نينيو مسيطرة فيها.

وأوجد أن العواصف الشديدة كانت أقل شدة بشكل ملحوظ في السنوات التي سبقت ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية.

وقالت مريم زكريا العضو في الشبكة والباحثة في كلية "إمبريال كوليدج" في لندن "لقد أصبح هطول الأمطار الغزيرة أكثر غزارة بنسبة 10 في المئة على الأقل في الإمارات وسلطنة عمان"، مضيفة أن "هذه النتيجة... تتماهى مع الفيزياء الأساسية التي تقول إن الجو الأكثر دفئا يمكن أن يحمل المزيد من الرطوبة".

وضربت العاصفة الأسبوع الماضي سلطنة عمان أولا في 14 أبريل/نيسان، وأودت بحياة 21 شخصا على الأقل بسبب الفيضانات المفاجئة وحوادث أخرى، بحسب وكالة الأنباء العُمانية الرسمية.

العاصفة المطيرة أغرقت شوارع دبي ومدن أخرى
العاصفة المطيرة أغرقت شوارع دبي ومدن أخرى

وبعد يومين، وصلت إلى الإمارات حيث هطلت أمطار غزيرة بكميات لم تشهدها الدولة الخليجية منذ 75 عاما وأحدثت فيضانات في الطرقات والمنازل في كل أنحاء البلاد ما تسبب بشلل على مدى أيام مع انقطاع طرقات كثيرة نتيجة تجمّع مياه الأمطار.

وحال ذلك دون وصول موظفين كثر إلى عملهم وتوقف خدمات التوصيل المنزليّ والمترو وسيارات الأجرة وخلو رفوف الخضار والفاكهة في المتاجر نتيجة تعذّر عمليات التسليم، فيما أعلنت السلطات مقتل أربعة أشخاص.

واضطر مطار الإمارة، أحد أكثر المطارات ازدحاما في العالم، إلى إلغاء أكثر من 2000 رحلة جوية ولم يعد إلى نشاطه الطبيعي إلا الثلاثاء، بعد أسبوع من العاصفة.

وأعلن رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الأربعاء أن الحكومة خصصت "ملياري درهم (544 مليون دولار) لمعالجة الأضرار التي لحقت ببيوت المواطنين" جراء الأمطار الغزيرة غير المسبوقة.

وسُجل في الإمارات أيضا عدد قليل من الحالات المرضية نتيجة التعرّض لمياه الفيضانات الملوّثة بمياه الصرف الصحي، فيما أعلنت وزارة الصحة مساء الأربعاء أن منشآت صحية "تعاملت مع عدد محدود جدا من الحالات التي بدت عليها بعض أعراض التأثر بالمياه المختلطة".

وفي مستشفى "برجيل" التخصصي في إمارة الشارقة، أكدت أخصائية الأمراض الباطنية الدكتورة إيمان عبدالقادر العبّار الخميس أن مياه الأمطار المتجمّعة "ستكون ملوّثة بالمخلّفات الموجودة في الشوارع" وكذلك بمياه "الصرف الصحي في أماكن محدودة غير مسيطر عليها ويمكن أن تؤدي إلى بعض التلوثات".

وأوضحت أن "المياه الراكدة تزيد فرصة نشاط البعوض والبراغيث التي يمكن أن تكون عضّاتها مُمْرضة في بعض الأحيان".

وبعد حوالي عشرة أيام من العاصفة الاستثنائية، لا تزال آثار الفيضانات واضحة في شوارع مدينة مجاز في الشارقة التي كانت من بين أكثر المناطق تأثّرًا.

وشوهدت متاجر تعرض بضائعها تحت أشعّة الشمس لتجفيفها وكذلك سيارات عدة فُتحت أبوابها وأغطية محرّكاتها لتنشيف المياه منها، فيما بدا خطّ أصفر في منتصف هياكل المركبات ما يدلّ على مستوى المياه الذي كان في المنطقة. والخميس كان يتمّ سحب مياه الأمطار من مرائب تحت الأرض.

"فيضانات أكثر فتكا"

وقد نفى مسؤولون إماراتيون الأسبوع الماضي تقارير عن تلقيح السحب (الاستمطار الصناعي)، وهي ممارسة رش السحب بالمواد الكيميائية لزيادة هطول الأمطار.

وقالت شبكة إسناد الطقس في العالم إنها لم تحقق في "التأثير المحتمل لتلقيح السحب"، لكنها أضافت أنه "نظرا إلى الحجم الهائل لنظام العواصف، كان من الممكن أن تسقط أمطار غزيرة بغض النظر عمّا إذا كانت عمليات (تلقيح السحب) قد نُفّذت".

واستضافت الإمارات العام الماضي محادثات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) والتي توصلت خلالها الدول إلى اتفاق تاريخي "للانتقال" من الوقود الأحفوري.

وتستثمر كل من الإمارات وسلطنة عمان في الطاقة المتجددة وتعهدتا إزالة الكربون من اقتصاداتهما المحليّة، من دون أن يشمل ذلك الوقود الأحفوري الذي يبيعانه في الخارج.

لكن على غرار منتجي النفط الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة، تعمل الدولتان على بناء قدراتهما لتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب.

وقالت عالمة المناخ الألمانية فريدريكي أوتو والعضوة في الشبكة أيضا إنه "في مؤتمر كوب 28 في دبي، وافق العالم على الانتقال من الوقود الأحفوري. وبعد مرور نصف عام تقريبا، لا تزال الدول تفتح حقولا جديدة للنفط والغاز".

وأضافت "إذا استمر العالم في حرق الوقود الأحفوري، فإن هطول الأمطار في مناطق عدة من العالم سيصبح أكثر غزارة، ما يؤدي إلى فيضانات أكثر فتكا وتدميرا".