السيناريو والاقتباس والصوت والصورة في الفيلم السينمائي

'كتابة القصة والسيناريو – أساسيات وحرفيات' للمخرج المصري علي بدرخان يوضح أن الاقتباس هو القدرة على خلق الوضع المناسب أو الملائم عن طريق التغيير أو التعديل أو تحوير شيء لخلق تغيير في البناء والوظيفة والشكل.

قام الفن السينمائي العربي، في بدايته، على فكرة الاقتباس من أعمال الآخرين وخاصة الأعمال الأجنبية، وفي كتابه "كتابة القصة والسيناريو – أساسيات وحرفيات" للمخرج المصري علي بدرخان، يوضح أن الاقتباس هو القدرة على خلق الوضع المناسب أو الملائم عن طريق التغيير أو التعديل أو تحوير شيء لخلق تغيير في البناء والوظيفة والشكل.

مصادر الاقتباس ومشكلاته

ومصادر الاقتباس كثيرة منها: القصص والروايات والمسرحيات والأساطير والقصص الشعبية وحكايات الأطفال والصحف اليومية والمقالات والأحداث وملفات الشرطة والقضاء والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية وقضايا حقوق الإنسان والتاريخ.

ويتوقف مخرج فيلم "الرغبة" عند مشاكل الاقتباس، ومنها التعقيد النسبي، ومشاكل الإعداد السينمائي، فقد تحتوي القصة على مادة أكثر مما يمكن أن يحتويها فيلم، لذا ينبغي أن يكون كاتب السيناريو على مستوى عالٍ من القدرة الانتقائية في اختيار ما يبقيه وما يحذفه.

أيضا من مشكلات الاقتباس، الزمن الماضي القصصي مقابل الزمن الحاضر السينمائي، ومشكلة الطول، وضغط الزمن وتكثيفه سينمائيا مقابل التلخيص القصصي، ومشكلة تلخيص ماضي الشخصية، وغيرها من العوامل التي تؤثر في إعداد القصص للسينما.

ويشير بدرخان إلى الاعتبارات التجارية التي تلعب دورًا بالغ الأهمية في تحديد ما إذا كانت قصة من القصص تحول إلى فيلم أم لا، فالقصة التي تحرز رواجًا واسعًا، وأن نسبة كبيرة من الجمهور تعلقت بها، من أسباب اختيارها لإنتاجها.

كما يوضح مخرج فيلم "شيلني واشيلك" أن الإعداد السينمائي للمسرحية تتضاءل فيه مشاكل الطول ووجهة النظر إلى أدنى حد، فقلما يزيد زمن العرض الفعلي لمسرحية ما على ثلاث ساعات. أما الاختلاف في وجهة النظر فيتضح في أن رواد المسرح ملتزمون بوجهة نظر منفردة لأنهم مضطرون للبقاء في مقاعدهم، بينما السينما تتنوع وجهات النظر التي نرى الأحدث من خلالها. ذلك أن القوة الدافعة للمسرحية تختلف تماما عن مثيلتها للفيلم، والاقتباس من المسرحية إلى الشاشة يتطلب فصلها عن تقاليدها وقيودها، وتفتحها لسيل جارف من الحركة ومن المناظر. وعلى ذلك فالمسرح مقيد والسينما طليقة.

وعن فن كتابة السيناريو يشدد بدرخان على عدم السماح بأية كلمة أو أي فعل لا مبرر له، فلئن كانت الحياة الواقعية تجري فيها أحداث لا مبرر لها، فإن كل شيء في الفيلم يجب أن يكون مبررا حتى أدق التفاصيل. وهنا تعمل المخيلة بقوة في كتابة السيناريو الذي هو طريقة تصور (كل أو أغلب) ما نراه على الشاشة - أو نسمعه - مكتوبًا على الورق مسبقا، بطريقة فنية خاصة.

