الجزائر وعُمان تعززان شراكتهما الاقتصادية بتأسيس صندوق استثماري

الصندوق الاستثماري الجديد بقيمة تصل لنحو 300 مليون دولار ويهدف إلى تمويل مشاريع مشتركة في قطاعات التعدين، والأمن الغذائي، والصناعات الدوائية، لكنه يشكّل أيضاً مدخلاً عملياً لتوسيع التعاون في مجال الطاقة.
الجزائر تعمل على إعادة ترتيب تحالفاتها الاقتصادية والسياسية بعد توتر مع دول مثل الامارات
شركات عمانية تطمح لتوسيع وجودها في السوق الجزائرية

الجزائر - وقّع جهاز الاستثمار العُماني اتفاقاً أولياً مع وزارة المالية الجزائرية لإنشاء صندوق استثماري بقيمة 115 مليون ريال عُماني (نحو 298.79 مليون دولار)، في خطوة تؤشر إلى انطلاقة مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي بين البلدين، لا سيما في ظل ظرف إقليمي مضطرب دفع الجزائر إلى إعادة ترتيب تحالفاتها الاقتصادية والسياسية.
ويأتي هذا الاتفاق في إطار زيارة رسمية قام بها سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد إلى الجزائر، تخللتها مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية الهامة، وفي مقدمتها تعاون متقدم في قطاع الطاقة، أحد أبرز القطاعات الاستراتيجية للبلدين. ويهدف الصندوق الاستثماري الجديد إلى تمويل مشاريع مشتركة في قطاعات التعدين، والأمن الغذائي، والصناعات الدوائية، لكنه يشكّل أيضاً مدخلاً عملياً لتوسيع التعاون في مجال الطاقة، حيث وقّعت شركتا سوناطراك الجزائرية وأبراج لخدمات الطاقة العُمانية وثيقة تأسيس تمهيدية لإنشاء شركة مشتركة تقدم خدمات حقول النفط.

وتمثل هذه الاتفاقيات امتداداً لعلاقات بدأت بالهدوء والاحترام المتبادل، لكنها اليوم تدخل مرحلة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة والتكامل في قطاع الطاقة. فشركة أبراج، التي تعد من الشركات الرائدة خليجياً في خدمات الحفر والتنقيب، تطمح لتوسيع وجودها في السوق الجزائرية عبر شراكة محلية تتيح لها الاستفادة من الفرص الموجودة في قطاع المحروقات الجزائري، بينما تسعى سوناطراك إلى جذب شركاء جدد في ظل تراجع بعض الاستثمارات الخليجية الأخرى.
وستركز الشركة المشتركة المزمع ستركّز على الحفر البري، وخدمات الآبار، وإدارة المشاريع المتكاملة، وهي خدمات حيوية لتطوير حقول النفط القديمة واكتشاف احتياطيات جديدة، في بلد يملك أحد أكبر احتياطات الغاز في إفريقيا، ويعد مورّداً رئيسياً للغاز إلى أوروبا.
والتقارب الجزائري العُماني لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الراهن، حيث تشهد علاقات الجزائر مع عدد من الدول العربية والخليجية، وعلى رأسها المغرب والإمارات، توتراً متصاعداً انعكس على مستوى التعاون الاقتصادي والاستثماري. ومع انكماش خيارات الجزائر في جذب استثمارات خليجية تقليدية، برزت سلطنة عمان كدولة محايدة سياسياً ومنفتحة اقتصادياً، يمكن أن تكون شريكاً موثوقاً في مرحلة تبحث فيها الجزائر عن تنويع شركائها وتقليل الاعتماد على أسواق محدودة.
وتسعى عمان، من جانبها، إلى توسيع خارطة استثماراتها السيادية، ووجدت في السوق الجزائرية فرصة واعدة بفضل وفرة الموارد الطبيعية، والطلب المتزايد على الخدمات النفطية، فضلاً عن سعي الجزائر إلى تعزيز شراكات استراتيجية طويلة الأمد بعيداً عن الاستقطابات الإقليمية.
ويبدو التعاون الجزائري العُماني في مجال الطاقة مرشحاً للتوسع في السنوات المقبلة، خاصة في مجالات جديدة كالهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، حيث تبدي مسقط اهتماماً خاصاً بهذه القطاعات في إطار رؤيتها الاقتصادية 2040. وبالنسبة للجزائر، فإن تأمين شراكات في هذه المجالات يساعدها على تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على صادرات النفط والغاز التقليدية.
كما أن التعاون في مجال الخدمات النفطية يمثل خطوة أولى يمكن أن تتبعها استثمارات مباشرة في الإنتاج المشترك أو في مشاريع البتروكيميائيات، ما يعزز التكامل بين البلدين ويفتح الباب أمام تعاون أوسع ضمن تحالفات اقتصادية عربية أكثر توازناً.
وتدل الاتفاقيات الموقعة خلال زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر على تحوّل ملموس في العلاقات الجزائرية العُمانية، من علاقات دبلوماسية تقليدية إلى شراكة استراتيجية متعددة الأوجه، خاصة في قطاع الطاقة. وبينما تتراجع علاقات الجزائر مع بعض الدول الخليجية، يبدو أن مسقط قد اختارت أن تملأ هذا الفراغ، برؤية واقعية تقوم على التعاون الهادئ والمصالح المتبادلة.