الجزائر تعمق عزلتها بافتعال أزمة جديدة مع الإمارات
الجزائر – يُشير خروج الجزائر عن الأعراف الدبلوماسية واستخدامها لهجة حادة ضد دولة الإمارات عبر افتتاحية للتلفزيون الرسمي، إلى تصعيد خطير ومسعى لتأزيم العلاقات في سياق يراه كثير من المحللين محاولة من النظام الجزائري لصرف الانتباه عن مشاكل داخلية يُكابد في احتوائها وعن عزلة إقليمية متفاقمة سعى عبثا لكسرها.
ويؤكد هؤلاء أيضا أن تركيز الجزائر على ترويج الكثير من الاتهامات ضد أبوظبي بلا أدلة ولا مبررات لحملة التشويه التي أطلقتها منذ العام الماضي وتصاعدت خلال العام الحالي، يمكن تفسيره بغرق الدبلوماسية الجزائرية في حالة الفوضى والارباك وفقدان النظام بوصلته في التعاطي مع خلافات كان يمكن حلها عبر القنوات الدبلوماسية الهادئة بدلا من اللجوء إلى استخدام الاعلام الرسمي.
وتشهد الأزمة تصعيدا خطيرا ينذر بتداعيات سلبية على العلاقات الثنائية والاستقرار الإقليمي ومن المرجح أن يستمر هذا التوتر في ظل استمرار النظام الجزائري في حملة الإساءة لدولة الإمارات وهي حملة قديمة متجددة خاصة بعد موقف أبوظبي الداعم لمغربية الصحراء وبعد افتتاح قنصلية إماراتية في مدينة العيون بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وتتمسك الجزائر منذ الحراك الشعبي الذي طالب برحيل النخبة الحاكمة باعتبارها امتدادا للنظام السابق بقيادة الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، بسردية المؤامرة كلما واجه النظام الحالي أزمات داخلية وخارجية.
ويعتقد أنه مع هدوء ضجيج الأزمة التي افتعلتها السلطة مع فرنسا، كان لابد للنظام الجزائري من افتعال أزمة جديدة يداري بها اخفاقاته السياسية والدبلوماسية في محيطه الافريقي وفي علاقاته مع الشركاء الغربيين.
واستغل تصريحات للباحث الجزائري في التاريخ محمد الأمين بلغيث كان قد أدلى بها لقناة سكاي نيوز عربية واعتبر فيها أن "الأمازيغية هي مشروع صهيوني فرنسي"، ليصعد ضد دولة الإمارات مع أن التصريح يخص صاحبه ويعبر عن رأي شخصي لا صلة له بالموقف الإماراتي الرسمي من قضية الهوية المثيرة للجدل في الجزائر.
وقد أمر قاضي التحقيق لدى محكمة الدار البيضاء بإيداع الباحث المذكور الحبس المؤقت، بعد تلك التصريحات وهو موقف مماثل كانت قد اتخذته السلطات الجزائرية بحق الكاتب الجزائري من أصل فرنسي بوعلام صنصنال الذي أعاد إثارة موقف تاريخي بتأكيده على أن فرنسا اقتطعت جزء من الصحراء الشرقية المغربية لصالح الجزائر ابان فترة الاستعمار.
واعتقال الأكاديميين وكتاب الرأي المخالفين لوجهة نظر النظام الجزائري، أصبح أمرا مألوفا، جرى توظيفه سياسيا في سياق تصعيدي إما محليا أو خارجيا.
وبالنظر إلى التطورات الأخيرة حول افتعال الجزائر أزمة مجانية مع الإمارات، خاصة الحملة الإعلامية الجزائرية الرسمية الحادة، يمكن القول إن الدبلوماسية الجزائرية فقدت بوصلتها بالفعل وأظهرت قصورا وارتباكا.
والوصف الذي قدمه التلفزيون الجزائري للإمارات بـ"الدويلة المصطنعة ومصنع الفتنة" واتهامها بالعمل بأجندة تخريبية بقيادة "الكيان الصهيوني" يمثل تصعيدا خطيرًا وغير مسبوق في الخطاب الرسمي. وهذا النوع من الاتهامات العلنية والمتشنجة يشير إلى أن الجزائر تنظر إلى الدولة الخليجية العضو في مجلس دول التعاون الخليجي كطرف معادٍ بشكل صريح.
ومن المتوقع أن يكون لدول مجلس التعاون الخليجي موقفا قويا ردا على انتهاك الجزائر للمواثيق والأعراف الدبلوماسية الدولية، إذ أن الإساءة لدولة الإمارات تعتبر إساءة للمجلس.
