الشيء ونقيضه في الهوية الأردنية الجامعة

ما هو الاردن بالنسبة للملايين من الفلسطينيين الذي يحملون جنسيته؟ وطن ثان، أم وطن مؤقت؟
اكثر من 2.5 مليون لاجئ فلسطيني في المملكة بينهم من يحملون الجنسية الاردنية
كل حديث عن الهوية الوطنية يرتبط مباشرة بالعلاقة الداخلية بين الأردنيين والفلسطينيين

دائما كان الحديث عن الهوية الاردنية مثار خلافات وغالبا اصطفافات اجتماعية وسياسية. لكن النقاش العام حاليا بشأن ما تسمى "الهوية الوطنية الجامعة" ينطوي على الشيء ونقيضه معا.
وحين تسمع ضجة الجدل عن الهويات والثقافات الفرعية في الأردن، يتبادر الى الذهن للوهلة الأولى ان المجتمع يمثل مزيجا معقدا من الأديان والطوائف والأعراق، وينبغي تذويبه في هوية جامعة. وهو ليس كذلك.
الحقيقة ان كل حديث عن الهوية الوطنية في المملكة يرتبط مباشرة بالعلاقة الداخلية بين الأردنيين والفلسطينيين ولا شيء غيرها، بما في ذلك المخاوف القائمة لدى كل منهما حول مبدأ المواطنة ومفهوم الوطن البديل.
الآن وبعد مرور مئة عام على تأسيس الدولة الأردنية، لا تزال الهوية الوطنية بحاجة الى توضيح، لكن من المؤكد ان لدى أجهزة الحكم ما يبرر طرح مسألة "الهوية الوطنية الجامعة" في هذه الايام.
المصطلح الذي هو من بنات افكار اللجنة الملكية للإصلاح السياسي، لا يمكن فهمه الا في سياق التمهيد لفكرة التكافؤ في المشاركة السياسية وخصوصا الانتخابات، بين الشرق أردنيين والأردنيين من اصل فلسطيني.
وهذا يعني افساح مجال اوسع لذوي الاصول الفلسطينية في المشاركة التي يؤمّل ان تفضي خلال السنوات القادمة الى تشكيل حكومات برلمانية عبر الاحزاب في الأردن، حيث أصول نصف السكان تقريبا من غربي النهر.
كما يعني هذا ان على ابناء العشائر والمحافظات الاستعداد لخريطة انتخابية وتمثيلية جديدة للأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، تناسب كتلتهم السكانية باعتبارهم مواطنين حسب الدستور.
من يؤيد "الهوية الجامعة" قد يتعرض لحملة تخوين بحجة انه يسعى الى تصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الأردن. ومن يعارضها يمكن اتهامه بسهولة بالإقليمية والعنصرية والكراهية.
الاتهامات المتبادلة فيها الكثير من الشحن العاطفي والوطني الذي يبعدها حينا ويقربها احيانا اخرى من الأسس القانونية والحقوقية لمفهوم المواطنة وأثره على الأردنيين من اصل فلسطيني وعلى القضية الفلسطينية برمتها.
بحسب سجلات اونروا، يوجد في الأردن اكثر من 2.5 مليون لاجئ فلسطيني بينهم من يحملون الجنسية الاردنية الى جانب حوالي ثلاثة ملايين أردني من ذوي الأصول الفلسطينية في البلد الذي يسكنه 11 مليون نسمة.
اذا كان "الوطن" مفهوما قانونيا وواقعيا بالنسبة للأردن، فإن ملايين من الفلسطينيين القادمين من غرب النهر في 1948 و1967 هم مواطنون بحكم القانون الذي منحهم الجنسية وبحكم الأمر الواقع الذي فرضه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على مدى عقود.
وإذا كان المفهوم تاريخيا وقانونيا بالنسبة لفلسطين، فإن على الأردنيين ذوي الاصول الفلسطينية العودة الى ديارهم التي احتلتها اسرائيل سواء داخل الخط الأخضر او في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولكن هل يهدأ النقاش عند هذا التبسيط مع غياب اي بوادر أمل بقيام دولة فلسطينية واي توقعات بإحياء عملية السلام، فضلا عن بحث قضايا الوضع النهائي وعلى رأسها "حق العودة"؟
صار مستقرا في الأذهان ان القضية الفلسطينية ستبقى معلقة. وبسبب عامل الزمن الذي توظفه اسرائيل منذ تأسيسها وتفرضه بالتفوق العسكري والسياسي، دخلت عملية السلام في متاهة منذ حوالي ثلاثين عاما.
مرت العلاقة بين الأردنيين والفلسطينيين بفترات مد وجزر خصوصا منذ كانت الضفة الغربية تابعة للأردن على مدى 17 عاما ثم اضطرابات ايلول 1970 الى ان قرر الملك الراحل الحسين بن طلال فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية في اواخر الثمانينات، وما تلا ذلك من إنشاء السلطة الفلسطينية وتوقيع الاردن معاهدة وادي عربة للسلام مع اسرائيل.
لا افهم على وجه الدقة مخاوف الشرق أردنيين من مخطط يتم الترويج له بين الحين والآخر، لتوطين الفلسطينيين في المملكة رغم ان ملايين منهم يحملون الجنسية الأردنية منذ عقود، وبينهم رؤساء حكومات ووزراء وعسكريون وقادة مؤسسات اقتصادية كبرى.
ولا استطيع إلا ان أجد العذر لمن يعارض او يتخوف من تأثيرات تسوية القضية الفلسطينية على المملكة، وذلك بسبب العلاقة الخاصة بين الاردنيين والفلسطينيين التي صاغتها الاعتبارات السياسية والجغرافية، والديمغرافية لاحقا.
الملك عبدالله الثاني اعلن أكثر من مرة وعلى مدى سنوات رفضه لأي مشاريع مرتبطة بالوطن البديل وتسمياته المختلفة من توطين وترانسفير وغيرها. لكن ذلك لم يكن كافيا لتهدئة القلق.
الواقع ان الخطاب الرسمي كله مرتبك بشأن العلاقة مع الأردنيين من اصل فلسطيني. فهل يعني هذا انهم سيبقوا مواطنين الى ان تُحل قضيتهم ويعودوا الى بلادهم الاصلية المحتلة، ام انهم مواطنون اكتسبوا حقوقهم وطرق عيشهم على مدى اجيال وليسوا في وارد الرحيل الى فلسطين، حتى لو حدثت "معجزة العودة"؟
ما هو الاردن اذن، بالنسبة للملايين من الفلسطينيين الذي يحملون جنسيته؟ وطن ثان، أم وطن مؤقت؟ أخشى اننا ندور في حلقة من المصطلحات والعبارات القائمة اساسا على مخطط "الوطن البديل" وافتراضاته.
ليس المخطط هو الافتراضي فقط، لكن النقاش كله قائم على الافتراضات: افتراض ان الدولة الفلسطينية قامت، ثم افتراض ان اسرائيل ستقبل بعودة أحفاد وأبناء اللاجئين الى مدنهم وقراهم، ثم افتراض ان هؤلاء سيعودون الى اراضيهم المحتلة.