'الشتيمة' بين الدبلوماسية والسياسة

لقد شكل نعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمبعوث الأميركي لدى الاحتلال ديفيد فريدمان حين وصفه بـ "ابن الكلب" وأنه مستوطن من عائلة مستوطنين؛ مادة غنية للتحريض من قبل الاحتلال والإدارة الأميركية ضد السيد الرئيس والفلسطينيين، على الرغم من أن الأمر كما أوضحه الرئيس يرجع لكون هذا المبعوث يستميت في الدفاع عن سياسات الاحتلال وخاصة الاستيطانية منها وكأنه من غلاة المستوطنين، وبات يتمادى في تحريف الحقائق التاريخية حول حق الفلسطينيين في أرضهم، وذلك بطريقة تنأى عن الدبلوماسية أو حقائق السياسة الواقعية، ودون تدخل يردعه من قبل الإدارة الأميركية التي أطلقت له العنان بصورة تُثير الاشمئزاز.

ثُم توالت ردود الأفعال الأميركية والإسرائيلية على النعت السابق، وأورد أخطرها هنا، حيث علق فريدمان على الشتيمة قائلا: "عباس يصفني بابن الكلب! هذه معاداة للسامية، أم خطاب سياسي؟ لن أقول شيئا وسأترك الحكم لكم". هكذا في محاولته للهروب من جرائمه في دعم الاستيطان، الأمر المحرم دولياً وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، يمعن في اتهام الرئيس بمعادة السامية!

كما سارعت إدارة ترامب إلى التنديد بتصريحات الرئيس، حيث قال جيسون غرينبلات إن "الوقت حان لكي يختار الرئيس عباس بين خطاب الكراهية وجهود ملموسة لتحسين حياة شعبه وإيصاله إلى السلام والازدهار"، على حد تعبيره، وهم الذين ناصبوا العداء للفلسطينيين وقيادتهم على الرغم من خطواتها الإيجابية تجاه مبادرة ترامب منذ لحظاتها الأولى.

فالموقف الأميركي يتراوح ما بين الاتهام والخداع، أما الموقف الإسرائيلي فيأتي أشرسه من المتهم رقم 1 لدى الاحتلال بما أعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التصريح "افتراء من عباس الذي فقد حواسه وأصيب بالصدمة جراء مواقف الإدارة الأميركية الحالية التي توقفت عن تدليل الفلسطينيين وقادتهم". وهذا في الحقيقة يُمثل شتيمة بذيئة من شخص مجرم لاستخدامه هذه الصفات التي ألحقها بشخص الرئيس والقيادة والشعب الفلسطيني.

والأن عود على بدء، كيف ننظر إلى "الشتيمة" بين الدبلوماسية والسياسة؟

إذا ما أمعنا النظر في تعريف الدبلوماسية بأنها وسيلة أو أداة سياسية تستخدمها الدولة في تمثيلها سياسياً لدى الدول والمنظمات الدولية، من أجل تسيير وتصريف شؤونها الخارجية في المجتمع الدولي.

من هنا يمكن القول بأن الدبلوماسية ترفض "الشتيمة" كوسيلة للتعبير عن موقف دولة ما مهما ساءت علاقاتها مع دولة أخرى، وهذا يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية المستقرة منذ عصور مضت إلى الأن.

ولكن مع هذه الإدارة الأميركية؛ شاهدنا خرقاً واضحاً لهذه الأعراف في تعبير مندوبة الإدارة الأميركية حين تحدثت عن سبب ارتدائها " حذاء كعب عالي " باستخدامه ضد من ينتقد سياسات الاحتلال.

ونعرف أن الدبلوماسية تُقر مبدأ المعاملة بالمثل، فلا غضاضة أن تلقى هذه الإدارة جزاء أعمالها ولو متأخراً.

أما عالم السياسة؛ فحدث ولا حرج، فإن استخدام "الشتائم" يمكن النظر إليه كأحد الأدوات المتبعة سياسياً وبكثرة وعلى المستويين الداخلي والدولي فلا فرق بين هذا وذاك، بل أن هناك "شتائم" حفظتها الذاكرة السياسية لعدد لا بأس به من كبار الساسة.

قديماً فقد شتم تشرشل-رئيس وزراء بريطانيا الراحل-عضو حزب العمال السيدة بيسي برادوك عندما اتهمته بانه ثمل في مجلس العموم، قائلاً: "انت قبيحة، وستبقين كذلك طوال العمر، بل أنا سأفوق من السكر، وستبقين قبيحة مهما حاولت".

وحديثاً؛ وفي العام 2009 أهان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند ثلاث حلفاء لفرنسا مرة واحدة حيث قال للرئيس الاميركي بانه غير كفء لاتخاذ القرارات، ولرئيس الوزراء الاسباني بانه ينقصه الذكاء وللمستشارة انجيلا ميركل بانها لا تفهم الازمة المالية العالمية.

وأما مع الإدارة الأميركية الحالية، فقد تراشق ترامب مع منافسته هيلاري كلينتون حيث ظهرت عبارات وتهم عنصرية وصفت بالأقذر في التاريخ السياسي الأميركي، حيث وصف ترامب كلينتون بأنها "الكاذبة والوقحة والعنصرية وأضاف تلميحات جنسية"، في حين جاء الرد قاسياً بجملة من الشتائم والتقريع من قبل أوباما وهيلاري على ذلك.

وأخيراً؛ فقد أظهر العلم الحديث دراسة بريطانية غريبة وطريفة، تتمثل بان استخدام الشتائم حتى اللاذع منها، له تأثير ایجابي لأراحة جسم الانسان، ومسكن للآلام وان الفرد یشتم ویسب بالفطرة، وذلك رد فعل على مؤثرات خارجية معینة؟

فهل لإحد أن يعيب الموقف الفلسطيني؟