اعتزام فرنسا فرض عقوبات مالية على مسؤولين جزائريين يشعل غضب الجزائر

هجوم إعلامي من وكالة الأنباء الجزائرية يكشف حجم الاستياء الحكومي وراء الكواليس، والورطة التي تسببت بها السياسات التصعيدية مع فرنسا.

الجزائر – في حلقة جديدة من الحرب الإعلامية التي تشنها الجزائر على فرنسا على وقع التصعيد السياسي بين البلدين، اتهمت وكالة الأنباء الجزائرية، باريس أنها بصدد اتخاذ إجراءات "انتقامية" تستهدف جاليتها، بعد أن كشفت صحيفة فرنسية عن استعداد باريس لتجميد أصول نحو 20 مسؤولا جزائريا نافذاً.

وكشفت صحيفة "لكسبرس" الفرنسية أن وزارتي الاقتصاد والداخلية في فرنسا تدرسان تفعيل عقوبات مالية ضد مجموعة من المسؤولين الجزائريين.

وقالت الوكالة الجزائرية في تقرير حاد أن باريس "تواصل تسيير العلاقات الجزائرية-الفرنسية عبر تسريباتٍ منظّمة بمنتهى الارتجال وسوء الحنكة، دون إظهار أدنى ما يقتضيه المقام من تدارك وتصحيح للمسار".
وأبدت الوكالة الجزائرية ردة الفعل الغاضبة بسبب تقرير "لكسبرس"، حيث نقلت عن مصادرها أن السلطات الفرنسية قد تكون بصدد التحضير لقرار يقضي بـ"تجميد أصول مسؤولين جزائريين ردًا على رفض الجزائر استقبال رعاياها الصادر بحقهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية". مشيرة الى أن هذه "التسريبات تعمل على "تجميد ممتلكات مسؤولين جزائريين في فرنسا من خلال منعهم من الوصول إلى عقاراتهم أو ممتلكاتهم الأخرى". مستندة إلى قانون فرنسي جديد (دخل حيز التنفيذ في يوليو/تموز  2024) يسمح بتجميد أموال أي شخص يهدد مصالح البلاد الأساسية، بما في ذلك حالات التدخل لصالح قوة أجنبية. ويُضاف إلى ذلك قانون يسمح بتجميد الأصول على خلفية ارتباط بأعمال إرهابية.

وتعتبر الوكالة الجزائرية لسان السلطة في البلاد وعبر هجومها على باريس تكشف حجم الاستياء الحكومي وراء الكواليس، والورطة التي تسببت بها السياسات التصعيدية مع فرنسا وتدفع ثمنها الجالية الجزائرية.

وقالت الوكالة أن علاقة فرنسا مع الجزائر "لم تنحدر في تسييرها يومًا إلى هذا الدرك السحيق، ولم يسبق لها أن لامست هذا الحد من الهواية والارتجال. ولم تبلغ قط من قبل هذه القمة في انعدام الجدية. ومرةً أخرى، تحمل كل هذه الممارسات بصمةَ مميزة لمسؤولين فرنسيين لا يجدون في الجزائر سوى الزاد لمسيرتهم السياسية".

والجالية الجزائرية واحدة من أكبر الجاليات المسلمة في فرنسا، وغالبًا ما تكون في قلب الجدل السياسي الفرنسي المرتبط بالهوية والهجرة والتطرف، ما ينعكس على العلاقة بين الحكومتين.

ويشتكي العديد من الجزائريين من صعوبة متزايدة في الحصول على التأشيرات، وهو ما أثار حالة من القلق في أوساط الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا وكذلك بين الأسر التي كانت تعتمد على زيارات موسمية خلال العطلة الصيفية.

ويعكس التأخر في معالجة الطلبات والتشديد في الشروط تجليات الأزمة السياسية بين الجزائر وباريس، وتراجع في منسوب الثقة المتبادلة إلى أدنى مستوى.
وتأتي هذه الوضعية في ظرف إقليمي ودولي دقيق يجعل من العلاقات مع فرنسا عنصرا أساسيا في توازن الجزائر الدبلوماسي، بالنظر إلى حجم التبادل التجاري والروابط التاريخية والإنسانية القائمة بين البلدين.

وختمت وكالة الأنباء الجزائرية، في رسالة وجهتها إلى باريس اليوم، أنه "بمثل هذا التقصير، تضع السلطات المعنية نفسها موضع المتواطئ في كل هذه الممارسات الخارجة عن القانون، وإن كان الأمر يتعلق بتنظيف إسطبلات أوجياس، فلتبدأ فرنسا بتنظيف إسطبلاتها أولًا، عسى أن يكفل لها ذلك كسب قسط من المصداقية والجدية، وهي أحوج ما تكون إلى ذلك في هذا الظرف بالذات".

وتشهد العلاقات بين البلدين أزمة دبلوماسية غير مسبوقة تشرف على القطيعة، منذ نحو عشرة أشهر بعد اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء ومساندتها مقترح للرباط كحل واقعي وحيد للنزاع المفتعل.

وكان آخر حلقات الأزمة بين البلدين فرض قيود على حملة التأشيرات الدبلوماسية وذلك بعد طرد متبادل لموظفين دبلوماسيين واستدعاء سفيري البلدين.

وعرفت بعدها الأزمة عدة محطات بلغ فيها التوتر أشده، كانت إحداها توقيف الكاتب بوعلام صنصال (75 عاما) في مطار الجزائر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، وحُكم عليه في 27 مارس/آذار بالحبس خمس سنوات لإدانته بتهمة "المساس بوحدة الوطن" في تصريحات لصحيفة "فرونتيير" الفرنسية المعروفة بقربها من اليمين المتطرف، تبنّى فيها موقف المغرب الذي يفيد بأنّ أراضيه سلخت عنه لصالح الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي.

ولم تلقَ دعوات فرنسية عدة أطلقت، لا سيما من جانب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون شخصيا، من أجل إطلاق سراحه أو منحه عفوا رئاسيا، أي تجاوب.

في المقابل تلقي الجزائر باللوم في هذه الأزمة على وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، متذرعة أنه استغل الأزمة لحسابات سياسية داخلية.

وفي حين كان من الممكن الإبقاء على مستوى معين من التعاون في مجال الهجرة في بداية العام، على الرغم من الخلافات، تراجع هذا التعاون إلى أدنى مستوى.

وتعمل وزارة الداخلية على ترحيل عشرات الجزائريين الصادرة بحقهم قرارات إبعاد، لكن السلطات الجزائرية تعيد من هؤلاء أكثر مما تستقبل خشية تخطي الطاقة الاستيعابية لمراكز الاحتجاز.

في خضم تعليق كافة أشكال التعاون بين باريس والجزائر، عُقد اجتماع خُصّص للأزمة بين البلدين الأسبوع الماضي حسب ما أفادت به مصادر حكومية فرنسية.

وأشارت هذه المصادر أن "اجتماعا عُقد في الإليزيه لمناقشة الوضع مع الجزائر"، موضحة أن الاجتماع ضم إلى جانب الرئيس ماكرون رئيس الوزراء فرانسوا بايرو ووزير الخارجية جان-نويل بارو ووزير الداخلية برونو روتايو ووزير العدل جيرالد دارمانان.