الحوار الوطني طريق تونس لإرساء جمهورية جديدة

مشاركون في الحوار الوطني يؤكدون أن كتابة الدستور الجديد ستنطلق من ورقة بيضاء ولا صحة لادعاءات المعارضة بأن الدستور الجديد جاهز مسبقا.
تونس

يعتقد محللون أنه مهما علا الصخب حوله، فإن الحوار الوطني لن يكون في حال نجاحه إلا خطوة إضافية لتثبيت خطى قيس سعيّد في مسار 25 يوليو. وفي حال فشله فإنه سيمثل انتكاسة للمسار. لذلك يراهن المساندون للمسار على نجاحه للوصول إلى رسم ملامح الجمهورية الجديدة.
وعقدت لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للهيئة الاستشارية لإعداد دستور جديد أولى جلساتها السبت بقصر الضيافة بقرطاج على أطراف العاصمة التونسية، وسط رفض عدد من الأطراف التي وصفت الحوار بأنه "صوري".
وقال عميد المحامين ورئيس اللجنة إبراهيم بودربالة لوكالة الأخبار التونسية إن من بين المشاركين الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد الوطني للمرأة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وأفاد العميد الصادق بلعيد منسق الهيئة الوطنيّة الاستشارية من أجل جمهوريّة جديدة، بأن هذا الاجتماع الأول للجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ناقش مسائل عمومية على غرار مهمة هذه اللجنة الاستشارية وكيفية عملها وبرنامج عملها في المستقبل، وعلاقتها مع اللجنة الاستشارية القانونية.
وقال بلعيد "لقد وجهنا الدعوة لـ42 شخصية، وحضرت جميعها رغم الضغوطات من الذين يدّعون علما في السياسة، ونحن ممتنّون لكل من حضروا وشاركوا بصفة إيجابيّة"، معلنا أنّ الاجتماع الثاني سيكون يوم السّبت المقبل الـ11 من حزيران/يونيو الجاري لبلورة مقترحات المشاركين في الاجتماع الأول.
وفي اتصال مع "ميدل إيست أونلاين" طلب الناشط السياسي المنذر بالحاج علي من الجميع "التمهل وعدم الحكم لصالح الحوار الوطني أو ضده إلا بعد أن نلمس مخرجاته". وقال إن "تونس بحاجة إلى حوار حقيقي بعيد عن المصالح السياسية والأيديولوجية خاصة في ظل تشعب الأزمات". 
وكان بالحاج علي من أبرز المشاركين في الحوار الوطني الذي عُقد  غداة الأزمة السياسية التي عصفت بتونس في 2013 عقب اغتيال النائب بالمجلس التأسيسي آنذاك محمد البراهمي. وأفضى الحوار الوطني وقتها إلى الإطاحة بحكومة النهضة الإسلامية بقيادة علي العريض، وأُجبرت النهضة على مغادرة الحكم.   
ويرى الأمين العام لحركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" مباشرة عقب انتهاء جلسة السبت أن الحوار الوطني يهدف إلى إرساء استقرار سياسي تكفله الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية المشاركة في الحوار، واستقرار اجتماعي يكفله الفاعلون الاجتماعيون والمنظمات المهنية. 
 

المشاركون في اجتماع السبت سيقدمون مقترحاتهم في أجل لا يتجاوز 72 ساعة

وردا على سؤال حول مدى تأثير تخلف الاتحاد التونسي للشغل عن المشاركة في الحوار، قال البريكي إنه يأسف لذلك، مشددا على أن للاتحاد حرية تحديد مواقفه. ورفض الربط بين صفته الراهنة كقيادي بحزب سياسي ذي صبغة اجتماعية وبين صفته السابقة كنقابي وأمين عام مساعد باتحاد الشغل. 

