الشم المرئي

العلماء يسعون للوصول إلى تقنية قائمة على فكرة التغير اللوني الذي يحدث في مجموعة من الصبغات عند تعرضها لبخار المواد الكيميائية المختلفة أي للروائح.

زعموا أن نمرًا ملكًا اختبر بعض المتقدمين لشغل وظيفة الوزير، وسأل كل متقدم: هل نَفَسُ النمر أحسن رائحةً أم نَفَسُ الخنزير؟

أما الخنزيرُ فقد ادَّعى أن نَفَس النمر أحسن رائحةً، فرفض النمرُ طلَبَه، واتهمه بالمَلَقِ والنفاق.

أما الثورُ فقد قال الحقَّ، وفضَّل نَفَسَ الخنزيرِ، فرُفِضَ لأنه لا يقدِّرُ شعورَ الآخرين من حوله.

أما الثعلبُ فقد رفعَ أنْفَهُ إلى أعلى وادَّعَى أنه مصابٌ بالبردِ ولا يستطيعُ أن يشمَّ شيئا. ولذلك اختيرَ وزيرًا للنمر.

ولا يزالُ الثعلبُ يرفعُ أنفَه إلى أعلى ليخبرَ من يقابله أنَّه لا يستطيعُ أن يشمَّ. ولكنه إذا ذهب عند البحر يرى جسما بسيطا ذا رائحة نتنة يُستخرج من مياه البحر في شكل سائل أحمر سام (رمزه العلمي Br) ويُطلق عليه البروم، فيتجاوزه منطلقا إلى أماكن أخرى، ربما يشم فيها روائح زكية.

ونحن ـ أصدقائي القرّاء ـ لن نفعلَ مثل الثعلب المكَّار، وندَّعي أننا لا نشم شيئا، ولن ننافق النمرَ، فندَّعي أن نَفَسه أحسنُ رائحة، ولكننا سنقول الحقيقة مثل الثور، مقدرين ـ في الوقت نفسه ـ شعور الآخرين.

فما الرائحة؟

وما الذي يحدث للإنسان أو الحيوان عندما يشم رائحةً ما، ما الذي يحدث في المخ من عمليات معينة عندما تصل إلى أحد مراكزه أو خلاياه العصبية هذه الرائحة أو تلك، وكيف يستطيع المخ تمييز الروائح، ما بين الزكية والخبيثة، أو بين الطيبة والكريهة، وكيف تدلنا رائحة ما على أن هذه النبتة هي الياسمين، أو القرنفل، أو الثوم أو البصل، قبل أن نراها؟ أو أن هذا الطبق الموجود على مائدة الطعام به أسماك أو برتقال أو تفاح، دون أن نكشف عنه؟

كما أن هناك روائح نعرفها على الفور رغم أننا قد لا نكون رأينا المسبِّبَ لها، مثل "النفتالين"، الذي يعد واحدا من أقوى الروائح، له جسم أبيض لامع متبلر ذو رائحة قوية ونفّاذة، ويستخدم في صنع المواد الملوَّنة، وفي مكافحة العت.

إن الشمَّ من أبسط وسائل تمييز الأشياء دون رؤيتها. وكل ما حولنا من أشياء له رائحته المميزة التي يمكن التعرف عليه عن طريقها، لكن حاسة الشم الآدمية لا تستطيع تمييز كل هذا الكم من الروائح؛ فمعظم الفقاريات ذات حاسة شم أقوى من الإنسان، وهي تستخدمها في البحث عن طعامها والتعرف على أعدائها ووليفها؛ لذلك كان على الإنسان الاستعانة ببعض هذه الحيوانات في بعض الأحيان؛ لرصد الروائح التي يعجز عن رصدها (الكلاب مثلا).

ويعتقد العلماء أن هناك سبع روائح أساسية فقط يتركب منها كل الروائح الأخرى (مثلها مثل الألوان الأساسية، وهي: الأرزق والأحمر والأصفر) لكنهم لم ينجحوا بعد في تحديدها، وتتوالى التجارب العلمية في هذا الشأن، في محاولة للوصول إلى ما يعرف بـ "الشم المرئي"، وتعتمد تلك التقنية على فكرة التغير اللوني الذي يحدث في مجموعة من الصبغات عند تعرضها لبخار المواد الكيميائية المختلفة أي للروائح.

