
الجوبة الثقافية تشعل شمعتها الثمانين
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من 1990 أصدر مركز عبدالرحمن السديري الثقافي منطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية، العدد الأول من مجلة الجوبة الثقافية التي تواصل صدورها الدوري على مدار 33 عاما، والتي صدر هذا الشهر عددها الـ 80، وسط احتفاء الأوساط الثقافية السعودية والعربية بمسيرة تلك المجلة أسهمت بشكل فعّال في إثراء المشهد الثقافي والإبداعي العربي.
ومن اللافت هنا أن مجلة الجوبة التي تخاطب القارئ والمثقف العربي، لا تصدر من العاصمة الرياض، بل تصدر من منطقة الجوف، وفي ذلك دلالة على انتشار المراكز الثقافية بشتى مناطق المملكة، وتجاوز دورها المحلي، لتلعب دورا أكبر في خدمة الثقافة العربية.
ولعل من بين ما يُحسب لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي، الذي فاز هذا العام بجائزة القطاع الثقافي غير الربحي، وتكريم القائمين عليه من قبل وزارة الثقافة السعودية في حفل بتوزيع "الجوائز الثقافية الوطنية" في دورتها الثالثة، يُحسب له الدور الفاعل لمجلته الثقافية الفصلية "الجوبة"، وما تقوم به من في المشهد الثقافي العربي، وما تنشره من ملفات دورية تصب في خدمة الثقافة والآداب والفنون العربية.
وقد احتفى كُتّابٌ ومثقفون عرب بصدور العدد الـ 80 من مجلة الجوبة، حيث قال الكاتب والأديب السعودي محمد الحميدي، ان "الجوبة" تُمثّل امتداداً لتاريخ طويل وحافل من المجلات الثقافية الهادفة إلى رفع مستوى الوعي العربي، كما هو حال مجلات الرسالة وأبولو والمقتطف والمنار وغيرها، والتي ضمت بين صفحاتها أدباء ومفكرين كبار؛ انعكس تأثيرهم على مسيرة الثقافة ونموها، فتمكنوا من إنتاج وعي مختلف ومتطور، عبر مقاربة قضايا إبداعية وثقافية راهنة.
وأضاف الحميدي بأن الوعي الثقافي المبكر لمجلة "لجوبة" قادها إلى طرح رؤية مختلفة، فلم تكتف بالمألوف والقديم، إذ مزجته بالجديد والمبتكر، فاتحة الباب للرؤى المتجددة، والأفكار الخلاقة، حيث رعتها، وتعهدتها بالعناية؛ كي تنتشر وتجد صداها بين الأدباء والمثقفين، ما أعطاها مكانة رفيعة، وأهمية متزايدة، رافقتها خلال سنوات صدورها، فأثمرت عشرات المقالات والدراسات والإبداعات، من مختلف أرجاء الوطن العربي، حتى أصبحت إحدى أهم المرجعيات، حين الحديث عن المشهد الثقافي وتغيراته.
وقال الكاتب والأديب الأردني سمير الشريف، إن الدور التثقيفي للمطبوعة والدوريات الثقافية العربية التي تعتبر مائدة ثقافية فكرية لا يُنكر، خاصة وأن غالبية هذه المطبوعات صارت تنوع من وسائل توزيعها ووصولها للقارئ في كل مكان، وتوظيفها للتوزيع الإلكتروني والنشر الرقمي، جنبا إلى جنب مع النسخة الورقية، مما يُمكّن المتلقي من الحصول على العدد الإلكتروني حال صدوره.

وأشار إلى أن مجلة الجوبة تأتي ضمن المجلات التي تحتل الصدارة في قائمة المجلات الثقافية العربية والتي سجّلت حضورها وانتشارها بشكل لافت، لشمولية موضوعاتها وتنوع أبوابها وكتّابها الذين يمثلون الساحة الثقافية العربية بكافة أقطارها.
