العاهل المغربي يطرح رؤيته لاستثمار الإمكانيات البحرية لأفريقيا
الرباط - تعكس دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى مراجعة استراتيجية للدور البحري الإفريقي اهتمامه بتعزيز التعاون جنوب - جنوب في إطار مقاربته القائمة على ترسيخ مكانة المملكة كبوابة حيوية للقارة، وهو ما تؤكده البرامج والمبادرات التنموية التي أطلقتها الرباط في هذا المجال وتتصدرها مبادرة الأطلسي التي تهدف إلى تسهيل ولوج دول المنطقة إلى الممر الحيوي انطلاقا من الموانئ المغربية.
وتقيم هذه التوصية الدليل على الرؤية الإستراتيجية واضحة المعالم التي تضع التعاون على أساس المنافع الاقتصادية المتبادلة في صميم الدبلوماسية المغربية، مع التركيز بشكل خاص على القارة الأفريقية.
وراكم المغرب خبرة واسعة في مجالات متعددة مثل التنمية البشرية، البنية التحتية، الفلاحة، الطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، ويحرص على مشاركة هذه الخبرات مع الدول الأفريقية التي يقيم معها علاقات وثيقة، كما يعمل على تعزيز الاندماج الإقليمي والتنمية المشتركة من خلال مبادرات ملموسة.
وقال العاهل المغربي في كلمة، تلتها نيابة عنه شقيقته الأميرة للا حسناء في قمة "إفريقيا من أجل المحيط"، التي احتضنتها نيس الفرنسية الاثنين إن "البحار والمحيطات الإفريقية، رغم غناها بثرواتها، لا تزال تعاني من الهشاشة والضعف".
وأضاف "رغم أهميتها الإستراتيجية، فإن المحيطات لا تستثمر على الوجه الأمثل، ورغم ما تمتلكه من إمكانات واعدة، فإنها لا تحظى إلا بالقليل من الحماية اللازمة"، مشددا على أن "الاقتصاد الأزرق لم يعد ترفا بيئيا، بل بات ضرورة استراتيجية".
ولفت إلى أن "الاستزراع المائي المستدام والطاقات المتجددة البحرية والصناعات المينائية، والسياحة الساحلية المسؤولة، كلها قطاعات تعد بغد أفضل، شريطة العمل على هيكلتها، وربطها ببعضها البعض والنظر إليها باعتبارها سلسة قيمة وتعزيزها بالاستثمارات اللازمة والمعايير الملائمة".
وأشار إلى أن هذا الأمر هو "جوهر الإستراتيجية الوطنية التي أرادها المغرب ويعمل على تنزيلها، باعتبارها محركا للنمو والإدماج الاجتماعي والتنمية البشرية".
وسلط الملك محمد السادس الضوء على "المشاريع المهيكلة التي أطلقها المغرب والتي كان من نتائجها، على وجه الخصوص، إعادة تشكيل المشهد المينائي الوطني، على غرار الميناء الكبير للحاويات في ميناء طنجة المتوسط، والميناءين المستقبليين الناظور غرب - المتوسط، والداخلة الأطلسي، اللذين سيستندان إلى منظومة لوجستية وصناعية ضخمة"، وفق وكالة المغرب العربي للأنباء.
وفي ما يتعلق بالتعاون جنوب - جنوب شدد على "أنه ينبغي تجميع الجهود، معتبرا أن الأمر يتعلق بتحد لا ينحصر نطاقه في المستوى الوطني، بل يشمل أيضا المستوى القاري".
وقال إن "الملكية المشتركة للمحيط الأطلسي وحدها لا تكفي، بل ينبغي التفكير في هذا المحيط بشكل جماعي وتدبيره وحمايته بشكل مشترك"، لافتا إلى أنه "لا بديل عن مقاربة إفريقية منسقة من أجل تحسين سلاسل القيمة البحرية، وتأمين الطرق التجارية، والظفر بحصة أكثر إنصافا من الثروة المحيطية العالمية".
الدينامية الجيوسياسية في إفريقيا، لا ينبغي أن تخضع لجمود الجغرافيا ولا لتجاذبات الماضي
وأضاف أنه "من الضروري أن تكون إفريقيا عنصرا فاعلا في حماية التنوع البيولوجي البحري والموارد الجينية والمحميات البحرية، وعليها أيضا أن تمتلك آليات للأمن البحري بما يتناسب مع احتياجاتها وتوحد كلمتها بشأن القضايا الدولية ذات الصلة بشؤون المحيطات".
