العبث بمستقبل اليمن: اقتلاع الحوثي أم التأسيس لطائفية وجهوية؟

الانقلاب الحوثي عزز من صراع النخب السياسية في اليمن ومن التدخل الخارجي.

يمر اليمن بمرحلة حرجة غاية في التعقيد أبرز سماتها أنها حولته لمسرح لصراع الإرادات الإقليمية، وأدخلته في ارتداد وطني وانهيار سياسي شامل وتدهور في جميع نواحي الحياة. أضحت حالة اللادولة تسيطر على المشهد اليمني، ومن خلالها، وبشكل صارخ، تنتهك حقوق الإنسان اليمني، وتسترخص دماؤه بالقتل خارج القانون. ومن خلالها فتح الباب على مصراعيه لممارسة الارتزاق السياسي والفوضى المسلحة ونهب المال العام‘ ليتحول اليمن لبلد هش، مثخن بالقلاقل والاضطرابات الأمنية والسياسية.

فترة عصيبة تعصف بجذور ومقومات الهوية اليمنية، وتجرف أسس الانتماء الوطني، بين إزاحة وتجميد واحتواء وصولا للتفكيك الشامل لها، ما فتح الباب على مصراعيه، للدخول في مرحلة تعاظم فيها دور الوكلاء الإقليميين، كنتيجة حتمية للفشل الذريع للسلطة الشرعية والقوى السياسية الداعمة لها التي افتقرت لبوصلة القراءة الاستراتيجية الصحيحة لما يحاك لليمن، واتصفت تصرفاتها بالتخبط وغياب العقيدة السياسية الوطنية ووحدة الهدف والمصير، وهو ما أوجد انفصاما وتناقضا واضحا بين ما تعلنه وما تمارسه.

أخشى ما يخشاه اليمنيون هو أن ينتهي التدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن بالتأسيس لنظام سياسي ذي أبعاد طائفية وجهوية، يفتت ما تبقى من البنى الاجتماعية للشعب اليمني، خصوصا بعد هذا النهر من الدماء الذي أضحى منصة متقدمة لخلق واقع جديد، من خلاله يجري إعادة رسم خريطة اليمن السياسية ويكون فيها اليمنيون مشاريعا للعنف والاحتراب، ناهيك عن تشظي الديموغرافية اليمنية إلى هويات فرعية متقاتلة، تارة ترتدي العرق والمذهب، وتارة أخرى ترتدي الجهة والمنطقة.

واقع اليمنيين مثقل بمشكلات مزمنة، فمن أزمة إلى أخرى، ومن صراع بين السلطة والمعارضة لفوضى عارمة. واقع سرعان ما فتحت الأبواب لدورات جديدة من العنف، ولتطرف ايدلوجي طائفي وعصبوي مناطقي، بوسائل دموية غاية في التطرف.

مما لا شك فيه أن انقلاب المليشيات الحوثية مثل حصان طروادة الذي ولجت من خلاله التدخلات الخارجية في الشأن اليمني. عزز من تحكمها بالمسرح السياسي والعسكري اليمني نخب متصارعة، أطلقت العنان للتدخلات الخارجية بلا أي ضوابط، وجعلت الشأن اليمني عرضة للتجاذبات الإقليمية والدولية، التي ألقت بظلالها على فرقاء الصراع في الداخل اليمني، ودفعت نحو مزيد من التخندق والتأزيم.

إن العبث بمستقبل اليمن وتدجين اليمن ببذور العنف وإبقاء جذوة نار الصراع مشتعلة كفيل باستمرار الحرائق وإعادة تدوير الاحتراب والقلاقل، التي ستتجاوز أوارها اليمن، لتقدح شرارات الاضطرابات واللاستقرار في الجزيرة والخليج العربي. وبالتالي فإن صمام أمان اليمن وجيرانه وحماية السلم والأمن الإقليمي والدولي، في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي والمحيط الهندي، يمر من مساعدة اليمن في بتر يد إيران في اليمن، بإسقاط انقلاب المليشيات الحوثية، ومساندة اليمنيين في بناء مؤسسات الدولة، لتثبيت الأمن والاستقرار والشروع في إزالة آثار الانقلاب. بغير ذلك فإن اليمن ستتحول لفوهة بركان، حممه ستتطاير لتحرق المنطقة برمتها.