هل يجب معاقبة أستراليا؟

ردود فعل فاترة على قرار أسترالي مثير.

في مقال سابق بعنوان "غفلة دبلوماسية" تحدثت عن نية رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون عن نيته نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وذلك في محاولة لكسب أصوات اليهود في الانتخابات العامة في أستراليا، واسترضاءً لسيد البيت الأبيض، ولكن هناك من يعتبر أن الدوافع الحقيقية وراء تصريح موريسون هو ميوله الدينية؛ فهو ينتمي للتيار المسيحي ـ الإنجيلي، إضافة لكونه سياسي شعبوي، يميني فظ. وقد حذرت الجارتان إندونيسيا وماليزيا حينها الحكومة الأسترالية من عواقب مثل هذه الخطوة التي تمس بمشاعر ملايين المسلمين في العالم.

ولكن رئيس الوزراء موريسون مضى في غيه وأصدر قراراً يوم السبت الماضي يقضي بالاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل والشروع بفتح مكتب مكلف بشؤون الدفاع والتجارة في القدس، لكنه قال: "إن بلاده لن تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس إلا بعد تسوية سلمية مع الفلسطينيين"، وأضاف "إن أستراليا تعترف أيضا بتطلعات الفلسطينيين إلى إقامة دولة عاصمتها في القدس الشرقية".

ولعله من المهم أن نبين بعضاً من ردود الأفعال السياسية على هذا القرار والتي جاءت متباينة!

ومن الطبيعي أن نبدأ هنا بموقف الجارتين إندونيسيا وماليزيا، اللتين بادرتا منذ البداية في تحذير أستراليا من القيام بهذه الخطوة، ومن ثم رفضتا بشكل حزم وصريح القرار السابق وعبرتا عن غضبهما وأنهما قد أخذتا علماً به.

كما اعتبرت منظمة التعاون الإسلامي اعتراف أستراليا، خطوةً غير قانونية وتشكل انتهاكاً لقرارات الجمعية العامة، ومجلس الأمن الدولي ذات الصلة، لاسيما القرار رقم 478 الذي ينص على دعوة الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب هذه البعثات من المدينة المقدسة. كما حذرت من تبعاتها وتداعياتها الخطيرة على المستويات كافة.

وفيما يخص الرد الفلسطيني الرافض لهذه الخطوة غير القانونية، فقد عبر عنها وزير الخارجية د. رياض المالكي حيث بين "أن قرار أستراليا الخاص بالاعتراف بالقدس الغربية، لا يتعارض مع المفهوم الإسرائيلي أن القدس بشرقيها وغربيها هي إسرائيلية وموحدة تحت سيادتها، بينما هذه الصيغة مرفوضة فلسطينياً، لأنها لم تتحدث عن نفس وضوح الاعتراف المطلق والقوي بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وإنما تحدثت عن تطلعات الفلسطينيين، ومفهوم التطلعات في القانون الدولي، لا يحمل أي ثقل قانوني أو إلزام سياسي، بينما ذهب الإعلان الأسترالي إلى ما هو أبعد وأخطر، ويتماهى تماما مع ما يشاع عن المخطط الأميركي الذي ينوي إعطاء عاصمة للفلسطينيين في القدس الشرقية، وليس كون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين".

أما بشأن الدول العربية، فقد أدانت جامعة الدول العربية بشدة الإعلان والقرار الذي اتخذه رئيس وزراء استراليا باعترافه بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، واعتبرت أنه يشكل انتهاكاً خطيراً للوضع القانوني الدولي الخاص بمدينة القدس ولقرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن ذات الصلة واعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني.

ومن المهم التذكير بأن موريسون بعد أربعة أيام من قيامه بهذه الخطوة السياسية التي رفضتها الجامعة العربية قد قام بزيارة رسمية للعراق والتقى خلالها نظيره العراقي عادل عبدالمهدي دون أي إشارة إلى موضوع القدس!

كما جاء رد الفعل الأغرب من البحرين، إذ اعتبر وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، السبت الماضي "أن اعتراف أستراليا بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، لا يمس المطالب الفلسطينية المشروعة وأولها القدس الشرقية عاصمة لفلسطين ولا يختلف مع المبادرة العربية للسلام والجامعة العربية سيدة العارفين".

ووصف آل خليفة الإدانة العربية بأنها "كلام مرسل وغير مسؤول"، وفق ما أورده في حسابه على موقع توتير.

والغريب أن تل أبيب قد عبرت عن خيبة أملها من الإعلان الأسترالي، حتى أن ناتنياهو قد امتنع عن التعبير عن رأيه في هذا الأمر حيث اكتفى بالقول: ” ليس لديّ شيء لأضيفه، سنناقش القرار في وزارة الخارجية”، بينما كان رأي الوزير تساحي هنغبي بأن أستراليا رغم كونها صديقة حميمة لإسرائيل منذ سنوات، إلا أنها أخطأت في هذا القرار".

من هنا يمكن القول إن قرار رئيس الوزراء الأسترالي يعتبر شكلاً صريحاً من "الدبلوماسية السلبية" والتي تعمل على إثارة مشاعر الأخرين، فهذا السياسي الشعبوي ذو الميول الدينية المتطرفة لا يهمه إلا أصوات الداعمين لسياساته الخاصة في مواجهة المعارضة الداخلية، وهو يفتعل ذلك بإثارة مشاعر المسلمين!

لذلك يكون من الواجب معاقبة أستراليا على هذا الأجراء المخالف للقانون والشرعة الدولية كما بينته المواقف المسؤولة الصادرة عن فلسطين والمنظمات الدولية، لأنه يدفع المنطقة إلى مزيد من التوتر والنزاع، ويُشكل سابقة لدول أخرى كي ترتكب مثل هذه الجريمة أن مضت دون عقاب.

إن الأمر يستدعي أن تمضي فلسطين في خطواتها بالتنسيق مع المنظمات الدولية والإقليمية من تحريك الدعاوى اللازمة لدى محكمة العدل الدولية والتي كان أولها ضد الولايات المتحدة بخصوص نقل سفارتها إلى القدس، كذلك من المهم حث المنظمات الدولية والإقليمية، خاصةً جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بتفعيل سلاح المقاطعة ضد الدول الخارجة عن القانون الدولي، وهو السلاح الأقوى والمناسب في هذا الشأن، وعدم الاكتفاء بالمخاطبات والمراسلات أو الشجب والاستنكار التي لن تعين هذه المنظمات والدول المنضوية تحت رايتها على إثبات قيمتها على الساحة الدولية.

ولعله من المناسب ايضاً مراجعة حكومة البحرين الشقيقة بشأن التصريح غير المسؤول لوزير الخارجية والذي يسخر فيه من الجامعة العربية وقراراتها، إضافة إلى تفريطه بالقدس والمقدسات.