وشغل البريكي في 2011 منصب أمين عام مساعد باتحاد الشغل وناطق رسمي باسمه.
ومن بين المقاطعين للحوار الاتحاد العام التونسي للشغل، وأحزاب آفاق تونس الليبرالي والمسار والوطنيين الديمقراطيين الموحد اليسارييْن وائتلاف صمود، في حين حضر الاجتماع التمهيدي ممثلون عن عدد من الأحزاب كحركة الشعب والتيار الشعبي وحركة تونس إلى الأمام وتونس أولا، إضافة إلى ممثلي منظمات وطنية كالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد التونسي للمرأة وبعض الشخصيات المستقلة.
وأشار البريكي إلى أن اجتماع السبت كان مناسبة لرفع الالتباس عن العديد من المسائل المتعلقة بالدستور المرتقب حيث تروج بعض أطراف المعارضة أن "الدستور جاهز والحوار الوطني صوري"، وهو ما نفاه البريكي بشكل قطعي.
وهو أيضا ما أكد عليه وزير أملاك الدولة السابق حاتم العشي في تصريح لـ"ميدل إيست أونلاين" مشيرا إلى "عدم وجود مسودة لدستور جاهز." وقال إن المشاركين في الاجتماع سيقدمون مقترحاتهم في أجل لا يتجاوز 72 ساعة.
وذكر المحلل السياسي هشام الحاجي في وقت سابق لوكالة الأناضول التركية أن "الأطراف التي يمكن أن تساهم في حل الأزمة الراهنة موجودة خارج الحوار سواء وقع استبعادها بشكل مسبق من قبل رئيس الجمهورية أو اختارت عدم المشاركة مثل اتحاد الشغل".
وأضاف أن "عدم الحوار لن يساهم في حل الأزمة الحالية، بل سيمنحها وقودا لتتعمق أكثر في ظل أداء حكومي أقل ما يقال عنه إنه متعثر ولا يتناسب مع ما تقتضيه المرحلة".

رهان المعارضة أهم من الحوار في نظرها وهو ألا يتم الاستفتاء

كما أشار إلى أنه "طالما بقيت المعارضة ضعيفة ومشتتة وغير قادرة على استقطاب شرائح أوسع من الرأي العام لصالحها لن تؤثر في المدى القريب على الرئيس، خاصة وأنه من الناحية الواقعية والقانونية والدستورية له متسع من الوقت لأن عهدته تنتهي في تشرين الأول/ أكتوبر 2024".
واستطرد الحاجي قائلا "المعارضة رهانها أهم من الحوار، وهو ألا يتم الاستفتاء على الأقل بهذا الشكل وفي هذا التاريخ، ولا يتم تمرير دستور دون مشاركتها".
وأصدر الرئيس التونسي في الـ26 من أيار/ مايو الماضي مرسوما نُشر بالجريدة الرسمية (الرائد الرسمي) لدعوة الناخبين إلى التصويت في استفتاء على دستور جديد للبلاد في 25 يوليو/ تموز المقبل.
ووصفت الفنانة المسرحية المعروفة ليلى طوبال، وهي إحدى المشاركات في الحوار الوطني، في تصريح لـ"ميدل إيست أونلاين" اجتماع السبت بأنه "كان مفعما بحرية التعبير عن الرأي"، معربة عن تمسكها بحقها في تقديم مقترحات مكتوبة للجنة "من أجل تونس جديدة تستجيب لمطالب الثورة وتحترم الجميع".
وكان لافتا للانتباه حضور القيادي السابق بحركة النهضة عماد الحمامي الذي وجه انتقادات لاذعة لرئيس الحركة راشد الغنوشي عقب 25 يوليو الماضي، محملا إياه مسؤولية إغراق البلاد في العديد من الأزمات، فتم فصله من النهضة بقرار من مكتبها التنفيذي الذي يرأسه الغنوشي.

وتمت دعوته للحوار الوطني بشكل شخصي لا لتمثيل النهضة المقصاة أصلا من الحوار لأن رئيس الجمهورية يرى أنها "من الذين باعوا أنفسهم ولا وطنية لهم" الذين يجب ألا يشملهم الحوار الوطني.