العاملات الزراعيات في تونس ينتفضن بحثا عن حقوقهن
تونس - علت صيحات مئات العاملات في القطاع الفلاحي وسط تونس العاصمة خلال تجمع غاضب في وقت سابق من هذا الشهر للمطالبة بتحسين ظروف العمل وتوفير الحماية الاجتماعية والصحية والمساواة في الأجور.
ورفعت عاملات الفلاحة اللاتي قدمن من مختلف محافظات تونس مطلع مايو/أيار الجاري شعارات تصف واقعهن الصعب وتعبر عن مطالبهن منها "مسؤولون في القصور.. عاملات في القبور" و"طبق طبق المرسوم خلي حياتنا تشوف النور" و"العدالة الاجتماعية للعمالة الفلاحية" و"شاقية ومش لاقية".
وقالت فاطمة مسعودي، العاملة في القطاع الزراعي، وهي تحمل بين يديها صندوق فلفل وطماطم (بندورة) في صورة رمزية لما تجنيه يديها وبصوت يكسوه الوجع والغضب "استيقظ الثالثة صباحا نحو الحقول وأتحمل برد الشتاء وقساوته وحرارة الصيف ومرارته مقابل أجر زهيد من أجل لقمة العيش".
وبحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن 92 في المئة من العاملات في القطاع الفلاحي، أجورهن لا تتجاوز الحد الأدنى الفلاحي المنصوص عليه قانونا، ولا تتمتع 92 في المئة من العاملات بالتغطية الاجتماعية.
وطالبت فاطمة السلطات بضرورة توفير التغطية الاجتماعية والصحية لعاملات القطاع الفلاحي "اللائي يعانين التهميش منذ عقود".
أما إيناس الجلاصي، وهي صاحبة مشروع فلاحي أسسته بعد سنوات عملت فيها أجيرة، فقالت لرويترز إن العاملة في القطاع الفلاحي تتحمل مشقة العمل من أجل لقمة العيش.
وتساءلت عن دور الدولة في تحسين ظروف النساء العاملات في القطاع الزراعي وتوفير التغطية الاجتماعية التي تضمن لهن أبسط حقوقهن.
وطالبت السلطات بتسهيل الإجراءات الإدارية أمام من يرغبن في استغلال الأراضي وتشجيعهن على الاستثمار في القطاع، مشيرة إلى أن هناك آلاف الأراضي غير المستغلة.
ومن جهتها، تقول زهرة الدخلاوي (68 عاما) التي تعمل في القطاع الفلاحي منذ صغرها إنها تعايشت مع "الشقاء والتعب" ليصبحا جزءا من حياتها اليومية فرغم تقدمها في السن مازالت تسعى من أجل قوت يومها.
وأضافت بنبرة مستسلمة "عمري كله في الفلاحة، عملت منذ عقود في الحقول وتحملت سنوات من المشقة والتعب لتربية أبنائي الأربعة وتدريسهم خاصة بعد وفاة والدهم"، متابعة "الفلاحة هي أساس كل شي فإذا غابت سواعد عاملات الفلاحة غاب الإنتاج، وإذا كان هناك من يخدم البلاد بالمكتب والأقلام فنحن نخدمها بالسواعد والجهاد".
وتمثل فاطمة وإيناس وزهرة نماذج لآلاف العاملات في القطاع الزراعي في تونس ممن يكابدن من أجل لقمة العيش، وزادت فوق ظروفهن المعيشية الصعبة فواجع غير متوقعة تمثلت في فقد بعض زميلاتهن في حوادث سير.
وأخذ حراك النساء العاملات في القطاع الفلاحي يتصاعد منذ 2019 إثر فاجعة منطقة السبالة في محافظة سيدي بوزيد، حيث أدى حادث انقلاب شاحنة نقل كانت تقل عمالا بالحقول لوفاة 12 من بينهم سبع عاملات وإصابة نحو 20 آخرين.
وكان هذا الحادث سببا في التعجيل بالمصادقة على القانون 51 لسنة 2019 المتعلق باستحداث نوع نقل خاص بعاملات وعمال القطاع الفلاحي.

وقالت حياة العطار، المكلفة بملف العاملات الفلاحيات في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنه رغم وجود قانون ينظم عمل هذه الشريحة من العاملات لم تتوقف الحوادث في تونس وعدد الضحايا في ارتفاع، مشيرة إلى أنه منذ سنة 2015 إلى اليوم تم تسجيل 88 حادثا مما أسفر عن إصابة أكثر من 983 ومقتل 65.
في ما اعتبرت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أن وجود تشريعات لدعم وضعية العاملة في القطاع الفلاحي أمر إيجابي وخطوة مهمة نحو إنهاء "التشغيل الهش والوضع الصعب للعاملات الفلاحيات" لكنها تراها غير كافية اليوم في ظل عدم تفعيلها على أرض الواقع.
وفي عام 2024، صدر المرسوم رقم أربعة الذي يحدد نظام الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات، ويتضمن هذا النظام "إحداث صنف نقل خاص للعاملات الفلاحيات"، إضافة إلى ضمان حقوقهن في التأمين على المرض والتقاعد والحماية ضد الأخطار المهنية.
وتضمن هذا المرسوم أيضا آليات لتعزيز مشاركة العاملات الفلاحيات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مثل إنشاء صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات الذي يهدف إلى توفير الموارد اللازمة لضمان تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية.
وأوضحت رئيسة اتحاد المرأة التونسية أن إصدار قوانين أو أحكام لا يتم متابعة تطبيقها ولا تُدرس مدى فاعليتها أو تأثيرها إيجابا على حياة عاملات الفلاحة يبقى أمرا منقوصا لا يغير من واقع العاملات الهش.
ودعت إلى ضرورة التفاف كل الأطراف ذات الصلة من سلطة ومجتمع مدني للنهوض بوضعية المرأة العاملة في القطاع الفلاحي وتوفير ظروف عمل تحفظ كرامتها وسلامتها.