وتطرق إلى تكامل السياسات المتعلقة بالمحيط الأطلسي، مؤكدا أن "الدينامية الجيوسياسية في إفريقيا، لا ينبغي أن تخضع لجمود الجغرافيا ولا لتجاذبات الماضي، مذكرا بأن الواجهة الأطلسية لإفريقيا لم تحظ بالاهتمام الكافي، في حين أنها تزخر بإمكانات لا حدود لها، كفيلة بفك العزلة وضمان العبور واحتواء التوقعات المستقبلية".
وقال "ذلكم هو المنظور الذي أطلقنا من خلاله مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، التي تهدف إلى جعل واجهة المحيط فضاء للحوار الاستراتيجي والأمن الجماعي والحركية والتكامل الاقتصادي، على أساس حكامة غير مسبوقة ذات طابع جماعي وتعبوي وعملي".
وأضاف أن "الرؤية الملكية لإفريقيا الأطلسية، التي يراد لها أن تسهم في تثمين المحيط الأطلسي، لا تقتصر على الدول المطلة على ساحله فقط، بل تتعداها لتشمل أيضا دول الساحل الشقيقة التي يتعين عليها أن توفر منفذا بحريا مهيكلا وموثوقا به".
وفي سياق متصل، أبرز الملك أنه "تم إطلاق مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي أيضا، باعتباره مسارا للربط الطاقي، ورافعة لإحداث فرص جيو - اقتصادية جديدة في غرب إفريقيا".
ويهدف هذا المشروع الضخم إلى نقل الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى أوروبا مروراً بعدة دول غرب أفريقية، مما يعزز التعاون الإقليمي ويخدم التنمية المشتركة.
ووقعت أكثر من 10 دول أفريقية مذكرات تفاهم مع المغرب ونيجيريا، ما أعطى دفعة قوية للمشروع الذي سيعبر الصحراء المغربية ليعزز سيادة المملكة على الإقليم.
وأشار العاهل المغربي إلى أن "البيئة تظل ركنا أساسيا في حكامة المحيطات، التي لا ينبغي أن ينظر إليها من هذا الجانب وحده"، مضيفا أن "المحيط يمثل سيادتنا الغذائية، وعماد صمودنا في وجه التغيرات المناخية، وأساس أمننا الطاقي وتماسكنا وانسجامنا الإقليمي، كما يعكس هويتنا، وأنماط استهلاكنا واستغلالنا لموارده، وما سنتركه إرثا للأجيال القادمة".
وقال إن "البحر كان وسيظل صلة وصل وأفقا مشتركا"، متابعا "من واجبنا جميعا أن نحميه ونحسن تدبيره، لنجعله فضاء للسلم والاستقرار والتنمية"، مؤكدا أن "إفريقيا، التي تكمن قوتها في وحدة كلمتها، تقع في صميم هذا المشروع الطموح".
وفي 6 فبراير/شباط الماضي، أعلن المغرب تشكيل شبكة من ممثلي برلمانات 23 دولة إفريقية أطلسية للمساهمة في تفعيل مبادرة "تحالف الدول الإفريقية الأطلسية" بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي، وتوفير جاذبية استثمارية دولية.
ويعكس التعاون جنوب - جنوب للمغرب رؤية متكاملة لتقاسم الازدهار والتنمية، ويعزز مكانته كشريك موثوق به وفاعل في بناء مستقبل أفضل للقارة الأفريقية والعالم النامي.
ويشمل مجموعة واسعة من القطاعات، أبرزها الفلاحة والأمن الغذائي بما فيها نقل الخبرة المغربية في مجال الفلاحة الذكية، الري، مقاومة الجفاف وتبادل المعرفة في تطوير مشاريع الطاقة الشمسية والريحية والمساهمة في مشاريع الطرق، الموانئ، والمنشآت الأساسية، بالإضافة إلى توفير برامج تدريبية متخصصة في مجالات متعددة وتعزيز الأنظمة الصحية وتوفير المساعدة في بناء القدرات الطبية.