العدالة لضحايا الأكثرية

النواب اللبنانيون أدعياء التغيير فوتوا في أول جلسة نيابية يحضرونها فرصة أن يكونوا كتلة موحدة ووازنة.
لا نبيع سيادة في البحر بينما نحن في حالة تنويم سيادي
الاستمرار في تأليف حكومات تحت مسميات الوفاق والوحدة الوطنية لا يمنع الانقسام

هل أطاحت نتائج جلسة 31 أيار/مايو نتائج انتخابات 15 أيار؟ الكتل النيابية السيادية/التغييرية يعزي بعضها بعضا بأن الرئيس نبيه بري فاز لأول مرة بأكثرية النصف زائدا واحدا. لكن الجميع تناسوا أن عدد الأصوات يدوم أربع ساعات بينما فوزه يدوم أربع سنوات. القوى التي تقدر ذاتها أكثرية سيادية فشلت في تحقيق اختراق في نيابة رئاسة المجلس وغيرها، فيما الشعب انتخبها لتتحد وتنتصر. والنواب أدعياء التغيير فوتوا في أول جلسة نيابية يحضرونها فرصة أن يكونوا كتلة موحدة ووازنة رغم أصواتهم الثلاثة عشر وتسببوا بفوز الفريق الذي اتهموه بالاعتداء عليهم أثناء التظاهرات! و"الوسطيون" عوموا قوى 8 آذار/مارس، ثم عادوا في اليوم التالي يعطون دروسا في الوحدة للسياديين!

إن الطرح السيادي والتغييري لا يكفي ليكون الطارح قوة سيادية وتغييرية. إن النضال الفعلي بكل الوسائل المتاحة قانونيا أو وطنيا من أجل السيادة والتغيير هو معيار الانتماء إلى الفريق السيادي والتغييري. حتى الآن نسمع كلاما في الإعلام عن السيادة والتغيير، ولا نرى نضالا جديا من أجل تحقيقهما. حين بلغ هنيبعل التاسعة من العمر اصطحبه والده، هملكار، إلى معبد ملكارت الفينيقي في قرطاجة ليقسم اليمين "المقدس" على "ألا يكون يوما صديقا للرومان". ظل هذا القسم وعدا إلى أن أعلن هنيبعل الحرب على روما من سنة 214 ق.م حتى وفاته نحو سنة 183 ق.م.

طبعا لا ندعو إلى الحرب وإن كنا أهل مقاومة، وهنيبعل ليس بيننا مع أننا بحاجة إليه. لكننا ندعو إلى ترجمة الأقوال بالأفعال. الوقت حان لحسم المواقف والخروج من الجمود القاتل والميوعة المتفشية والفشل المتراكم. فلا نبيع سيادة في البحر، بينما نحن في حالة تنويم سيادي. ليست السياسة فن توزيع الوعود، بل تنفيذها. طال انتظار باب الفرج من دون نضال، وطال انتظار الشعب عودة العزة والحياة الكريمة. مم نخشى لقلب الأمر الواقع؟ نحن في قلب كل ما كنا نخشاه. نعيش واقع الخسارة من دون خسارة. كل الهزائم وراءنا ولا أمامنا سوى الأمل بالتغيير، فانتفضوا أو انسحبوا. والتغيير ليس محصورا بعمر وفئة. لا توجد قوى تقليدية وقوى تغييرية، بل قوى وطنية وأخرى غير وطنية، وقوى نزيهة وأخرى فاسدة، وقوى شجاعة وقوى جبانة.

ليست السيادية أن نبقى في المعارضة، بل أن نقلب الموالاة ونشارك في الحكم. صحيح أن نتائج الانتخابات النيابية ليست فوزا جارفا للمعارضة، لكنها، إذا أحسن توظيفها، قد تكون كافية للانطلاق منها وخلق زخم وطني جديد وقيادة جديدة بمن حضر. في هذا السياق، إن الفريق اللبناني الذي يقال عنه إنه غير سيادي لا يحتاج إلى القيام بأي مبادرة لتغيير الواقع، فهو فرض هذا الواقع ومرتاح لوضعه، وارتفعت معنوياته بعد انتخابات رئيس المجلس النيابي ونائبه ومكتبه. هذا الفريق ينجز كل يوم جزءا من مشروعه الرامي إلى السيطرة على الدولة من دون أن يتصدى له أحد.