ومن الطبيعي أن تتأثر العلاقات الجزائرية الإماراتية بشكل سلبي نتيجة هذا التصعيد الإعلامي والاتهامات المباشرة. وقد يمتد هذا التأثير ليشمل بعض الدول الخليجية الأخرى التي تربطها علاقات قوية بالإمارات وتتبنى مواقف مماثلة في بعض القضايا الإقليمية.
والاتهامات الجزائرية لأبوظبي بـ"إشعال نار التناحر في دول الجوار" وربطها بـ"الكيان الصهيوني" قد تثير حساسيات إقليمية واسعة وتؤدي إلى ردود فعل متباينة من دول الخليج. وإذا تفاقمت الأزمة، قد يصبح من الصعب على دول الخليج الأخرى لعب دور الوسيط بين الجزائر والإمارات.
كما يمكن أن يؤثر التوتر السياسي على التعاون الاقتصادي والثنائي بين الجزائر وبعض دول الخليج.
ولا تخرج الاتهامات الأخيرة عن سياق حملة تشويه وإساءة انخرط فيها الاعلام الموالي للسلطة الجزائرية مستخدما لهجة سوقية في رسائل تكشف، وفق محللين، تخبطا جزائريا وانفعالية لا مبرر لها.
على الرغم من التصعيد الأخير، كانت هناك محاولات سابقة لتهدئة التوتر بين البلدين، إلا أنها لم تثمر حتى الآن. ويرى البعض أن الجزائر هي الطرف الذي يقوم بتأجيج الوضع وتصعيد التوتر من خلال ربط الإمارات بـ "الكيان الصهيوني" وهذا الاتهام تحديدا يحمل حساسية بالغة في المنطقة ويمكن أن يؤدي إلى ردود فعل قوية.
ومن المرجح أن تستمر العلاقات في التدهور وقد تصل إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر. وقد يصبح من الصعب على أي طرف ثالث التدخل للوساطة بين البلدين في ظل هذا التصعيد الجزائري العلني. وقد يؤثر هذا الخلاف بشكل سلبي على التعاون الإقليمي في معالجة القضايا المشتركة.
ويأتي التصعيد الأخير بينما خفت ضجيج الأزمة التي افتعلتها الجزائر مع فرنسا، ما جعل الجزائريين الذين تحمسوا لموقف بلادهم حيال تلك الأزمة، يركزون أكثر على مشاكل داخلية تكابد السلطات في احتوائها.
وقبل فترة عاشت الجزائر حالة احتقان اجتماعي على وقع حملة الكترونية دشنها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #مانيش_راضي، سرعان ما تحول إلى ترند وعكس حالة غضب شعبي من تدهور الأوضاع.
وفي خضم تلك الحملة صعدت الجزائر ضد فرنسا على خلفية قضية اعتقال الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال المعتقل منذ أشهر. وفي الوقت الراهن يبدو التركيز منصب على اعتقال الباحث في التاريخ بلغيث ومن المتوقع أن يجري تضخيم قضيته للفت الانتباه عن مشاكل أخرى، بينما تم الزج باسم دولة الإمارات في قضية الهوية المثيرة للجدل، ليكون الضجيج المثار والأزمة المفتعلة بديلا يلهي الجزائريين عن قضاياهم بعد أن خفت ضجيج الأزمة المفتعلة مع فرنسا.
تصعيد جزائري يسبق قمة بغداد
واللافت كذلك أن التصعيد الجزائري ضد دولة الإمارات يأتي بينما يستعد العراق لاستضافة القمة العربية المقررة في 17 مايو/أيار الحالي. وقد استبقت الدوائر المقربة من السلطة القمة بحملة أدارها نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم #تبون_لا_تسافر_إلى_العراق، وهي الحملة التي فسرها البعض على أنها تمهيد لاعتذار الرئيس العراقي عن حضور القمة وارسال ممثل عنه.
ومن المرجح أن يكون للأزمة المتصاعدة بين الجزائر والإمارات تأثيرات سلبية على قمة بغداد المقبلة، فبالنظر إلى اللهجة الحادة والاتهامات العلنية، قد تقرر الجزائر تخفيض مستوى تمثيلها في القمة أو حتى عدم المشاركة على الإطلاق.
ومن غير المستبعد أن تتخذ الإمارات موقفا مماثلا أو تقلل من مستوى تمثيلها احتجاجا على الحملة الجزائرية.
وحتى في حال مشاركة الطرفين بمستوى معين، فإن الأجواء العامة للقمة ستكون متوترة. ومن الصعب تصور نقاشات بناءة حول القضايا الإقليمية المشتركة في ظل هذا العداء العلني. وقد تستغل بعض الأطراف القمة لتأجيج الخلاف أو محاولة الوساطة، مما قد ينحرف بجدول الأعمال عن القضايا الرئيسية.