العبودية في موريتانيا ظاهرة تأبى الزوال

فشل في اجتثاث العبودية

نواكشوط ـ بالرغم من وجود تشريعات وقوانين تجرم العبودية في موريتانيا إلا أن هذه الظاهرة لا تزال موجودة بأشكال متنوعة ومقنعة في هذا البلد الذي عانى لفترات طويلة من الرق والعبودية رغم محاولات اجتثاث كل مظاهر استعباد الناس.

وفي هذا الإطار حكم على ثلاثة موريتانيين الاثنين بالسجن لسنة واحدة مع التنفيذ لقيامهم "بالشتم بالعبودية" في سابقة لهذا النوع من الجنح في هذا البلد الذي تدين منظمات غير حكومية استمرار ممارسات العبودية فيه.

وقالت مصادر قضائية ان "محكمة الاسترقاق" المكلفة مكافحة جرائم العبودية، فرضت "الحد الأقصى للعقوبة" التي تتراوح بين ستة اشهر والسجن لسنة واحدة لهذا النوع من الجنح، في ثلاث قضايا منفصلة.

وصدرت الاحكام على المدانين الثلاثة الذين فرضت عليهم ايضا غرامة تعادل 600 يورو، بسبب "الضرر المعنوي" الذي لحق بالاشخاص الذين وصفوا بالعبودية، وذلك بموجب قانون يعتبر جنحة "اي سلوك شتم او معاملة" استعبادية لشخص.

من جهة اخرى، ارجأت المحكمة الى جلسة اخرى ملفا آخر يتعلق بجرم عبودية بعد ان قدم المحامون طعنا بسبب اخطاء اجرائية الى غرفة الاتهام في محكمة الاستئناف بنواكشوط.

وكانت احكام بالسجن بين عشر سنوات وعشرين عاما صدرت في آذار/مارس في موريتانيا على ثلاثة اشخاص بسبب ممارستهم العبودية.

ويشكل موضوع العبودية أحد القضايا الشائكة في موريتانيا، وعنوانًا ثابتًا في التجاذبات السياسية، فبينما تؤكد الحركات الناشطة في مجال مكافحة الرق أنه لا يزال يمارَس واقعيًا، ترفض الحكومة الاعتراف بوجوده وتقول إن هناك مخلفات له وتعمل باستمرار للقضاء عليها عبر سن القوانين الرادعة ومنح الأولوية للمتضررين بتلك المخلفات في البرامج الاقتصادية والتعليم والصحة.

وقال مراقبون ان محاكمة أشخاص بسبب سلوك شتم او معاملة استعبادية لشخص تعيد إلى واجهة الأحداث من جديد الجدل الدائر حول العبودية في موريتانيا حيث أن الترسانة القانونية الضخمة التي أقرتها الأنظمة المتعاقبة في مجال محاربة العبودية، لم تمكن من القضاء عليها بشكل نهائي.

والعبودية محظورة رسميا في موريتانيا منذ العام 1981، لكن البلاد ما تزال تشهد ممارسات من هذا النوع.

وفي 2015، تبنت موريتانيا قانونا جديد ينص على أن العبودية "جريمة ضد الإنسانية" تعاقب بالسجن حتى 20 عاما، مقارنة بعشر سنين كحد اقصى سابقا. واقر القانون الجديد ثلاث محاكم خاصة لمكافحة العبودية في نواذيبو والعاصمة نواكشوط وفي مدينة نيما في جنوب شرق البلاد.

واشار تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر في 21 آذار/مارس الجاري الى ان هناك نحو 43 ألف شخص، حوالى 1 بالمئة من السكان، كانوا يعيشون في عبودية في موريتانيا عام 2016.

تاريخ العبودية

يعود تاريخ الجدل حول العبودية في موريتانيا إلى سنوات استقلال البلاد الأولى بداية ستينات القرن الماضي، حينما كانت العبودية تنتشر بشكل علني وصارخ بين كافة فئات المجتمع الموريتاني، سواء تعلق الأمر بالأغلبية العربية أو الأقلية الزنجية. ورغم أن السلطات أصدرت حينها قرارات تحمي العبيد من بطش أسيادهم، وتدخلت دائما لصالح العبيد كلما لجأ إليها احدهم طالباً إنقاذه من براثين العبودية، إلا أن أول إلغاء حقيقي للعبودية كان عام 1982 إبان حكم الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيدالة.