ونوّه الشريف إلى أن هذه الجوبة تصدر عن مؤسسة عريقة هي "مركز عبد الرحمن السديري الثقافي" في منطقة الجوف، والذي يولي الجانب الثقافي أهمية بالغة جنباً إلى جنب مع إيلاء جوانب التنمية الأخرى كل الاهتمام، ويعكس خصوصية منطقة الجوف خاصة، وصورة المملكة العربية السعودية بشكل عام.
وأوضح بأن قراء "الجوبة" يطمحون لهذا المنبر الثقافي المميز أن يصار صدوره شهرياً حتى يظل المتلقي مواكبا للنهضة التنموية بشتى مجالاتها في منطقة الجوف والمملكة العربية السعودية عموماً.
وقال الشاعر والكاتب والمترجم المصري، محمد زين العابدين، إن المجلات الثقافية وعلى رأسها مجلة "الجوبة" تمارس دورا" قوميا" شديد الأهمية في ظل تأثيرات العولمة وذوبان الثقافات القومية وانجراف المقومات الحضارية والاجتماعية للكثير من الأمم تحت وطأة التيارات المتلاحقة العنيفة لثورة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات
وبيّن أن مجلة "الجوبة" تُركز في توجهاتها التحريرية على ربط المواطن العربي عموماً، والسعودي خصوصاً بالثقافة العربية الأصيلة والتعريف بتراثنا الشديد الثراء مع عدم إغفال الاطلاع على التيارات الثقافية الحديثة،ورأى بأن المجلة تفتح أبوابها بترحيب وتقدير يستحق الإشادة لكل الأقلام الجادة من كافة أنحاء وطننا العربي الكبير لأن الثقافة العربية هي التي توحدنا جميعاً كعرب وتصهرنا في بوتقة واحدة من المحبة والإخاء وتعلو على كل الخلافات الواهية.
ووجه زين العابدين التحية والتقدير والاحترام لأسرة تحرير مجلة الجوبة ولمؤسسة عبد الرحمن السديري التي ترعى المجلة بسخاء في ظل تراجع الاهتمام بالصحافة الثقافية في بلادنا وأزمة الصحافة الورقية عموما، واعتبر أن هذا الدور الثقافي القومي الهام لا ينهض به إلا المؤسسات الواعية المحترمة مثل مؤسسة عبد الرحمن السديري.
يّذكر أن "الجوبة" هي مجلة ثقافية أدبية ربع سنوية، تتيح لأبناء وبنات المنطقة نشر إبداعاتهم وتوفر فرصة للاحتكاك مع الكتاب والأدباء السعوديين والعرب، وهي واحدة من إصدارات مركز عبدالرحمن السديري الثقافي في منطقة الجوف، الذي يأتي من بين أنشطته برنامج النشر ودعم الأبحاث، والذي جاء تأسيسه انطلاقاً من اهتمام المركز بتفعيل الحركة الثقافية في مجتمع الجوف بصفة خاصة وفي المملكة العربية السعودية بشكل عام، واستجابة لأهداف مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية (التي تقوم بالإشراف على مركز عبدالرحمن السديري الثقافي) والمنصوص عليها في المادة الثانية من النظام الأساسي للمؤسسة، والتي تدعو إلى الإسهام في تشجيع النهضة العلمية والثقافية ودعم الدراسات ونشر المعلومات المتعلقة بمنطقة الجوف وتطوير خدماتها بما ينعكس على تعزيز حركة البحث العلمي والإبداع الأدبي في المنطقة. يتوجه هذا البرنامج إلى استنهاض همم المبدعين ورعايتهم وتشجيعهم على تحقيق المزيد في التميّز والإبداع، يتكون البرنامج من قسمين، الأول: نشر الدراسات والإبداعات الأدبية، والثاني: دعم البحوث والرسائل العلمية.
وفي إطار ذلك كان هناك برنامج للنشر بالمركز، يهتم بجميع أنواع الدراسات والإبداعات الأدبية ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة وتشجيع حركة الإبداع الأدبي والإنتاج الفكري واثرائها بكل ما هو أصيل ومتميّز، ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير، وذلك إضافة إلى برنامج دعم الأبحاث الذي يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات المتعلقة بالجوف والغاط، ويهدف إلى تشجيع الباحثين على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معالجاتها وأفكارها.