العراقيون ينتظرون أكثر من إسلام السفير البريطاني الجديد

أكاد أجزم أن لا أحد من العراقيين الذين احتفوا بإسلام السفير الجديد مارك برايسون ريتشاردسون وأسم ابنه علي، يمتلك معلومات عن سبب دخوله الإسلام.
العراقيون ينتظرون من السفير البريطاني الجديد مارك برايسون ريتشاردسون أكثر مما قدمه زميله السابق ستيفن هيكي من خبز تنور ودولمة عراقية وأكثر بكثير من دينه كمسلم واسم ابنه علي

من يقرأ كتاب “الاحتجاج” لأبي منصور الطبرسي، أحد أكبر علماء المذهب الشيعي في القرن السادس الهجري، يكتشف بيسر الهراء المصفوف على أنه حقائق تاريخية. ومن سوء حظ المجتمعات العربية أن ذلك الهراء انتقل من الأقبية الطائفية المظلمة التي كان يتداول فيها كتاب “الاحتجاج” إلى أن يتصدر الواجهة في سجال أعمى ومسموم على مواقع التواصل والقنوات التلفزيونية.

هذا الكتاب مصدر كبير للاستخفاف بالعقول، عندما يضفي هالة خرافية على اسم علي وهو ينقل احتجاج الإمام علي على سلب الخلافة منه!

بالأمس أعاد عراقيون ما يشبه ذلك الهراء التاريخي مع الفيديو الذي نشره السفير البريطاني الجديد في العراق مارك برايسون ريتشاردسون يعّرف فيه الجمهور العراقي على نفسه بطريقة تجلب الانتباه فعلا. أهم ما فيه حديثه بعربية سليمة ومدهشة وتقديم نفسه على أنه مسلم ولديه ولد اسمه “علي” يتحدث كثيرا معه عن كرة القدم.

تحولت مفردتا مسلم وعلي إلى موضع احتفاء يعبر بامتياز عن تشبث عراقيين بالوهم بوصفه إنجازا يحسب للعراق، وجائزة ترضية مقابل خساراتهم السياسية والاجتماعية الفادحة.

تكرر كثيرا مثل هذا الوهم من قبل في قصص غير حقيقية بالمطلق تم تداولها في وسائل إعلام بوصفها مفخرة عراقية تاريخية، من بينها تقرير ملفق تم تداوله بشكل كبير في وسائل إعلام بعضها يعد عالي المسؤولية! يعزو النهضة الاقتصادية الصينية إلى عالم اقتصاد عراقي مسيحي اسمه إلياس كوركيس، مقابل انهيار الاقتصاد العراقي وعجز الحكومات عن انتشاله منذ عام 2003.

الخرافة الأخرى كانت عن وهم وجود خمسة وزراء من أصول عراقية يتقلدون مناصب رفيعة في الحكومة البريطانية، مقابل مجموعة من الوزراء الجهلة في الحكومات العراقية المتعاقبة.

مهما يكن من أمر، فإن العراقيين الذي يعرفون بريطانيا جيدا سبق وأن قدموا للسفير السابق ستيفن هيكي ما يساعده على فهم العراق أكثر، ليس عن طريق تقديم نفسه كخباز في مطبخ عراقي، فمثل هذا التنور الذي كان يقف بجواره في فيديوهات عدها مفاجأة تاريخية، لا تخلو منه المئات من المطاعم في لندن!

كان السفير السابق نجم مواقع التواصل الاجتماعي العراقية من أنواع الطعام إلى ارتداء الملابس التقليدية وعرض نفسه كأحد أكثر المشجعين المتحمسين للمنتخب العراقي لكرة القدم، بينما بقيت السياسة والواقع العراقي الرث آخر اهتماماته.

في يوم ما أرسلت لهيكي مقال الكاتب البريطاني ماثيو باريس للتعلم منه كيفية النظر إلى دول الشرق الأوسط، وألا يكرر جهل الغرب السياسي والإعلامي بالعالم العربي.