واجب السياديين/التغييريين أن يتحركوا لتغيير هذا الواقع واستعادة السيادة واسترداد الدولة إلى نظامها الأساس وإلى شرعيتها الدستورية. إن المبادرة في ملعب الذين أعلنوا غداة الانتخابات النيابية: "نحن الأكثرية السيادية والتغييرية". لكن تبعثر هذه الأكثرية كشف ثلاثة معطيات: 1) الأكثرية النيابية ليست بأكثرية، وبالتالي ليست متمكنة بدون اتحادها من قيادة المرحلة المقبلة، وامتحان اللحاق  (rattrapage) سيكون لدى انتخاب اللجان النيابية وتشكيل الحكومة. 2) تداول السلطة مستحيل بوجود قوى الأمر الواقع والسلاح غير الشرعي، خصوصا بوجود قيادات سياسية مياومة تعمل بالقطعة وتنقلب بالجملة على التحالفات. 3) حزب الله يتمتع بقوة أخرى ناجمة عن سلاحه، هي القدرة السياسية على التحكم بمؤسسات النظام الديمقراطي من خلال لعبة التحالفات التي يقودها مع الرئيس نبيه بري.

صحيح أن الحرب بالنظارات سهلة، لكن التعقل الزائد مضر والأنانية مؤذية. عدا اتحادها، يتحتم أن تفتعل المعارضة السيادية مجموعة ديناميات شعبية للتغيير تزاوج بين الإجراءات الديمقراطية والاحتكام إلى الشارع لخلق حالة ضاغطة. وإذا كانت المعارضة تعتقد أن موعد التغيير السيادي لا يبدأ قبل انتخاب رئيس جمهورية جديد، فهي مخطئة. إن انتخاب رئيس مختلف بمبادئه وخياراته وتحالفاته ونهجه عن الرئيس الحالي يستدعي إحداث واقع سياسي سيادي مسبقا ليصبح ممكنا انتخاب رئيس سيادي وتغييري. إن من شأن حصول انتفاضة سيادية أن تستبعد وصول مرشح رئاسي من 8 آذار، وتزيد فرص مرشحي المعارضة، وتمتحن جدية الدعمين العربي والدولي.

أكدت السنوات الست المنصرمة أن المعارضة الرمزية لم تؤد إلى نتيجة يعتد بها، ولم تكن محط تقدير لدى الأطراف المهيمنين على البلد، لا بل استضعفوا المعارضين وأهملوهم. إن الحفاظ على الستاتيكو القائم صار يشكل خطرا على مصير لبنان، لاسيما أن الـمنطقة مليئة ببراكين قابلة للانفجار أكثر من أي يوم مضى. علاوة على ذلك، إن الاستمرار في تأليف حكومات تحت مسميات الوفاق والوحدة الوطنية لم تحتو الخلافات ولم تمنع الانقسام، بل غطت تعطيل الدستور وتجميد القرارات والانقلاب على الشرعية والمؤسسات والنظام، وقضت على الوحدة الوطنية. لذلك حذار الخطأ. سابقا وضعتمونا في آتون التسويات، وها إنكم تضعوننا اليوم في ترف الهزائم غير الضرورية التي تؤدي بكم إلى تسويات جديدة.

لا بد للقوى السيادية من أن تقارب المرحلة الحالية بشكل مختلف يقوم على مبدأ الشاعر أبي الطيب المتنبي: "إذا رأيت نيوب الليث بارزة/فلا تظنن أن الليث يبتسم". نرى الابتسامة، لكن... أين الليث وأين الأنياب؟