السوداني يسعى إلى تبديد المخاوف بشأن التعداد السكاني
بغداد - حثّ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اليوم الأربعاء مواطني بلاده على المشاركة في التعداد العام السكاني، داعيا إلى عدم الالتفات إلى الشائعات التي تهدف إلى إفشاله، ساعيا إلى تبديد المخاوف من إدخال تغييرات على التركيبة الديمغرافية في المناطق المتنازع عليها.
ودعا السوداني خلال إدلائه بالمعلومات الخاصة به وأسرته لدى استقباله فريق التعداد العام للسكان إلى التعاون مع فرق الإحصاء وتقديم معطيات صحيحة ودقيقة، مشددا على أهمية قاعدة البيانات الناتجة ودورها الحاسم في خطط التنمية وتطوير الخدمات، وفقا لبيان صادر عن مكتبه الإعلامي علامي.
وبدأ سريان حظر التجوال في جميع محافظات البلاد فجر اليوم الأربعاء مع انطلاق التعداد الذي يجرى للمرة الأولى منذ أربعة عقود بعدما حالت حروب وخلافات سياسية شهدها البلد متعدد الإتنيات والطوائف دون ذلك.
ويثير تنظيم الإحصاء في كل أراضي العراق للمرة الأولى منذ 1987، مخاوف سياسية وقومية في البلد خصوصا بشأن مناطق شمالية متنازع عليها تاريخيا بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ 1991.
ويترقب البلد الغني بالنفط نتائج هذا التعداد، لا سيّما لأسباب تتعلق بالميزانية. ويقيم في العراق الذي عرف عقودا من النزاعات والعنف، أكثر من 44 مليون شخص 40 بالمئة منهم يبلغون 15 عاما أو أقلّ، بحسب آخر التقديرات الرسمية.
وسيشمل الإحصاء للمرة الأولى منذ العام 1987 المحافظات العراقية الـ18، بعدما أُجري سنة 1997 تعداد استثنى المحافظات الثلاث التي تشكل إقليم كردستان.
ويُحظر على سكان البلاد، من عراقيين وأجانب التنقل الأربعاء والخميس إلّا في حالات الضرورة، للسماح لما يزيد عن 120 ألف باحث ميداني بزيارتهم لجمع بياناتهم الشخصية والعائلية.
وتضمّ الاستمارة أسئلة حول عدد أفراد الأسرة ووضعهم الصحي والتعليمي والمهني والاجتماعي، بالإضافة إلى مقتنياتهم من وسائل نقل وأجهزة منزلية، بهدف تحديد مستواهم المعيشي.
وطالبت أحزاب مسيحية بإدراج "خانة الانتماء القومي للمسيحيين" بعد خانة الديانة في الاستمارة التي تضم أربع قوميات هي الكلدان والآشوريين والسريان والأرمن.
وأُرجئ الإحصاء هذا مرات عدة بسبب خلافات سياسية في العراق الذي عرف نزاعات بينها حرب طائفية بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في 2014 على أجزاء واسعة منه.
لكن في السنوات الأخيرة، يسود البلد استقرار نسبي، على الرغم من تزعزع التوازنات خلال عقدين من العنف، جرّاء هجرة آلاف المسيحيين وفرار عشرات آلاف العائلات الأيزيدية من سنجار جرّاء سيطرة التنظيم المتطرف.
وتجري وزارة التخطيط العراقية الإحصاء بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي يرى في العملية أداة مهمة لـ"تزويد العراق بمعلومات ديموغرافية دقيقة وتسهيل عملية صنع السياسات الفعالة".
وأكّد المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أن "غياب التعداد كل هذه السنوات خلق لنا فجوة كبيرة من الحاجة إلى البيانات حول المشكلات التي تكتنف التنمية والخدمات في مجال الصحة والتعليم والسكن".
من جهته، يقول المحلل السياسي علي البيدر إن "هذا التعداد يفترض أن يكون أكثر واقعية من كل عمليات الإحصاء السابقة وسيتيح إدارة أفضل لمؤسسات الدولة لأن معظم الأرقام اليوم هي تخمينات أو تقديرات".
ويرى الخبير السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية حمزة حداد أن "التمثيل البرلماني سيتغيّر" تبعا لنسبة السكان في كل منطقة.
وينصّ الدستور العراقي على أن يكون لكل 100 ألف عراقي نائب يمثلهم في البرلمان، لذلك "يجب تعديل الأعداد حين يوجد إحصاء رسمي".
وتضمّ استمارة التعداد سؤالا عن الديانة من دون الطائفة، وكذلك دون القومية التي كانت مطلوبة في الإحصاءات الماضية.
ويشير حداد إلى أن الإحصاء هذه المرة "يفتقر إلى تفاصيل أساسية ربما من أجل إرضاء جميع الأطراف للسماح أخيرا بإجراء التعداد".
وتعذر إجراء التعداد لسنوات طويلة بسبب خلافات سياسية حول مناطق متنازع عليها خصوصا بين العرب والأكراد بالإضافة إلى التركمان في شمال البلاد أبرزها محافظتَا كركوك ونينوى. ولطالما شكّلت محافظة كركوك التي يطالب بها الأكراد والعرب، نقطة توتر محورية.
ويطرح فهمي برهان رئيس هيئة المناطق الكردستانية خارج إدارة إقليم كردستان، وهي هيئة تابعة للإقليم ومسؤولة عن متابعة المناطق المتنازع عليها، مخاوف تساور سكان الإقليم.
ويقول "إذا درسنا تعدادا تلو الآخر، نجد أن عدد الأكراد في المناطق الكردية خارج إقليم كردستان آخذ في التناقص"، مضيفا "في كركوك وخانقين وسنجار، يتناقص الأكراد ويتزايد العرب".
ويلفت إلى أن هؤلاء السكان يتخوّفون بشكل أساسي من تغيّر ديموغرافي، خصوصا بعد "بناء تسعة أحياء عربية خلال الأعوام السبعة الماضية" جرّاء فرار عرب من مناطق أخرى في البلد بسبب نزاعات.
ويوضح أن هذا الأمر "لا يساوي أبدا النمو الطبيعي لسكان" كركوك، مؤكدا أن اجتماعا مع السوداني "خفّف بعضا من قلقنا وقدّم لنا الوضوح" حول طيّات التعداد.
وفي هذه المناطق، وافقت بغداد على تسجيل المتحدّرين من العائلات التي كانت مقيمة فيها أثناء تعداد العام 1957، تفاديا لتأثير الأعداد الناتجة عن موجات الهجرة اللاحقة على التوازن الديموغرافي. وسيُسجّل الوافدون الجدد في مناطقهم الأصلية.
ويلفت حداد إلى أن الحساسية المرتبطة بالمناطق المتنازع عليها "ليست فقط وليدة سياسة التعريب في عهد الرئيس السابق الراحل صدام حسين، بل أيضا عكس هذه السياسة وتحويل مناطق متنازع عليها بعد 2003 إلى كردية".
ويؤكد أن مخاوف تنتشر في صفوف السياسيين الأكراد بشأن الديموغرافيا خصوصا في الإقليم، لافتا إلى أن "الميزانية الاتحادية موزّعة بحسب نسبة السكان وتحديث هذه الأرقام قد يؤثر على حصة كردستان العراق".