وهو يركز على هيكل البناء الدرامي للسيناريو، موضحا أن البناء هو العنصر الأكثر أهمية في السيناريو. إنه الهيكل والأساس الذي يحوي كل العناصر. مؤكدًا أن السيناريو يُكتب في الزمن المضارع، وموضحًا أن النهاية هي التي تحدد الاتجاه الذي تسير فيه القصة بأكملها. وأن الكتَّاب الناجحين في البناء الدرامي هم الكتاب المستعدون لإجراء التغييرات، خاصة إذا كان هناك تفاصيل مملة لا فائدة مباشرة منها في تكوين الفكرة الأساسية للقصة، أو ليس لها صلة بصلب الفكرة الأساسية.

ويوضح المخرج المصري أن كل صفحة من السيناريو تساوي دقيقة في الفيلم، فالسيناريو الذي يبلغ 120 صفحة سوف يتحول إلى فيلم مدته ساعتان.

سيناريو المشاهد العامة

وعن سيناريو المشاهد العامة يشير مخرج فيلم "الحب الذي كان" إلى أنه وصف نهائي لما يحدث في الفيلم، إنه يحدد ما نراه وما نسمعه من الحركة والحوار داخل إطار المنظر. إنه القصة بعد صياغتها في الشكل الذي يمكن طاقم التنفيذ أن يؤدوا مهامهم، كل منهم في مجال تخصصه، كما يمكن الممثلون أن يمثلوه. وذلك من خلال عملية التجسيد البصري، أو التجسيد من خلال الصورة، استنادًا إلى أن السينما وسيط بصري، وبالتالي فإن القصص التي تروى بالشكل السينمائي يجب أن تستفيد من العناصر البصرية وإلا جاءت القصة مخيبة للتوقعات وتعجز عن الوصول إلى جمهور السينما. وهنا نتذكر القاعدة الذهبية التي تخص كتابة السيناريو، وتقول: "لا تخبرهم بل اجعلهم يرون".

المؤثرات الصوتية

وإذا كانت الصورة هي الأساس فإن الصوت يدخل كعنصر مكمل للتصميم البصري، فيمكن للصوت أن يغير المعنى البصري أو يكمله. يقول المخرج روبير بريسوف: إن الصوت يوحي دائما بصورة، رغم أن الصورة لا توحي دائما بصوت". وعليه يمكن استخدام المؤثرات الصوتية في تحديد المكان، وتحديد الزمان، وإضفاء المزاج النفسي (تقوية التأثير). وهناك الأصوات الرمزية أو المستعارة والمقصود بها الأصوات المألوفة لدى المتفرج، وصوتها يدل على مصدرها، مثلما نسمع سرينة فنعلم أنها ترمز إلى سيارة بوليس أو إسعاف تمر بالمكان، أو نسمع صوت البحر، ويجب الاهتمام بالمؤثرات الصوتية وما تنتجه من إمكانات مناسبة تماما للدراما فون، فهي لغة عالمية يفهمها الجميع، مع ملاحظة أن الصمت – في بعض المشاهد - يعتبر صوتا.

أما صوت الموسيقى في الأفلام، فهناك الموسيقى الواقعية، والموسيقى التصويرية، والأخيرة موسيقى مضافة إلى الفيلم من خارجه، إذ لا يوجد لها مصدر في مسرح الأحداث، وتعتبر عنصرًا من أهم عناصر الفيلم التي ينتج عنها تأثير وجداني، وتعطي طابعًا عاما ينسجم مع العمل في مجموعه، ويظهر هذا بوضوح في الموسيقى التصويرية الافتتاحية التي تصاحب العناوين على سبيل المثال.

الحوار السينمائي

ومن الصوت إلى الحوار وأهميته في السيناريو السينمائي، وهناك فرق بين الكلام المكتوب الذي يصل إلينا من خلال العين، والكلام المنطوق الذي يصل إلينا من خلال الأذن. مع التحذير من الحوار الزائد عن الحاجة، فكثير من السيناريوهات يتم إفسادها بالاعتماد الزائد على الحوار. والقاعدة تقول إنه كلما قصر الحوار كان أفضل، وذلك عن طريق استخدام العبارات القصيرة والحوارات المكثفة، مع توظيف فترات السكون اللازمة في الفيلم الجِدي والهزلي على السواء.