فقد اصدر ولد هيدالة قانوناً باركه رجال الدين في البلد، يقضي بتحرير العبيد ومنع الأسياد من ممارسة العبودية عليهم، وقد أثار هذا القانون انتقادات واسعة في صفوف الحقوقيين، الذين رأوا فيه اعترافاً بشرعية ما سبقه من عبودية.

ومع مر السنوات يؤكد نشطاء حقوق الإنسان أن حالات عديدة من العبودية ظلت قائمة وممارسة بشكل فعلي في أنحاء موريتانيا، وتوالت بعد ذلك قوانين محاربة العبودية، حيث أصدر الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في تسعينات القرن الماضي قانوناً يعرف باسم "قانون حظر استغلال الأشخاص".

ويحظر هذا القانون ممارسة العبودية حتى ولو كانت طوعية وقبل بها العبد، وفرض عقوبات على مرتكبيها. غير أن القانون الأشهر والذي صدر بالتشاور بين الحكومة ومنظمات حقوق الإنسان الناشطة في مجال العبودية، خصوصاً منظمة "نجدة العبيد" كان عام 2007 إبان حكم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

وقد تمت المصادقة على القانون المذكور بعد أشهر قليلة من انتخاب أول سياسي من شريحة العبيد السابقين رئيساً للبرلمان، وهو السيد مسعود ولد بلخير الذي يعتبر أحد أبرز مناهضي العبودية، ويطلق عليه أنصاره "محرر العبيد".

ومن جانبها تقول منظمة "نجدة العبيد" إن أصول العبودية في موريتانيا تعود في الغالب الأعم إلى الحروب التي كانت تدور بين القبائل والمجموعات العرقية خلال القرون الماضية، حيث كانت الغارات والهجمات المتبادلة بين القبائل فرصة لسبي الأفراد وتعبيدهم. كما شكلت التجارة عبر الصحراء بين شمال إفريقيا وغربها ووسطها رافداً مهماً من روافد انتشار العبودية، حيث كانت البضائع القادمة مع قوافل الشمال من ملح وصمغ وقماش، تتم مقايضها بالعبيد في بلدان غرب ووسط أفريقيا.

تجريم العبودية

وضعت موريتانيا قانونا يجرم العبودية حدد الممارسات الاستعبادية سلوكا وتعبيرا وعقوباتها. واستحدثت محاكم متخصصة لمواجهة جرائم الاسترقاق وجهت له انتقادات من ناشطين حقوقيين.

وقد أقرت الجمعية الوطنية الموريتانية (الغرفة الأولى للبرلمان) يوم 13 أغسطس/آب 2015 مشروع قانون رقم 049/15 يلغي ويحل محل القانون رقم 13/011 الصادر بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2013 يقضي بمعاقبة جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية .

القانون الذي يتكون من 26 مادة، تنص مادته الثانية على أن "الاستعباد يشكل جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم"، وتبين المادة الثالثة الحالات التي توصف بأنها استعباد، ومعاقبة كل إنتاج أو عمل ثقافي وفني يمجد الاستعباد، بعقوبة ست سنوات سجنا ومصادرة ذلك العمل. كما فرض القانون غرامات مالية على كل من شتم علنا شخصا ووصفه بأنه عبد، أو ينتسب إلى العبيد. وقد تصل العقوبة إلى عشر سنوات سجنا نافذا، وتصل الغرامة المالية إلى خمسة ملايين أوقية (حوالي 14 ألف دولار) ونص القانون الجديد على استحداث محاكم متخصصة لمواجهة الرق بقضاة متخصصين، ألزمهم بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض، وتنفيذ الأحكام القضائية التي تتضمن تعويضا لضحايا العبودية، دون انتظار الاستئناف.

ورغم ارتياح منظمة "نجدة العبيد" غير الحكومية، للخطوة ووجود رغبة في التخلص من الرق، إلا أنها اعتبرت أن قانون تجريم العبودية الجديد غير كاف. وبرر رئيس المنظمة الموريتانية بوبكر ولد مسعود هذا الموقف، بقوله بأن القانون لا يعرف بشكل واضح الرق كما هو معاش في البلد، بل عمم الموضوع ولم يتطرق لما وصفه بقضايا أساسية.

وقد طالبت منظمات حقوقية غير حكومية بتعديلات على مشروع القانون قبل اعتماده، سعت بالأساس لرفع العقوبات السجنية على جريمة الاستعباد من عشرة إلى ثلاثين عاما.