ويعتقد العلماء أن هذه الأنف الجديدة أكثر حساسية من 10 إلى 100 مرة عن أنف الإنسان في استشعار العديد من المركبات؛ ويمكن استخدامها في مصانع الأطعمة والمشروبات للكشف عن تواجد النكهات والإضافات المختلفة بالمقادير الصحيحة في تلك المنتجات أو تحديد التالف منها، وفي مصانع الروائح لكشف المنتجات المزيفة وفي أماكن تفتيش الأفراد وأمتعتهم للكشف عن وجود النباتات المحظورة أو المخدرات وذلك بمجرد تمرير الجهاز على الأمتعة.

ولكن هل تختلف رائحة الشيء الواحد من إنسان إلى آخر، بمعنى أنني أشم رائحة الخلّ، بينما الرائحة نفسها يشمها شخص آخر بطريقة أخرى، فيقول إن تلك الرائحة ليست رائحة الخل، وإنما رائحة النعناع، بينما يرى ثالث إنها رائحة المشمش .. وهكذا؟

تكمن الإجابة في الطريقة التي تُشفر بها خلايانا العصبية تلك الرائحة. فمن الشائع أن ندرك رائحةً واحدة تهيمن على أخرى. ذلك نتيجة اختلاف خلايانا العصبية في "عملية تفسير الرائحة"، وفق أستاذ العلوم البيولوجية في كولومبيا ستيوارت فيريستين.

يضيف فيريستين في تصريحات لمجلة "العِلْم" أن التأثيرات القمعية والمعززة للروائح تقع في أعماق خلايانا العصبية، وتلك التأثيرات تختلف من شخص إلى آخر، ما يؤكد اختلافنا الفريد حتى على مستوى نظمنا العصبية.

لكن السؤال لا يزال مطروحا، هل الرائحة التي أشمُّها أنا غير الرائحة التي يشمها شخص آخر لنفس الشيء؟

لو حدث هذا – ونحن نشمُّ مئات الروائح يوميا – لفسدت الآراء وتعارضت حول الواقع حولنا، وبالتأكيد هناك إجماع شمي ما على رائحة معينة، وخاصة بالنسبة للروائح الكريهة، أو التي تحمل ضررا ما. فقد يشم شخص رائحة عفونة طعام ما، على أنها رائحة طيبة ويبدأ في تناول هذا الطعام، فيصاب بنوع من أنواع التسمم.

إن نظام حاسة الشم يتعامل مع مدخلات معقدة للغاية، عادةً ما تكون خليطًا من الروائح.

وقد وجدت دراسة علمية أنه عندما نشم رائحة ما، تنقل الخلايا العصبية الحسية الشمية الأنفية إلى الدماغ نمطًا للإشارات أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا. ويتم تضخيم استجابات الخلايا العصبية الفردية داخل التجويف الأنفي أو إضعافها حال وجود روائح أخرى، وهو الأمر الذي يفسر الإدراك الشائع لرائحة واحدة في خليط من الروائح.

وتشير الدراسة إلى أن ذلك الأمر يحدث داخل الأعضاء الحسية الطرفية الموجودة في الأنف، وليس داخل الدماغ، وأن "إنجاز تلك المهمة يتطلب من الأنف استخدام عائلة كبيرة من المستقبِلات تُسمى G، وتقترن ببروتينات GPCRs التي يتم التعبير عنها في الخلايا العصبية الحسية المتخصصة الواقعة في التجويف الأنفي".

تقول موسوعة "ويكيبيديا" إن الرائحة - أو الأريج - هي الخاصية التي تمتلكها بعض المركبات الكيميائية المتطايرة في الهواء على الأرجح بتركيز منخفض جداً، والتي يدركها الإنسان أو الحيوانات الأخرى بواسطة حاسة الشم. ومن الممكن أن تكون الرائحة زكية كرائحة الورود أو العطور أو الفاكهة، وقد تكون رائحة كريهة كرائحة القمامة أو عوادم السيارات. ومعظم المواد التي تملك رائحة هي مركبات عضوية مثل "الفينولات".

وفي موسوعة "معرفة" نجد أن الروائح odor، هي مركبات كيمياوية متطايرة ناتجة من مواد طبيعية أو مصنَّعة يتحسس بها الجهاز العصبي عن طريق حاسة الشم التي تعكس الحالات الانفعالية والسلوكية للإنسان أو الحيوان. وتوجد أجهزة تقنية حديثة، حسَّاسات، تتحسس بالغازات التي تتحول إلى لون أو إشارة رقمية أو صوتية أو ضوئية أو بيانية.