السعودية تبدأ أولى محطات رحلة الحج بالتأهب لـ'أسوأ السيناريوهات'

السلطات السعودية تحضّ الحجاج على ملازمة الخيام في ذروة يوم عرفة لمواجهة الحر الشديد.

منى (السعودية) - في أكبر مدينة خيام في العالم، على مقربة من مكة المكرمة، يستعد طاقم مستشفى سعودي لاستقبال حالات الإجهاد الحراري التي تتزايد مع أداء الحجاج للمناسك هذا الأسبوع، في ظل درجات حرارة خانقة.

ويُعد مستشفى طوارئ مِنى واحدا من 15 مرفقا مشابها، إلى جانب توفير أكثر من 900 سيارة إسعاف، و11 طائرة إخلاء، و71 نقطة طوارئ، وأكثر من 7500 مسعف، كلها تعمل لبضعة أسابيع فقط في السنة خلال موسم الحج الذي شهِد العام الماضي وفاة أكثر من 1300 شخص بسبب الحر في البلد الصحراوي.

وتعزز الوزارة استخدام التقنيات الصحية من خلال "مستشفى صحة الافتراضي" الذي يتيح تقديم الاستشارات الطبية عن بُعد.

وتبذل السلطات السعودية جهودا كبيرة تفاديا لتكرار كارثة 2024، حين توفي 1301 حاج مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 51.8 مئوية، لذلك عزّزت تدابيرها للتخفيف من آثار الحرارة الشديدة.

ومنذ بداية موسم الحجّ هذا العام، سجلت السلطات السعودية 44 حالة إجهاد حراري.

وبحسب ما أكّد وكيل وزارة الصحة السكانية عبدالله عسيري لوكالة فرانس برس، فإن التركيز هذا العام ينصبّ "على الظروف المرتبطة بالحر لأن الحج يتزامن مع حرارة شديدة".

وقال عسيري إن المستشفى الذي يعج بالموظفين ولم يستقبل أي حالات بعد، يندرج في إطار جهود المملكة للاستعداد لـ"أسوأ سيناريو" عند بدء الحجاج أداء المناسك.

ومن المتوقع أن تتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية مع انطلاق أحد أكبر التجمعات الدينية السنوية رسميا الأربعاء، والذي يأتي في إطاره مسلمون من الجنسيات كافّة.

وفي الأيام الأخيرة، بدأ الحجّاج يتوافدون إلى مكة المكرمة، متحدّين الحر الشديد. وحتى يوم الأحد، وصل أكثر من 1.4 مليون شخص إلى السعودية لأداء فريضة الحجّ، وفق المسؤولين.

وتُعد منظومة التبريد داخل الحرم المكّي الأكبر من نوعها في العالم، ويتم تنقية هواء التكييف داخل المسجد الحرام 9 مرات يوميا، وفق التلفزيون السعودي الرسمي. لكن في الخارج، لا مفرّ غالبا للحجّاج من الشمس الحارقة.

البعض يرتدي قبّعات أو يحمل مظلات، بينما يمشي آخرون من دون أي حماية من الشمس، مثل الفلسطيني رباح منصور البالغ 70 عاما الذي قال إنه بعد حياة قضاها في العمل في الهواء الطلق كمزارع، "لا يزعجني الحر".

وشرح منصور والعرق يتصبب على وجهه "أعيش في القرية، لهذا لا يؤثر عليّ الحرّ كثيرا، وأتأقلم مع الجو".

وقد يغلب الحماس على كثيرين عند أدائهم مناسك الحجّ، إلا أن عسيري حذّر الحجّاج من تعريض أنفسهم لظروف قاسية بدون داع.

ومن جهته، رأى بدر الشريطة وهو حاجّ فلسطيني أيضا أنه بقدر ما تزداد المشقّة بقدر ما يكبر الأجر، قائلا لفرانس برس "كما ترون، نتصبب عرقا، الحمد لله رب العالمين. الأجر يتطلب مشقّة".

وأشار عسيري من وزارة الصحة إلى حشد 50 ألفا بين عاملين في مجال الرعاية الصحية وموظفين إداريين، وهو عدد يتجاوز بكثير أعداد السنوات الماضية.

وأضاف أن "الطاقة الاستيعابية هذا العام زادت بأكثر من 60 في المئة مقارنة بالعام الماضي"، وتم توفير أكثر من 700 سرير مستشفى مجهزة بمراوح لعلاج الإصابات الشديدة من الحر.

