العراق دولة تستنزف الأشباح ثروتها

في ظل التركيبة السياسية الحالية فإن لا أحد في إمكانه أن يراجع سياسات المالكي.

يحتاج المرء إلى كثير من الخيال لكي يكون مؤهلا لوصف الأوضاع التي صنع من خلالها نوري المالكي وهو رئيس وزراء العراق السابق دولته الخفية.

فالرجل تحرك في مناطق وهمية ليصنع أوهاما خلفت وراءه أوهاما كبرى.

يكاد ذلك الرجل أن يكون أشبه بأولئك السحرة المشعوذين الذين يستخرجون من القبعات حمائم تطير وأرانب تتقافز وفيلة من غير أجنحة.

لقد شيد عمارات من هواء وأقام جسورا من فقاعات وفتح طرقا لم يلمس الاسفلت مترا واحدا منها واستورد قطارات من الصين فيما لا توجد سكك حديدية في العراق وبنى 800 مدرسة كانت عبارة عن هياكل حديدية وأنشأ جسورا للمارة غير صالحة للاستعمال لأنها من غير سلالم.

كانت المعمارية الراحلة زها حديد ساذجة حين تقدمت بمشروعها إلى مسابقة مبنى رئاسة الوزراء. خسرت حديد في المسابقة لأن رئيس الوزراء كان يرغب في انشاء بناية وهمية فيما كان على يقين من أن حديد كانت ترغب في إقامة بنايتها على أرض الواقع.

غير أن الحق يُقال أن الرجل كان كريما.

لقد اخترع مفهوم الخدمة الجهادية وخص أصحابها بملايين الدولارات. في سياق ذلك الاختراع أكتشف العراقيون أن هناك الافا من بينهم كانوا مجاهدين ولم يسمعوا بأخبار جهادهم.

كما أنه عوض اللاجئين من أعضاء حزب الدعوة في دول اللجوء الأوروبي عن سنوات لجوئهم وفي الوقت نفسه التفت إلى نازحي رفحة السعودية وفيهم من عتاة وصغار المجرمين وخصهم برواتب تشمل أولادهم الذين ولدوا في دول اللجوء بحيث صار عدد لاجئي رفحة أكثر من نصف مليون بعد أن كانوا أقل من خمسين الفاً.

كان المالكي حنونا على السجناء السياسيين الذين بلغ عددهم حسب جداول حكومته ثلاثة ملايين. الرقم يبدو مروعا. وبالأخص أن العراق لم يكن فيه سجين سياسي واحد بسبب وجود محكمة الثورة. لقد تم تعويض أولئك السجناء عن سنوات سجنهم. وهو ما أكسب المالكي شعبية وهمية. ذلك لأن أولئك السجناء لم يكونوا سوى أشباح.

ما صار يُطلق عليه في العراق بعد انتهاء ولاية المالكي بـ"جيش الفضائيين" انما هو جزء من حشود الأشباح التي كانت تتقاضى رواتب ومخصصات تلتهم جزءا من ثروة الشعب العراقي من غير أن يكون لها وجود مادي.

ما صنعه المالكي عبر سنوات حكمه الثمان لا يمكن تفكيكه بيسر. ذلك عمل يتطلب جهدا يفوق طاقة الخبراء المتخصصين بجرائم الفساد.

وإذا ما عرفنا أن المالكي لا يزال يدير الدولة العراقية من خلال أتباعه والمستفيدين من فساد دولته فإن الوصول إلى حقيقة ما جرى ويجري في أروقة وممرات الاقتصاد العراقي سيكون أمرا مستحيلا.

اما لعبة رئيس الوزراء الحالي في تحويل عدد من وزراء المالكي السابقين إلى القضاء بشبهة الفساد فإنه لا يرقى إلى مستوى الفضيحة. ذلك لأنه عمل صبياني مكشوف. لا لأن الوصول إلى أولئك الوزراء الذين يقيمون في البلدان التي يحملون وثائقها أمر صعب حسب بل لأن الحكومة لا تجرؤ على فتح ملفات تعود إلى مرحلة حكم المالكي. هذا على افتراض أن في إمكان الحكومة، أية حكومة أن تصل إلى تلك الملفات.

ثم مَن يقول أن هناك ملفات.

لقد نجح المالكي في الوصول إلى تقنية، تحول دون أن تتمكن أية حكومة تلي حكومته من الاطلاع على ملفات الصفقات المشبوهة والعقود الزائفة.

لذلك فإن إحالة عدد من وزراء المالكي إلى القضاء هو مجرد فقاعة إعلامية يُراد من خلالها ايهام المحتجين الشباب بأن هناك شيئا ما يُدبر ضد استمرار الفساد.

شيء من ذلك القبيل لن يقع.

فالعبادي وهو رئيس الوزراء الحالي لم يجهد نفسه أصلا في مراجعة القوانين التي سنها سلفه المالكي والتي منح بموجبها امتيازات مالية استثنائية للمجاهدين وأعضاء حزب الدعوة والسجناء السياسيين ولاجئي مخيم رفحة. وهي امتيازات تلتهم جزءا لافتا من الميزانية العراقية من غير حق.

لم يفعل العبادي ذلك لأنه مؤمن بما فعله سلفه.

في ظل التركيبة السياسية الحالية فإن لا أحد في إمكانه أن يراجع سياسات المالكي التي قادت العراقيين إلى ما هم فيه من رثاثة وهزال وجوع وحرمان وفاقة وجهل ومرض وضياع.

سياسيو العراق فاسدون والمالكي هو امامهم في الفساد.