فقد كتب باريس في صحيفة التايمز آنذاك “حان الوقت كي نعترف بأننا ضللنا الطريق في الشرق الأوسط. أسفل سياسات الخارجية والدفاع البريطانيتين تقبع أكبر كذبة استمر تداولها منذ حرب الخليج الأولى قبل 25 عاما، وهي أننا نعرف ماذا نفعل هناك”.

وأضاف باريس الذي يعد من بين أهم الكتاب الذين يقرأون واقع العالم العربي بطريقة صحيحة “الحقيقة هي أنه ليس لدى البريطانيين ولا الأميركيين أدنى فكرة عما يحدث هناك، رغم محاولات إقناع أنفسنا أنه دائما هناك الشيء الصحيح الذي يتعين علينا القيام به (…) ماذا لو لم يوجد أصلا هذا الشيء الصحيح؟”.

أكاد أجزم أن لا أحد من العراقيين الذين احتفوا بإسلام السفير الجديد مارك برايسون ريتشاردسون وأسم ابنه علي، يمتلك معلومات عن سبب دخوله الإسلام، وتوقيت ذلك، وعما إذا كان مرتبطا باختياره لزوجة مسلمة أم محض قناعة دينية مجردة (لا توجد أي صورة منشورة أو تعريف للسيدة زوجة ريتشاردسون).

أيضا لا نعرف دلالة اسم علي بالنسبة إلى السيد السفير البريطاني، ومع أنه لفظه بعربية صحيحة، لكن مثل هذا الاسم شائع ومعروف في المجتمع البريطاني وإن اختلف بحروف التهجي الإنجليزية عما يكتب بالعربية.

فـ”آلي” الإنجليزي اسم يطلق على الإناث والذكور على حد سواء. أحد أنجح المسلسلات التي عرضت قبل سنوات على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” كانت بطلته اسمها آلي في المسلسل.

الجمهور العربي يعرف جيدا أن لاعبي المنتخب الإنجليزي وناديي توتنهام وأستون فيلا ديلي آلي وأولي واتكينز، اسماهما هما نوع من تهجي اسم علي العربي.

ومها يكن من أمر فهذا الاسم شائع في مرويات التاريخ اليوناني القديم، ويعني المشرق والنبيل، وهو شكل مشتق من الأسماء اليونانية والألمانية القديمة مثل إلبرتا وإلبرت وإليس وإليا الذي يعد من الأسماء الشائعة جدا بين المسيحيين العرب.

ذلك يوضح لنا أن إضفاء سمة ما أيا كان نوعها للاحتفاء بالسفير الجديد لمجرد أن اسم ابنه علي، يعيدنا إلى جائزة الترضية التي بحث عنها عراقيون في وهم العراقي الذي أنقذ الاقتصاد الصيني وأكذوبة الوزراء العراقيين في الحكومة البريطانية، مقابل واقعهم كشعب مخطوف لم يستطع إلى حد الآن (لست ممن يفقدون الأمل) التخلص من براثن الخاطف.

سيرة السفير ريتشاردسون لا تشير إلى أي أهمية متعلقة بدينه، فاسمه يؤكد لنا أنه لم يولد مسلماً. كما أن الحكومة البريطانية وهي تختار أفندية “الوايت هول” لا يقف حائلا أمامها دين المسؤول، وإن كان بلا دين.

ما يحسب للسيد السفير الجديد الذي درس التاريخ في جامعة كامبريدج إتقانه اللغة العربية بشكل سليم، وقد تعلمها كما تشير سيرته المنشورة في دورات مكثفة داخل بريطانيا بحكم عمله السابق كمدير لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية، إضافة إلى عمله في سفارة بلاده من قبل في كل من الصومال والعراق.

مهما يكن من أمر فالعراقيون ينتظرون من ريتشاردسون أكثر مما قدمه زميله السابق ستيفن هيكي من خبز تنور ودولمة عراقية، وأكثر بكثير من دينه واسم ابنه.