وفي العام الماضي، عالج الطاقم الطبي 2764 حاجّا من الإجهاد الحراري وحالات أخرى مرتبطة بالحر، وفق وزارة الصحة السعودية.

ويبقى السيناريو الأفضل تجنب دخول المستشفى من الأساس، ولهذا أُنشئت 71 نقطة طبية طارئة موزّعة حول المشاعر المقدسة في مكة المكرمة، مع التركيز على "علاج المرضى ميدانيا قبل تدهور حالتهم"، بحسب ما شرح عسيري.

وفي اليوم الثاني من الحج، يتوجه الحجّاج إلى جبل عرفات، حيث يمضون النهار في الصلاة والدعاء.

وشرح عسيري أن معظم الأمراض الناتجة عن التعرض للحر في يوم عرفة سببها اعتقاد الناس بأن عليهم البقاء تحت الشمس، مضيفا "ليس على الحجّاج البقاء خارج خيمتهم في عرفة، لأنه أمر محفوف بالمخاطر".

ودعت السلطات السعودية الحجاج، الثلاثاء، إلى التزام خيامهم خلال فترة النهار من يوم عرفة الذي يصادف الخميس، في ظل ارتفاع متوقع في درجات الحرارة.

وبحسب وسائل إعلام محلية، طلب وزير الحج توفيق الربيعة من الحجاج عدم مغادرة خيامهم بين الساعة العاشرة صباحا والرابعة بعد الظهر في يوم عرفة الذي يعد الركن الأعظم في مناسك الحج.

وفي وقت سابق، صرّح الربيعة لفرانس برس بأنه تم نشر آلاف المراوح والرذاذات وأكثر من 400 وحدة تبريد مائية خلال أيام المناسك ، مشيرا إلى توسع المساحات المظللة بنحو 50 ألف متر مربع، كما وُضع الآلاف من الكوادر الطبية في حالة تأهب.

وأقامت السلطات ممرات مُبرّدة للمشاة، بما فيها مسار اكتمل حديثا بطول أربعة كيلومترات يؤدي إلى جبل عرفات.

ويتجمع الحجاج في اليوم المذكور على التلة البالغ ارتفاعها 70 مترا وفي السهول المحيطة بها لساعات من الدعاء وتلاوة القرآن، ويمكثون هناك حتى المساء. ويكاد المكان يخلو من الظلال، ما يعرّض الحجاج لأشعة الشمس الحارقة مباشرة ولساعات طويلة.

وحذّرت وزارة الصحة في بيان منفصل نقلته وسائل إعلام سعودية من "تسلّق الجبال أو المرتفعات في يوم عرفة"، لما يسببه من "إجهاد بدني شديد يزيد من احتمال التعرض للإجهاد الحراري".

وتنطلق مناسك الحج رسميا الأربعاء، في أحد أكبر التجمعات الدينية السنوية في العالم، وسط توقعات بتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية.

وتتدفق جموع حجاج بيت الله الحرام مع إشراقة صباح الأربعاء الرابع من يونيو/حزيران الجاري إلى صعيد مشعر "مِنَى" غربي السعودية، لتبدأ أعظم رحلة إيمانية لدى مسلمي العالم، والتي تخوضها حشود من ضيوف الرحمن بأشواق ودموع وآمال وتكبيرات وترتيبات ضخمة أعدتها المملكة.

وسيقضى ضيوف الرحمن على صعيد مِنَى "يوم التروية" أولى محطات مناسك الحج التي تتواصل على مدى 6 أيام.

وحشدت المملكة أكثر من 40 جهة حكومية و250 ألف موظف، في جهود مضاعفة للتصدي لمخاطر الإجهاد الحراري بعد موجة الحر القاتلة التي شهدها موسم 2024.

وشكّلت الوفيات في صفوف الحجّاج العام الماضي علامة واضحة على الخطر الكبير الذي سبّبه الحر الشديد في العام 2024، والذي أكثر السنوات حرّا على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب مرصد كوبرنيكوس الأوروبي.

وقال عبدالمجيد عاطي الذي أتى من الفيليبين إن "الحرارة شديدة للغاية، لكن هناك فترات نكون في الداخل المسجد الحرام، فيكون الجو باردا نظرا للبلاط والمكيّفات"، مضيفا "نعتبر هذا تحدّيا واختبارا لأخلاقنا".