ومن وظائف الحوار أنه يدفع القصة إلى الأمام، ويوصل الحقائق والمعلومات إلى الجمهور عن القصة وحقيقتها، كما أن الحوار مرتبط بحاجة الشخصية وآمالها وأحلامها. ويكشف الشخصية، ويؤسس العلاقة بين الشخصيات، ويعلق على الفعل، ويربط المشاهد. وقد تكون لغة الحوار رمزية أو انفعالية.

الإيقاع السينمائي

أما الإيقاع فيوضح بدرخان أنه يعني تنسيق الأجواء والحركات والفترات في الفيلم، وبواسطته يمكن ترتيب المشاهد في انسجام، فنعرف أين نضع الجو المرح وأين نضع الجو الحزين في الفيلم، وكيف نقابل الحركة السريعة بحركة بطيئة، والفترة القصيرة بفترة طويلة.

والإيقاع ينقسم إلى إيقاع خارجي وإيقاع داخلي؛ فأما الإيقاع الخارجي فهو انسجام تتابع اللقطات ونسبة بعضها إلى بعض، مع مراعاة الطول والقصر والسرعة والمرح والكآبة في عرض وإضاءة هذه اللقطات، أما الإيقاع الداخلي فهو انسجام الحركات وتآلف الأصوات والموسيقى داخل نفسها.

ويوضح مخرج فيلم "نزوة" أن الإيقاع يتحقق في الفيلم عن طريق إيقاع جمل الحوار، وإيقاع المكان والجو العام، وإيقاع الشخصيات، ومن وظائفه: تقرير المزاج العام، ونقل انطباع المكان، وتقرير حالة وطبيعة الشخصية.

وعن تعريف المشهد السينمائي يوضح بدرخان أن المشهد هو الوحدة الصغرى لدراما السيناريو، وهو العنصر الأكثر أهمية، فالمتفرجون لا يذكرون من الفيلم الجيد سوى المشاهد الجيدة وليس الفيلم كله، مؤكدا أن المشهد، مثل السيناريو بأكمله، يتكون من بداية ووسط ونهاية. وأنه يجب أن تتمتع كل المشاهد في السيناريو بالحركة، والصراع الدرامي، حيث الإتكاء على القاعدة السينمائية التي تقول: "دون صراع لا توجد دراما".

ثم ينتقل المخرج علي بدرخان للحديث عن شكل كتابة السيناريو، ووصف الشخصية في السيناريو، وشكل الصفحة عند كتابة السيناريو، مبينًا أن هناك نظامين؛ النظام الأمريكي في شكل عمود واحد عريض، والنظام الفرنسي وهو نظام العمودين في الصفحة الواحدة.

ثم يتوقف بدرخان عند الفيلم الروائي القصير، وكيفية بنائه، موضحًا أن معظم الأفلام القصيرة تحتوي على بطل واحد.

أما عن كتابة سيناريو الأفلام التسجيلية، فيوضح بداية أن الفيلم التسجيلي هو فيلم مصمم أساسا ليقدم معلومات ويؤثر في المتفرج ويحثه باتجاه معين. إنه فيلم ذو رسالة، يقدم أفكارا في كل مجالات المعرفة الإنسانية، بينما يعتمد الفيلم الروائي في أغلب الأحوال على قصة من الخيال، ويتم إنتاجه بقصد الترفيه وكسب المال.

ومن مميزات السينما التسجيلية القدرة على الانتقال إلى أنحاء كثيرة من العالم لتراقب ما يجري في الحياة ذاتها وتنتقي منه ما يناسبها، إن مهمتها تصوير المنظر الحقيقي الحي والقصية الحقيقية الطبيعية.