الذكرى الثانية عشرة للحادي عشر من فبراير حتمية التقييم وضرورة المرحلة

لو عاد الزمن إلى الوراء لربما أعاد أنصار ومعارضو تغيير 2011 النظر في مواقفهم يومها.

بعد اثني عشر عاما من الحادي عشر من فبراير 2011، وفي ظل هذه اللحظة الحرجة التي يمر بها اليمن، وبعيدا عن جدلية من يرى الحادي عشر من فبراير ثورة أو من يراه نثرة وفوضى عارمة، ينبغي بكل وضوح وبلا مواربة وبكل شجاعة أن نسأل أين كان الإخفاق؟ وأين كان النجاح؟ ولماذا انحرف الصراع من صراع سياسي لحرب ضروس وانقلاب حوثي مشؤوم نسف العمل السياسي ودمر مؤسسات الدولة، وقوض التوافق الوطني، وفتح الباب للتدخلات الخارجية ومصادرة قرار وسيادة اليمن؟

اثنا عشر عاما كافية لعمل جردة حساب موضوعية ومنطقية، بعيدا عن العاطفة أو الانفعالات السياسية والشطحات النضالية كي لا تتصلب مواقفنا عند تلكم اللحظة، بينما الأحداث تتجاوزنا فارضة علينا خطوط سير، أخذتنا بعيدا عن تطلعاتنا وطموحاتنا التي تبخرت جراء العواصف التي عصفت بالمشهد السياسي اليمني، التي حولته لصراع خشن معقد ومتشابك، سفكت فيه دماء كثيرة وطرأت فيه رؤى وأفكار وتصورات مختلفة تقتضي منا إعادة التقييم بكل شجاعة وتجرد في منأى عن أي مواقف مسبقة.

أكاد أجزم بأن الزمن لو عاد بأنصار ومعارضي الحادي عشر من فبراير للوراء، لما قبل 21 من سبتمبر 2014 لكانت مواقفهم غير التي كانت عليه، ولعدلوا من توجهاتهم، ولخففوا من حدة الاحتقان بينهم، ولقدموا كل منهم للآخر تنازلات كبيرة تقطع الطريق على ما كان يدبر ويمر عبر المناكفات والكيد والتآمر الذي استغلته الميليشيات الحوثية، ووجهت من خلاله ضربة قاصمة للجميع أنصار الحادي عشر من فبراير أو معارضيه.

انقسم النظام السياسي بفعل الحادي عشر من فبراير، وتوزع بين جناح مؤيدي فبراير المكون من أحزاب اللقاء المشترك وبعض القوى القبلية وجزء من الجيش، وجناح الحزب الحاكم وبعض القوى القبلية والأجهزة الأمنية والعسكرية المساندة له، الأمر الذي حول الحادي عشر من فبراير لأزمة سياسية وجعل الإقليم والمجتمع الدولي، يضع حلولا لها، توجت بما أطلق عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهو ما حول الصراع من الساحات والميادين والمسيرات والاعتصامات لصراع سياسي خشن وعنيف، باستخدام الدولة وأدواتها ومؤسساتها، نتج عنه بعد حوالي ثلاث سنوات وسبعة أشهر انهيارها وانقلاب المليشيات الحوثية على كل التوافقات الوطنية التي جاء بها الحادي عشر من فبراير، بما فيها مخرجات الحوار الوطني.

اللحظة العصيبة التي يمر بها اليمن والمخاطر التي تهدد حاضره ومستقبله تستدعي طي صفحة الماضي وتجاوز المناكفات، وحرص كل طرف من الأطراف المؤيدة أو المعارضة للحادي عشر من فبراير تحميل المسؤولية الطرف الآخر عما آلت إليه الأوضاع. فالكل ليس بمنأى عن تحمل المسؤولية سواء بسواء، من استخدم نفوذه وما يمتلكه من جزء من السلطة تحت تصرف مليشيات الحوثيين نكاية بخصومه السياسيين، أو من استغل هيجان الجماهير وتوقها لتغيير حقيقي يلبي تطلعاتها ويحسن مستوى معيشتها لإسقاط الحزب الحاكم آنذاك دون قراءة فاحصة للمؤثرات الداخلية اليمنية المتشابكة والمعقدة والمتناقضة في ذات الوقت، في مشهد تراكوميدي قدم في السلطة وقدم في المعارضة، ودون رؤية ثاقبة للمؤثرات الإقليمية والدولية ودورها الكبير في رسم الأحداث في الداخل اليمني وتوجيهها والتحكم بالمشهد السياسي اليمني، مستندة لقبول أطراف التقاسم السياسي السلطوي الانتقام من الآخر، ما فتح شهية الخارج العبث بالمرحلة الانتقالية وإخراجها من طور الصراع بأدوات السياسية، لطور الصدام والعنف المسلح، الذي توسع لانقلاب المليشيات الحوثية ضد الدولة بأبعاد وأجندة إقليمية ودولية.

تقتضي الضرورة الوطنية لاسترداد وطن يتلاشى ويندرس، ولاستعادة جمهورية مصادرة وقرار الوطني مسلوب، مغادرة مربع الجدل حول الحادي عشر من فبراير والخروج من دائرة المكايدات وتصفية الحسابات التي ساعدت بشكل كبير في إفساح الطريق لانقلاب 21 سبتمبر 2014، فالكل في دائرة الاستهداف، ولن يكون أحد بمنأى عن عاقبة تفريطه بالثوابت الوطنية وقيم وأواصر العمل السياسي المشترك.